صدرت روايتي الأخيره " أحبك ولن أكتفي " الشهر الماضي عن دار أكتب للنشر والتوزيع وهي العمل الوحيد الذي تقيدت بعدم نشره علي صفحات الويب قبل طبعه وهي روايه من خمسة فصول سأقوم بنشر الفصل الأول هنا اليوم ريثما أحصل علي موافقة الناشر لنشر باقي الفصول وكلي أمل أن تنال هذه الروايه رضاكم وأن افيد من نقدكم لها
قام بالكتابة المقدمه الأستاذ الدكتور / محمد فؤاد منصور هذا الصديق الذي لم ألتقيه ألا عبر صفحات الويب واكن له كل تحيه
الفصل الأول
تدافعت الجموع في فوضى حين زمجر القطار بصوته وبدأ صليل حلقاته الصدئة في إصدار صفير يصم الآذان ، هواء الفجر المنعش الذي كان يلاطف الأوجه ويعبث بشعر الحسناوات اللواتي كن قد احتللن معظم كراسي القطار الخشبية وجلسن مستعدات لبدء جلسة النميمة الصباحية التي لا تتوقف إلا عند محطات قطار الضواحي السبع والذي كان يقطع المدينة في رحلته فيما يقارب الساعتين .
بعض النسوة الريفيات اللواتي كن يحملن بعض خير قراهن لبيعه في المدينة ويحضرن مع قطار الصحافة باكراً كن يجاهدن ليلحقن بتلك الرحلة الصباحية الأولى ليتمركزن في أسواق المدينة من ساعات الصباح الأولى علي أمل أن ينجحن في بيع ما لديهن والعودة إلى قراهن بسرعة .
المشهد المعاد يومياً بضجيجه وصوت صافرة ناظر المحطة المختلط بغوغائية الحشود التي تصارع الحياة في سعيها لجلب لقمة العيش مع أصوات الباعة الجائلين وباعة الجرائد المنتشرين كوباء فر من عقاله ، ثم السكون الذي يعقب رحيل القطار والذي لا يدوم أكثر من عشرين دقيقة تبدأ بعدها وتيرة الأصوات في الارتفاع التدريجي حتي لا يعد بالإمكان تمييز أي صوت.
من كافتريا المحطة كنت أجلس مستمتعا بهذا العرض السريالي كلما لاحت لي فرصة سفر تبعا لعملي ، والذي كان يؤمن لي تذكرة في القطار الفاخر المكيف الذي كان موعده بعد هذا العرض بأكثر من ساعتين ، إلا أنني كنت أحرص دوما على الحضور مبكرا لأستمتع بهذا المشهد المتكرر في انتظام عجيب ، وكان يمثل لي رحلة الحياة بكامل متناقضاتها .
سفرياتي التي ما كانت تتعدى الثلاث كل شهر حسب ظروف العمل كانت مملة في قطاري المكيف ، حيث الوجوه الصلدة والابتسامات المتكلفة والصحف المشرعة في صمت حتى وصولنا إلى نهاية الرحلة ، كنت أجلس مسترجعا تدفق المشاهد الآسرة للبشر الذين تترع أوصالهم بالحياة وهم يجاهدون في خضم بحر الحياة بتلاطم أمواجه وقسوتها ، لكنهم كانوا يستمتعون وهم يمارسون طقوس العيش بدهشة اللقاء الأول كل يوم ، ورغم الضيق والصياح والزحام تجد دوما الأيادي ممدودة والتكاتف هو السائد والحرص على الآخر مع اقتسام اللقمة مهما كانت بسيطة هو ديدنهم .
حين بدأ الضجيج يعلو من جديد لمحتها ، ولجت باب الكافتريا بحجابها الرقيق ونظرة عينيها الباسمة عبرتني في طريقها إلى أقصى طاولة في الركن ، جلست بهدوء وأخرجت بعض الأوراق وأمسكت بقلمها وهي تنظر إلى السقف ، ثم ما لبثت أن وضعت طرف القلم بين شفتيها ، لم أستطع صرف عيناي عن متابعتها ، كانت منشغلة بأوراقها وقلمها الذي ما أن يغادر الصفحة حتى يستقر بين شفتيها الكرزيتين في حركة عفوية ، بعد دقائق طلبت قهوتها ، كانت المرة الأولى التي أراها فيها لكنني كنت مشدودا إليها بطريقة لم أعهدها قبلا ، مرت لحظات قبل أن أدرك أن موعد قطاري قد حان ، حين وقفت وجدتها تلملم أوراقها هي الأخرى بعد أن نظرت إلى ساعتها وقامت مسرعة ، تبعتها وشعور غريب يغمرني ، ورغم أنها توجهت إلى نفس القطار الذي كنت أقصده إلا أن الزحام حال بيني وبينها وفرقنا.
أمضيت رحلتي منشغلاً بتلك الفتاة التي اقتحمتني من النظرة الأولي ، لم أؤمن يوما بالحب من النظرة الأولي أو حتي أجرب هذا الإحساس ، لذا شعرت بغرابة من تعلق فكري بها حتي موعد عودتي ليلا .
في صباح اليوم التالي وجدتني أتوجه إلى محطة القطار بلا سبب سوى رغبتي الملحة في رؤيتها ، جلست قريباً من الركن الذي جلست فيه بالأمس ، ورغم تعلقي الشديد بمتابعة أرتال البشر إلا أنني كنت اليوم منشغل البال أتلهف إلى رؤيتها ، مضت الدقائق ثقيلة حتى لمحتها ، خطت إلى نفس الطاولة ، تبسمت وهي تعبرني ، وبعد أن جلست وجدتها تحدق في وجهي ، شعرت بسعادة وأنا أشعر بأنها قد تعرفت إلى وجهي وشعرت بأن الحديث بيننا على وشك البدء.
حين لاحظت تحديقي إليها خفضت طرفها خجلا ، أما أنا فبقيت محملقا في وجهها ، بدأت في فرد أوراقها ولكني لاحظت ارتباكها ، طرأت علي ذهني فكرة ، طلبت قهوة لي ولها وقمت متجهاً إلى الطاولة التي كانت تجلس عليها ، رفعت عينيها حين اقتربت وقبل أن تتفوه بكلمة ابتسمت وأنا أستأذنها في تناول القهوة معها ، همست : ألست الأستاذ أكرم فوزي الكاتب المعروف ؟ تبسمت وأنا أومئ برأسي ، قامت ومدت يدها في ترحيب أزال بعض الحرج الذي كان يعتريني ، أردفت: لقد قرأت كل كتبك يا أستاذ ، تبسمت وأنا لازلت أنظر إلى عينيها ، تلعثمت وهي تداري خجلها من نظراتي وهمست : رنا صقر صحافية تحت التمرين .
حتي تلك اللحظة لم أكن أعرف بالضبط ماذا أريد ولمَ أقدمت على تلك الخطوة وماذا ستكون الخطوة التالية ، لكني حاولت ألا أقطع التواصل الذي بدا للتو بمحاولة الاستطراد في الحديث معها ، لكن صوت صافرة القطار قطع استرسالي ووجدتها تهب واقفة وهي تجمع أوراقها بسرعة وتعتذر مني مستأذنة لتلحق بالقطار ، ودعتها وحيرتي لا زالت تكبل خطواتي.
مرت عدة أيام كنت أحاول أن ألتقيها من جديد لكنها لم تأتِ إلى المحطة ، عدت إلى رتابة الحياة التي كنت أتقن طقوسها المتكررة ، حتى أتى يوم انعقاد الندوة التي كنا نعد لها بالصحيفة لمناقشة أعمال الأديبة العراقية انتصار الأنباري ، كنت قد رشحتها كضيفة لندوة الصحيفة الشهرية، خاصة بعد أن صدر كتابها الأخير الذي تناول قصة مدينة عراقية تعرضت لشتي صنوف العدوان الأمريكي وتناولها بالتحليل لقضية المقاومة بين التنظير والواقع ، وبعد قرائتي للنسخة التي أهدتني إياها موقعة وجدت أن القصص التي سردتها فيها الكثير من الواقعية ، وتناولتها برقتها المعهودة ورشاقة قلمها وأسلوبها الرائع الذي اشتهرت به وصاحب رحلتها الأدبية لثلاثة عقود هم عمرها الأدبي ، أما سنوات عمرها الخمسين التي عاشتها بحلوها ومرها ما بين وطنها ومنفاها فقد كانت ذخراً لتجربتها الأدبية الحافلة وتنوع كتاباتها وذيوع شهرتها على مستوى العالم العربي كافة .
اتصلت انتصار بي قبل الندوة بساعة ، حين وصلت إلى باب حجرتها بالفندق الذي كانت تقيم فيه وجدتها في أبهى زينتها ، رحبت بي كعادتها بعد أن احتضنتني وهي تطبع قبلة على خدي .. لم أصدق عيني، فرغم سنواتها الخمسين لا زالت انتصار بكامل أناقتها وجمالها الذي ينافس في بهائه بنت الثلاثين ، أجلستني بجوارها وهي تتأملني وابتسامتها الوضاءة لم تفارق ثغرها ثم همست: لك وحشة أيها الجميل كنت أفتقدك هناك ، تبسمت وواصلت صمتي وأنا جالس في محراب جمالها وغارق في بحر رقتها ، وفكري منشغل بتفاصيل حياة تلك الأنثى الثائرة التي برغم مواقفها الصلدة تخفي روح شاعرة وأديبة من طراز فريد .
كانت تربطني علاقة ود قوية بانتصار بدأت مع بداية رحلتها بمصر المحروسة ووقتها كانت شبه منفية بسبب بعض كتاباتها التي دعت إلى الحرية والانتفاض ضد الاستبداد والفساد ، مما أزعج النظام هناك فقررت المجيء إلى مصر بعدما بدأ زبانية النظام في مضايقتها فقررت نفي نفسها والابتعاد عن المشاكل ، وأتذكر كم جمعتنا مقاهي المحروسة ، وكم سهرنا لساعات الصباح الأولى ونحن نقرض الشعر ونتناقش ونتخاصم من أجل الأدب والكتابة ثم لا نلبث أن نعاود الكرة في الغد ، وكم كانت تتحمس انتصار وتتعصب لرأيها وتصر على مواقفها ، كانت شعلة ذكاء منطلقة وتعيش يومها بطلاقة وتحب كل من حولها وتبذل نفسها من أجل الجميع .
حين وقفت لتلقي إحدى قصائدها في الندوة تداعت كل الذكريات وأنا أنظر إليها كنخلة عراقية سامقة ، ورغم الحزن الذي كان يطل من أحرفها ، إلا أنها كانت تظهر بعض القوة وابتسامتها لا تفارق محياها ، أبهرت الحضور بشعرها وبإلقائها وشخصيتها الفريدة الطاغية الحضور ، وحين انتهت الندوة وبعد أن صافحت الكثيرين ممن حاولوا دعوتها والظفر بلقاء معها وهي توافق حيناً وتعتذر أحياناً متحججة بضيق الوقت ، نظرت إليَّ وكنت أنتظرها في ركن بعيد ، تبسمت وكأنها تعتذر عن التأخير .
اصطحبتها إلى مطعم صغير كنا نرتاده من سنوات بعيدة ، جلست وهي تتلفت حولها مسترجعة ذكريات جميلة دارت أحداثها بين جنبات هذا المطعم ، عيناها كانت تلتهم المكان في شوق وهي تحاول معانقة ذكريات كانت الأجمل في سنوات خلت ، تتحسس الشمعدان الذي أمامنا بأطراف أصابعها في رقة ، ثم تنظر إلى الزجاج المعشق والملون الذي كانت تزدان به جنبات المطعم ، والستائر التي كانت تتدلى في انسياب وتناسق بألوان كانت تعانق المكان ببهاء ، كانت تصمت أحياناً وتهمهم أحياناً ببعض أغنياتنا التي كنا نتشاطرها ونحن نتناول طعامنا في ذاك الزمن الجميل .
بعدما انتهينا من طعامنا بقيت أنا وهي ننظر بعضنا إلى بعض دقائق ، حتي همست في دلال: أرى بعينيك الكثير من الأسئلة ، رددت بابتسامة وقد عدت بالذاكرة أعواماً مضت وكأني أسمع نفس الجملة التي كانت انتصار ترددها بعدما تغيب عني أياماً ، كانت دوما تعرف ما بداخلي حتي وإن لم أبح به . احتضنت يديها بيداي وأنا أهمس : أسمعك .. احكي .. أود أن أعرف كل التفاصيل منذ فراقك لنا حتي عودتك ، لاحت على محياها ابتسامة باهتة وهي تتنهد وتقول: المهم أن يكون لديك وقت لقصتي الطويلة ، رفعتُ يدها وطبعتُ قبلة عليها وربتُّ برفق عليها وأنا أستحثها أن تبدأ في حديثها ، وبدأت هي تحكي:
حين صدر عفو رئاسي عن كل المنفيين فرحت كثيراً ، كنت قد اشتقت إلى رؤية أهلي وكما تذكر كنت قد اتفقت على أن أعود بعد عدة أشهر لتكملة الرسالة التي كنت أعدها ، ولكن وكما ذكرت لك في رسائلي بعد ذلك فقد منعنا من مغادرة العراق إلا بأذن رئاسي ،وقد حاولت مراراً أن أسافر وكان الطلب يرفض حتي أصبت بحالة من حالات الاكتئاب ومرضت جراء شعوري بالظلم وبقيت طريحة الفراش لأشهر، وحين بدأت أتعافى قليلاً ظهر أبو فراس صديق العائلة كان بعمر والدي وعطف عليَّ كثيراً ووقف بجانبي ،أشعرني بأنه سيحميني ، وكانت علاقته بالسلطات قوية وبدأت أشعر أنني لأول مرة أجد من يقف وراءي ويدعم بعض حريتي التي كانت قد اغتصبت ، عدت إلى الكتابة في الصحف وشعرت بالحياة تدب في أوصالي من جديد ، وبدأت في متابعة الإعداد لرسالة الدكتوراة التي كنت بدأتها وأنا بينكم هنا ، لكنني فوجئت بأبي فراس يوماً وهو يطلب مني الزواج ، رفضت في البداية وأنا أشعر أنه يريد مقابل حمايته لي ، فغضب وابتعد ، لكني وجدت كل من حولي يدفعني إلى الزواج به دون أن يفكروا في مشاعري، وقالوا إنه بزواجي منه سيتيسر لي السفر وتكملة رسالة الدكتوراة التي كنت بصدد الانتهاء منها ، كنت مضطربة المشاعر وأشعر بضعف وذهني مشتت ، لا أدري كيف وافقت وكيف تم الأمر بسرعة ولم تمض أيام حتي شعرت بفداحة خطئي وبدأ زوجي يظهر علي حقيقته ، في البداية منعني من العمل لشدة غيرته ، ورغم محاولاتي معه إلا أن إصراره كان يزداد و تطور الأمر بيننا إلى الأسوء حين رفضت طلبه بالاستقالة من عملي ، فأجبرني على تركه من خلال علاقاته .
ولم يمض وقت طويل حتي تخلى عن كل طيبته وظهر وجه آخر لوحش سادي لا يهمه إلا نفسه وشهوته ، كنت أمضي الليالي وأنا أبكي وأنعي حظي العاثر ، وهو نائم بجواري لا يشعر بي ولا بلوعتي وحزني ، ولم يمض عام حتي رزقت بطفلي الأول ، ظننت أن الطفل سيغيره وسيخرج الحنان الذي كنت أنتظره من رجل فارق السن بيني وبينه يكاد يصل إلى الضِعْف ، لكنه ازداد شراسه وقسوة ، وقد شعر بأنني لا أُكنّ له أدنى مشاعر ، وحين طلبت الطلاق منه ، أوسعني ضرباً حتي ذهبوا بي إلى المشفي ولم أستطع أن أنطق بحرف، فقد كانت علاقاته برجال السلطة تحميه ، ومكثت عند أمي شهراً ، أتي بعدها ليصطحبني أنا والطفل ولم يمض عام آخر إلا وكنا قد رزقنا بطفلة رائعة لكنه غضب وهاج وماج وأوسعني ضربا بعد الولادة بعدة أيام فقط فقد كان يرغب في صبي ، كنت أشعر أنه بدأ يفقد عقله ، وكانت أمي تصبرني حيناً وتحذرني أحياناً من بطشه ويده الطولى لدى كل الدوائر الرسمية ، بدأ الجحيم الذي أعيش فيه يزداد مما جعلني أقدم على الانتحار ، وبعد أن تم إنقاذي كال لي صنوف العذاب أضعافاً وأصبح يتلذذ بألمي ومعاناتي ، وكلما صارحته بكرهي له وحنقي عليه كان يزداد تعذيبه لي وقسوته معي ، مرت سنوات خمس وأنا أتهاوى ألماً وضعفاً ، ولم يكن يصبرني غير أولادي الذين بدأت أجد فيهم سلوتي ، وقد بدأ يغيب عنا أياماً ثم يعود بحيوانيته ليذيقني بعض العذاب ويكيل لي الإهانات ثم يرحل ، وعبثا حاول الجميع إقناعه بتطليقي ، وكان يردد ما عدت أهتم لأمرها لكني لن أتركها لغيري ، إلا حين أشعر أنها أصبحت لا تصلح لشيء ، عندها فقط سأتركها ، كانت كلماته سماً زعافاً حتي أنني فكرت في قتله ، بدأ يبتعد أكثر، ومرت عدة سنوات وأنا أتألم نفسياً وجسدياً ، حتي بدأت الحرب على العراق ، كنت قد تعودت الحزن وأدمنت الألم .
صمتت لحظة وهي تحاول أن تداري عبرات اختلطت بصوتها الذي بدا حزيناً مكسوراً ، همست وأنا أربت على يدها : يكفي إذا كنت تشعرين بإرهاق ، اصطنعت ابتسامة وهي تقول : لا، أنا أشعر أني أزيح عن صدري هماً حملته وحدي سنين ، إلا إذا كنت أنت تعبت من طول حديثي ، أشرت إليها أن تكمل وعيناي تنظران إليها نظرة عتاب ، ثم أشرت طالبا فنجاني قهوة لي ولها ، ارتشفت القهوة في تلذذ وهي تغمض عينيها في راحة شعرت بها وأنا أنظر إلى تقاسيم وجهها الفتان وابتسامة باهتة بدأت تراوح عليه من جديد ، كنت كمن يجلس في محراب الجمال المفعم بشجن هاديء ، قالت وقد فتر ثغرها عن ضحكة أنثوية ناعمة: مالك تنظر إليَّ هكذا ؟ لقد ذكرتني نظراتك بيوم طلبت مني أن نتزوج ، أتذكر يومها ما حدث ؟ هززت رأسي وأنا أتنهد ، أردفت : أتعرف ؟ لقد تمنيت مئات المرات وأنا في العراق أن يعود بي الزمن ، وكنت أندم ألف ألف مرة كل يوم على رفضي لحبك ، وكنت أضحك على أسبابي وفارق العمر ،خاصة حين تزوجت بهذا الكهل الذي أذاقني صنوف الذل والهوان ، فجأة تغير وجهها وأحسست بها تتألم ، جزعت وهببت واقفاً وأنا أسألها ما بها، ردت : لا تقلق ، ألمٌ يأتي ويذهب من فترة وقد قررت أن أجري بعض الفحوصات وأنا هنا في مصر ، كما تعلم الحرب دمرت عندنا أغلب المستشفيات ، قلت لها: سأكون معكِ لا تقلقي ، ثم قمت إليها ، أسندتها بذراعي وأنا أوصلها إلى حجرتها ، دعتني للدخول ، أوصلتها إلى سريرها، تمددت وجلست بجوارها ، كنت أمسح على شعرها وهي تبتسم في سعادة وتهمس :كم كنت أحتاج إلى بعض هذا الحنان ، قبلتها على جبينها وأنا أهمس :الأيام أمامنا لا تقلقي ،المهم أن نبدأ من غد في إجراء الفحوصات اللازمة لنطمئن عليك ، قالت في دلال : لا تتركني الآن ، ابق جواري حتى أنام ، أرجوك ، ابتسمت وأنا أرى الطفلة المشاكسة تطل من عينيها بعد غياب ، بقيت بجوارها ألقي بعض قصائدي كما طلبت حتى نعست ، قبلتها بين عينيها وأنا أغادر حجرتها.
في الصباح وفي طريقي إلى الصحيفة فكرت أن أمر بمحطة القطار خاصة وقد صحوت باكراً ، جلست أتناول قهوتي ، وأنظر إلى الركن الخالي ، لكني في النهاية لملمت شتاتي وقمت مغادراً .
بعدما أنهيت بعض أعمالي بالصحيفة ، توجهت إلى الفندق الذي لم يكن بعيداً عن مقر الصحيفة ، حين دلفت من الباب وجدت انتصار بكامل زينتها في بهو الفندق تنتظر ، أشارت إليَّ حين لمحتني ، توجهت إليها حيتني بابتسامة رقيقة وهي تتوجه معي نحو كافتريا الفندق ، سألتني إن كنت قد أفطرت ، تبسمت وأنا أقول : هل نسيتِ أنني لا أتناول الفطور أبداً ؟ قالت :هذا زمان أما الآن فأنا هنا وستفطر معي ، أم أنك بخيل ولا تريد أن تدعوني إلى الإفطار ، جلست قبالتها كانت حالها أفضل اليوم ، ونظراتها كانت أقل إجهاداً وأكثر تركيزاً ، قلت لها : لتكملي لي حكايتك ونحن نتناول إفطارنا.
بدأت انتصار تحكي من جديد ، قالت : حين بدأت الحرب شعرنا كلنا بالظلم وتكاتف الجميع ضد العدوان وتوحد العراق كله بعد الحصار ومضت السنوات وزادت المعاناة وبدأت تنتشر الجرائم ، كانت فترة عصيبة تحملت فيها مسؤولية طفلاي وكنت أرتعب خوفاً عليهما ، لكن ما حدث بعد ذلك من قذف وغارات واستعمال لكل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً والتي كانت تجرب فينا أصابنا بالرعب وخلف العشرات من الجرحى والمصابين بأمراض مزمنة وخطيرة ، ناهيك عن انتشار الأوبئة والمعاقين في كل مكان وبلا توافر علاج أو أدوية.
فكرت في الهرب عبر الحدود مع الأردن فقد كنت أخشى على أطفالي ، لكن لسوء الحظ قبض علينا وأودعت سجناً في بغداد ، كنت أتعرض إلى الإهانة والذل فيه واتهم في شرفي ووطنيتي وأوصم بأفظع الشتائم ، وحرمت من أولادي الذين بقوا مع إحدى قريباتي ، لم أخبرك أنني طوال هذه الرحلة لم أبتعد عن قلمي وكنت أصيغ بعض القصائد والكتابات حتى عندما أودعت السجن كان مطلبي الوحيد ورقة وقلم ، وقد قرأ أحد الضباط مرة ما كتبت بعدما وجدوه وهم يفتشون ، أحضرني إليه وسألني إن كنت أنا من كتب هذا الشعر في العراق، تغيرت معاملتهم لي بعد ذلك ، ولم يمض سوى عدة أسابيع حتى وجدتني خارج الأسوار ، كانت فرحتي غامرة وحلمي يتحقق بلقاء وحضن أولادي .
عند خروجي من السجن كانت العراق على حافة معركة فاصلة ، وكانت سحب الحرب قد تجمعت ، وبدا الجميع متشائماً من القادم رغم تطمينات القادة ووسائل الإعلام ، لا أريد أن أطيل عليك ، تعرف ما حدث وما آل إليه العراق بين عشية وضحاها ، وانهيار كل المزاعم وهروب الجميع واجتياح العراق بما سبقه من قصف استمر لأسابيع أصابنا بالرعب وأصاب أطفالنا بأمراض مزمنة .
عند هذا لمحت الدموع تتساقط من عين انتصار ، أسرعت أكفكف دموعها بيدي وأنا أربت على كتفها طالباً منها أن تتوقف ، لكنها تصنعت الابتسام وهي تكمل :لا تقلق لقد تعودت عيناي البكاء واستوطن قلبي الحزن ، لقد خرجنا من الحرب ومشاعرنا كسيرة مشتتة لم نعرف أنفرح أم نحزن ، لم يتغير شيء ذهب طاغية وأتى طغاة ، وزج بالكثيرين في السجون بدعوى تعاونهم مع النظام السابق ، ونكل بالكثيرين وانتشرت المكائد ، وتجرعنا ذل العيش من جديد وضاقت بنا السبل ، فجأة وجدت أمامي الضابط الذي كان السبب في خروجي من السجن ، كان قد خلع زيه العسكري ويعمل في أحد المحال التجارية ، عرفني لكنه تجاهلني ، وقد لمحت بعينيه الخوف من أن أشي به ، لكنني انتظرت حتى انتهى من عمله ، ومددت يدي أصافحه وأشكره علي معروفه ، تبسم وهو يهمس لي كي لا أكشف هويته ، طمأنته ومضينا عبر الطريق ، حكى لي عن انهيار المؤسسة العسكرية وتفرق الضباط وهروبهم وتخليهم عن زيهم العسكري وتنكرهم خشية اعتقالهم من قبل القوات الغازية ، وعن بعض التنظيمات التي كانت بصدد الانضمام إليها لكنها كشفت وقبض على أعضائها وقتل من قتل وسجن الآخرون ، حكى لي عن أمه التي فقدها في الحرب وإخوته الذين لم يعد يسمع عنهم شيئاً ، كنت بحاجة لمن أتحدث معه ، خاصة بعدما فقدت كل المحيطين بي في الحرب ، أصدقاء وأقارب ، كان ظهوره بمثابة عربون مصالحة من الدنيا التي أدارت لي ظهرها زمنا ، لم تمض عدة أشهر حتى صرنا مقربين جدا ، وأعاد إليَّ الثقة بالرجال بشهامته وصدقه وحنانه ، وحمدت الله أن عوضني أخيراً برجل يحمل معي همومي ويشاركني وحدتي ، وكان قد بدأ يلمح لي أنه يشعر بالوحدة وأنه لن يجد مثلي لتشاركه ما تبقى من عمرة ، بدأت السعادة تلوح في الأفق بعد غياب ، وقررنا أن نتزوج وألا نضيع يوماً آخر من عمرنا ، لكن الحزن كان له رأي آخر ، فقد أبى أن يفارق قلبي ، قبل الزفاف بليلة واحدة دمر تفجير للمقاومة المحل الذي كان يعمل فيه وقتل مع من كان بالمكان ، حين وصلني الخبر جلست أبكي لعدة أيام ، حتى أولادي لم تجف دموعهم على من أشعرهم بالحنان وأنهم أكثر من أولاده .
أشفقت عليها من كم الحزن الذي يغتال جسدها النحيل ، قلت لها : ألست جائعة؟ دعيني أرافقك إلى مطعم تحبينه ، لكن قبل أن نذهب أريد أن أدعو بعض أصدقائنا القدامى ، تهلل وجهها بشراً وطفت عليه ابتسامة طفولية فرحة وقبل أن تسأل من سأدعو كنت قد بدأت في مكالمة رشدي وسناء وبعدهما ليلى وصلاح الذي طار فرحاً حينما علم بوجود انتصار ، وشكرني لأنه كان سيسافر في مأمورية عمل خارج القاهرة وربما كان سيفوته لقاء انتصار لو لم أهاتفه ، قامت مستندة على ذراعي وقربت وجهها من كتفي وهي تقبله بود ، أمسكت بيدها وقبلتها وأنا أتأبط ذراعها كما كنا نتمشى دوماً في الأيام الخوالي.
حين وصلنا إلى المطعم وجدت صلاح ينتظر على إحدى الطاولات ، قام فرحاً مرحباً بانتصار التي أحاطته بذراعيها وهي تكيل له السلام وتعاتبه على انقطاع أخباره عنها ، لم تمض دقائق حتى وصلت ليلى التي احتضنت انتصار كثيراً ولم تصدق عينيها وهي ترى رفيقتها الحبيبة بعد طول غياب ، كانت ليلى مديرة بإحدى المؤسسات الحكومية ، وقد أصابتها العنوسة لانغماسها في عملها واهتمامها به أكثر من اهتمامها بنفسها حتى فاتها قطار الزواج ، أما رشدي فقد تزوج من سناء بعد قصة حب عنيفة كنت شاهداً على فصولها وهما يعملان في إحدى الصحف الحزبية ، لم يرزقا بأطفال ، رغم كل أساليب العلاج التي جرباها ولم تؤت أية نتيجة ، لكنهما يعيشان كعاشقين ويهتمان ببعضهما ولم أرهما على خلاف يوماً ، لكن العمل أيضاً كان يأخذهما بعيداً كما هي حالنا جميعاً ، ولم نكن نلتقي سوى في المناسبات ، وأية مناسبة هي أجمل من عودة الجميلة انتصار إلى مجموعتنا ، اكتملت المجموعة بحضور سناء ورشدي ، وبين الضحكات والقفشات التي كان يلقيها رشدي تناولنا الطعام وكنت في قمة سعادتي وأنا أرى انتصاراً وقد فارقها الحزن الذي صاحبها منذ وصولها ، وأسمع رنين ضحكاتها الأخّاذ وهي تحاول أن تلقي عن كاهلها بعضاً من حزنها الذي نما عبر سنين وسقي بماء الألم والوحدة والعذاب .
حين انتهينا من الطعام ، وبعد أن تواعدنا على تكرار اللقاء وقام كل منهم مودعاً ومستأذناً ، نظرت إلى عينيها لمحت بقايا الحزن رغم محاولتها أن تخفيه ، سألتني بلطف : ألا زلت تريد أن تعرف باقي الحكاية ؟ ، أشرت لها أن تؤجل هذا لأنني أريدها الآن أن تعيش تلك اللحظة الجميلة بكل تفاصيلها ، وتتذكر فقط الذين يحبونها ويسعدون بوجودها معهم ، تبسمت وهي تنظر إلى الأفق عبر زجاج المطعم ، ثم سألتني لماذا لم تتزوج حتى الآن ؟ صمتُّ قليلاً وأنا لا أجد برأسي جواباً لهذا السؤال ، التفتت إليَّ تطالع وجهي الذي فتر عن ابتسامة بلهاء ، نظرت إليَّ من جديد تستحثني على الإجابة ، لكنني تبسمت وأنا أنظر إلى عينيها صامتاً ، أردفت : لمَ لم تفكر بليلى ؟ لقد كانت في فترة من الفترات معجبة بك وبشخصيتك ، ولولا أنها كانت تراك دوماً معي لكانت اقتربت منك أكثر .
كنت محافظاً على هدوئي وأنا استمع إليها ولا أرد ، وقد كانت تفهمني جيداً وتعرف أنني حين أصمت لا يمكن لأي حديث أن يخرجني عن صمتي ، أكملت تساؤلاتها : وماذا عن صلاح ؟ تزوج هو الآخر ؟ تنهدت وأنا أنظر إليها وأستشعر كم الحب الذي تكنه للجميع ومدى اهتمامها بأحوال الجميع كما كان ديدنها دوماً ، همست : ألا ترغبين في السير قليلاً قرب النيل ، هبت الطفلة المشاكسة بداخلها وقامت مسرعة ، خرجنا من المطعم متجهين إلى كورنيش النيل ، كانت تغمض عينيها وهي تحاول أن تملأ رئتيها من الهواء كلما اقتربنا .
بعد مضي أكثر من ساعتين من الحديث والنقاش كنت أشعر أنها قد غسلت بهذا اللقاء وما تبعه من سعادة بعضاً من الحزن بداخلها ، طلبت أن نتوجه إلى فندقها لشعورها ببعض الإرهاق ، وكالعادة طلبت مني ألا أتركها حين وصلنا ، جلست بجوارها وقد تمددت على السرير وابتسامة رضا عمت وجهها المتعب ونظرات دافئة تطل عبر عينيها الجميلتان ، مدت يدها وسحبت يدي إلى شفتيها وقبلتها برفق ، انحنيت على وجهها قبلتها بين عينيها ، ثم همست : ألن نذهب لإكمال الفحوصات التي أوصى بها الأطباء ؟ تبسمت وهي ترد ألم تنسَ بعد ؟ لقد نسيت أنا ، قمت مودعاً إياها وأنا أهتف: سأمر عليك غداً لنذهب لعمل التحاليل .
في تلك الليلة ألح على خاطري طيف رنا صقر، تلك الفتاة التي أسرتني بجمالها ورقتها وتقاطع طيفها وسؤال انتصار عن سبب عدم زواجي حتى الآن وقد بدأت في العقد الرابع من عمري ، شعرت بأنني كنت أبحث عن فتاة أحلامي التي وجدت بعضاً منها ربما في انتصار ، لكنني وجدتها كلها في رنا ، رقتها ثقافتها جمالها أنوثتها شبابها ، لا أدري ، بقيت لوقت متأخر أكتب ، وحين حاولت النوم كان آخر شيء أغمضت عليه عيناي هو طيف رنا .
في الصباح هاتفتني سناء تعلمني بأنها ورشدي يدعواني أنا وانتصار وباقي الزملاء إلى الغداء في بيتهما ، حاولت التملص لكنها أصرت بشدة ، بعدما أنهيت بعض أعمالي بالجريدة مررت لاصطحاب انتصار ، وجدتها في بهو الفندق في قمة زينتها وأناقتها ، دعتني لتناول القهوة قبل الخروج ، جلسنا صامتين ونحن نستمع إلى الموسيقى الحالمة التي تهادت عبر بهو الفندق في نعومة ، كانت تغمض عينيها وتهمهم ، حين انتهى العزف ابتسمت وأنا أدعوها إلى الخروج ، ونحن في طريقنا إلى المستشفى لإجراء التحاليل تلقيت اتصالاً هاتفياً من ليلى تخبرني بأن صلاح قد أصيب في حادث سيارة وهو عائد إلى القاهرة وأنه حالياً في المستشفى ، تغير وجهي وتملكني القلق ، حين أخبرت انتصار التي كانت تنظر إليَّ في هلع وأنا أتلقى الخبر أصرت على أن نغير وجهتنا لنطمئن على صلاح أولاً ، بعد نصف ساعة وجدتنا جميعا في انتظار خروج صلاح من غرفة العمليات ، كنا صامتين ونتبادل النظرات في قلق ، مضت الدقائق ثقيلة ، حين خرج الطبيب طمئننا أن حالته مستقرة ، استأذن رشدي وزوجته وبقيت أنا وليلى وانتصار بجواره ، حين انتصف النهار استأذنت ليلى لظروف عملها ، وبقيت مع انتصار التي أصرت ألا نغادر حتى يفيق ونطمئن عليه .
قبل العصر بقليل أفاق صلاح ونظر حوله ، عانقت الدهشة عيناه وهو يرى انتصار جالسة بجواره ، ابتسم وهو يحاول أن يحيها ، ربتت على يده وهي تهمس: الحمد لله إنك بخير ، نظر إلى صلاح في ود نظرة شاكرة ، بقينا مع صلاح حتى الليل ومن ثم ودعناه بعدما تلقت انتصار مكالمة من ابنتها في العراق ، بدت قلقة بعدها ولكنها لم تذكر شيئاً أمام صلاح .
حين غادرنا قالت :لابد أن أسافر غداً ، ولدي مريض جداً وبحاجة إلى أن أكون بجواره ، قلت : والتحاليل والفحوصات ؟ ابقي يوماً آخر فقط ، قالت : لا أستطيع ، لكني أعدك أنني سأعود قريباً ، اعتذر لسناء ورشدي وبلغ سلامي لليلى وصلاح ، لم أفهم وقتها لماذا أصرت على السفر بتلك السرعة ؟ ولمَ لمْ تذكر تفاصيل أكثر عن مرض ابنها ، لكنني احترمت رغبتها ، أوصلتها إلى الفندق وعلى غير العادة ودعتني على الباب بعدما اتفقنا أن أحضر باكراً لأوصلها إلى المطار.
في الصباح وجدت آثار دموعها على وجنتيها وعينيها المتعبتين اللتان حاولت أن تغطيهما بنظارة شمس كبيرة ، كان للصمت الغلبة أثناء رحلتنا إلى المطار ، سألتها : متى ستعودين ؟ أجابت باقتضاب : قريباً بإذن الله ، فور أن أطمئن على ولدي أياد ، كنت استشعر وجود خطب ما لكني تعودت أنا وهي ألا نسأل عن شيء لا يرغب أحدنا في قوله للآخر ونتركه حتى يبوح به من تلقاء ذاته ، كنت أفهمها وهي أيضاً تفهمني لذا كنا مقربين .
حين اقتربنا من صالة السفر انفجرت باكية وهي تطلب مني أن أدعو لولدها ، ثم ناولتني ورقة بها أرقام هواتفها قبل أن تحتضنني وهي تودعني ، كانت انتصار ذات عاطفة جياشة ، وكنت أدرك هذا ؛ لذا لم أستغرب بكائها وشجنها الذي تملك كل حواسها بعد تلقيها للمكالمة الهاتفية من ابنتها ، ولأنها لم ترغب في أن تتسبب لنا بأي ألم أو ضيق فقد احتفظت بأسرارها لنفسها .
غادرت انتصار على وعد بالعودة ، وعدت أنا إلى حياتي وإلى زيارة صلاح بالمستشفى كل يوم ، والغريب أن عودتنا إلى التجمع من جديد أتت بسبب انتصار ومن بعدها إصابة صلاح ، فقد عدنا نلتقي من جديد وزادت الرابطة بيننا بعدما كنا قد تباعدنا زمناً ، وأصبحنا نلتقي مرة كل أسبوع على الأقل ، حتى ولو غاب أحدنا لظرف ما ، وكنا دوماً نتذكر انتصار ونتسائل إذا كان لدى أحد منا أي خبر عنها أو عن ولدها ، خاصة أن هواتفها التي أعطتني أرقامها لم تكن تجيب .
لكن أيامنا كانت تمر ولقاءاتنا التي بدت أنها ستنتظم وتستمر بدأت تفقد انتظامها ومن ثم أصبحت تتم على فترات متباعدة ، وانشغل كل منا بحياته وعدنا كما كنا قبل حضور انتصار نكتفي بالهاتف لنتواصل في أغلب الأحيان .