لي
ليس الموعد هاهنا !!
===========
حسام الدين بهي الدين ريشو
===============
عندما عرف فيما بعد أن اسمها " صفاء "
أدرك أن الصفاء ذاته هو الذي اختار لها ذلك لتكون إسما على مسمى .
استرعت انتباهه وهو يتردد على المكتب الذي تعمل به
كنا في رمضان ... رآها تنتحي جانبا على مقعدها وتستغرق في تلاوة قرآنية من مصحف بدا مرهقا من كثرة الاستعمال
بدت له كزهرة بيضاء وسط هذا الجمع أو غصنا أخضر في زمن الخريف .
كانت في قلبه ارتجافة دائمة تزداد كلما استوقفته رائحة الزمن الجميل
وعندما شعرت بعينيه .. ترقبانها .. نظرت اليه
فاح عبير البراءة من عينيها .. فقال لها :
لديَّ مصحف إضافي جديد ... هل تأذنين لي أن أهديه إليك ؟
أومأت برأسها وابتسامة خجول موافقة .
فقدمه لها في اليوم التالي
وسافرت أيام وشهور .. توقفت العلاقة بينهما عند اعجابه الصامت بها ونظرات الإمتنان في عينيها
وجاء رمضان التالي وتوقف ذات ليلة في تلاوته عند قوله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا .... "
فتذكر قصة " عبد الواحد بن زيد " ... عندما سأل الله تبارك وتعالى أن يريه رفيقته في الجنة !!
فشاهد رؤيا قيل له فيها :
رفيقتك " ميمونة السوداء "
ضرب إليها أكباد الإرض حتى وصل الى مشارف قومها .. وسأل عنها ؟
فقالوا ساخرين منه و منها ... إنها مجنونة بالصحراء ترعى غنما ...
ذهب إليها فوجدها تصلي وبين يديها عكاز وعليها جبة من صوف مكتوب عليها " لاتباع ولا تشترى " ... ورأى غنما وذئابا فلا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تخشى الذئاب !!
يقول عبد الواحد :
فلما رأتني أوجزت في صلاتها ثم قالت لي على الفور ولم تكن رأتني من قبل :
ياعبد الواحد .. ليس الموعد هاهنا ... إنصرف .
فسألتها بالله عليك من أخبرك أنى أبن زيد ؟
قالت : ألا تعلم أن الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها إئتلف !
قلت لها : أرى غنما وذئابا فلا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تخشى الذئاب فأي شيئ هذا ؟
قالت :
إني أصلحت مابينى وبين سيدي فأصلح مابين الذئاب والغنم !!
في الصباح تساءل .. وماذا تفعل الأرواح في الزمن الردئ الذي سيطرت فيه شهوتي الجنس والمال فأخذتا بقلوب الناس وأرواحهم ولم تترك للحب شيئا ؟
ومر على المكتب الذي تعمل به " صفاء " .. كانت أوراقه عندها اليوم
رآها كما شاهدها من قبل تقرا في مصحفه ... تأمل ماتقرأ قبل أن تتوقف فوجدها تتوقف عند نفس الآيات التى توقف عندها .
نظرت إليه
كانت نظراتها اليوم وخزات آلمتْ إحساسة من شدة ماتحمل من أحزان
قالت له :
القلوب حولنا بلا نوافذ والأرواح مكبلة بشهوات الأجساد والنهارات كئيبة تبتغي العزلة بعيدا عنا .. والليالي تئن مما يرتكب في أحشائها .
والأحزان قد توحشت في قلوب يؤلمها ذلك كله
وصار الطريق الوحيد للبقاء هو الرحيل !!
وأمسكت عن الكلام ونظرت إليه بمقلتين حزينتين وابتسمت إبتسامة لم يدرك مغزاها إلا فيما بعد ..
وسألته .. هل تعرف شيئا عن " ميمونة السوداء " ؟
إرتجف فؤاده من المفاجأة ورفرف قلبه على أطراف الوشاح الذي تغطي به رأسها .. وتقاذفته مسارات الحقيقة والخيال .
حتى أنه لم يدر أنها انصرفت من أمامه .
عاد في اليوم التالي بعد ليلة تجافى جنبه خلالها عن مضجعه من شدة حيرته ...فوجد مقعدها خاليا
وعندما سأل عنها على إستحياء قيل له : لقد رحلت
شعر بشئ ما يتفحم في قلبه
ومن خلف عبرتين قاوم كثيرا ألا تسقطا أمام زملائها هيئ له أنه يرى طيفها يبتسم له ويقول :
لا تجزع ... ليس الموعد هاهنا !!!