مـثـلـث الـرعـب
أيام قليلة معدودة، ويتخرج من جامعاتنا أعدادا كبيرة من أبنائنا من مختلف التخصصات، تعلو الفرحة وجوههم وتسود السعادة أسرهم وأصدقائهم، فها هي رحلة العمر ، رحلة بناء الذات والتعلم وتكوين الشخصية قد انتهت، بدأت من الصغر وانتهت بأهم مرحلة عمرية للشاب والفتاة مرحلة العشرينيات.
فرحة لا توصف تطال الجميع بدءا من الشاب المتخرج حديثا ونهاية بجامعته التي زفت للوطن باكورة أبنائه بعد أن جهزتهم علما وثقافة، مرورا بفرحة الأهل وهم يرون ابنهم الحبيب قد انهى تعليمه وأصبح رجلا يعتد به ويعتمد عليه ببناء حياته ومساعدة أسرته.
او ابنتهم الغاليه التي بتخرجها ينتظرهااا مصير محتووم دون النظر لاحلاامهااا وامالها.
رغم السعادة الظاهرة والفرحة العارمة التي تبدو لمن يراها مرسومة على الوجوه، كأن مشاكل الدنيا قد انتهت ولم يبق ما يشغل البال بحياة كل شخص، أقول رغم هذه الفرحة المؤقته، فسرعان ما يظهر شبح مرعب يحول حياة خريجي الجامعات إلى كابوس حالك أشد سوادا من سواد الليل ،بعد أن يلامسوه بواقعهم وبشكل مستمر.
أثناء أعوام دراسته الطويلة يسمع الطالب ويقرأ كثيرا عن المشاكل التي تواجه خريجي الجامعات وكيف تتحطم أحلامهم وطموحاتهم على صخرة الواقع الاقتصادي العربي المرير، لكن ما يسمعه الطالب لا يلامس داخله ولا كيانه ولا يجد طريقا ليدخل عقله وفكره وفهمه، فهو قد عقد العزم على إكمال حلمه الدراسي بامتلاك شهادته الجامعية و متحفز ومستعد للخروج من جامعته إلى الحياة بكل قوة وعنفوان، راسما لنفسه طريقا ورديا من الأحلام والطموح والأفكار الإيجابية التي يرغب بتطبيقها على أرض الواقع.
ما أن تنتهى غيبوبة الفرحة التي وضع الطالب نفسه بها، يصحو على واقع مرير أليم، يتمنى وقتها لو بقي أسير أحلامه الوردية وطموحاته التي توقع أنها سهلة التحقيق، يصحو على واقع الحياة ومرارتها ويتمنى لو تعود ساعات الزمن للوراء ويبقى يعيش سنوات عمره طالبا لا يعرف للتخرج طريقا.
أثناء مسعاه لتحقيق طموحاته تواجه خريج الجامعة ثلاثة وقائع تعتبر عائقا قويا أمام تحقيق طموحه وأحلامه، وقد تهدم حياته ومستقبله وتغير مسار حياته للاسوأ، ورغم سلبيات هذه الوقائع وما تسببه من ضرر على مستقبل الشاب او الفتاة إلا إنه يمكن تجاوزها بصعوبة نظرا لما يحيط من الاقتصاديات العربية من غموض وضعف.
1- البطالة: تعاني مجتمعاتنا من شبح بطالة مخيف، يزداد سنة بعد سنة مع ازدياد خريجي الجامعات الذين يطرقون أبواب سوق العمل الناضب أصلا من فرص عمل حقيقية تلبي طموحات الخريجين مع ازدياد عددهم كل سنة.
ورغم الدعوات الكثيرة وأجراس الخطر التي تدق ليل نهار ووعود الحكومات ووزراء العمل بحل هذه المشكلة القومية، إلا أنها مازالت مشكلة مستعصية تزداد انتشارا وتوسعا كل سنة بدون ايجاد حلول جذرية لها.
ينصدم الخريج من قلة فرص العمل النادرة ويبحث باستمرار داخل وطنه وخارجه عن وظيفة تحقق له حياة كريمة تليق به وتحقق له ولو الجزء اليسير من أحلامه وطموحاته، لكنه يحصد كل مرة الفشل تلو الفشل كأن الوظائف بالدنيا قد انتهت وهنا تبدأ المعاناة من نوع آخر له ، معاناة تمللأه حزنا وقهرا على سؤ الحال ويصاب أهله بالحزن على مصير ابنهم، الذي قد يصيبه الاحباط واليأس ويدخل مداخل لا تمت لما تربى عليه وما تعلمه بصلة بتاتا.
2- العمل بغير تخصصه: الأرزاق على رب العالمين ولا يموت أحدا من الجوع، حكمة تعلمناها من الصغر، وحتى تدور عجلة الحياة وبعد الفشل المرير الذي حصده الطالب الخريج بايجاد وظيفة تليق وبطموحاته وفق تخصصه الذي درسه لعدة سنوات.
يسعى الطالب الخريج لإيجاد أي عمل مؤقت يجد به لقمة عيشه ويشعره بالطمأنينة الغذائية والنفسية التي تدهورت بعد صراعه مع الحياة، فيجد عملا يعتبره مؤقتا ومحطة انتظار ريثما ينال ما يصبو إليه، وتدور عجلة السنوات ليصاب الطالب الخريج بصدمة ان هذا العمل المؤقت قد أصبح دائما وان حلمه بتحقيق طموحه قد تلاشى وذهب أدراج الرياح ولم يعد ممكنا له أن يقف ببداية طريق تحقيق أحلامه وطموحاته التي طالما فكر بالسعي لها والبحث عن حياة سعيدة.
3- زواج الفتاة : كل فتاة تحلم بالزواج من شاب يلبي لها طموحها وأحلامها، وتحلم بفارس أحلامها ياتيها على فرس أبيض ( حاليا سيارة وشقة مفروشة ) وتبث أحلامها وخواطرها لصديقاتها اللواتي يشاركنها نفس الحلم، ولتحقيق طموحاتها عليها أن تتسلح بالعلوم المفيدة وبالشهادة العلمية التي تفتح لها الأبواب، فتسعى بكل جد وجهد للتعلم والالتحاق بالجامعة حتى تنال القسط الوافي من العلم يلبي طموحها.
والفتاة حالها حال الشاب تسعى وتبذل جهدا لتجد عملا في الحياة التي يصعب بها على الشخص الاحتفاظ بوظيفته، لكن الفتاة تواجه عائق أكبر مما يواجه الشاب، فهي قد تتزوج ويأتيها النصيب قبل الشاب ، وقد يؤول بها الأمر الى الاقامة بالبيت والانشغال بمتطلبات البيت وشؤونه مما يؤدي إلى تبخر أحلامها وتحطم طموحاتها، ويضيع عليها تعب السنين وأحلامها الوردية وتسعى بكل جهد لتعكس أحلامها على أحلام أبنائها لعلهم يحققون ما عجزت عن تحقيقه.
هذه المعوقات الثلاثة تشكل مثلثا لا يمكن تجاوزه بعالمنا العربي، ورغم الدعوات المتكررة بضرورة معالجة هذه المعوقات وايجاد فرص عمل لآلاف الخريجين إلا أن الدعوات لا تلقى بالا من صناع القرار الذين يستمرون بتجاهل واقع وحال شبابنا الذي يزداد سؤا، ومما نستنتجه أن مشاكل المجتمع لا تنتهي مهما استنجدنا بالخبراء والاخصائيين وطبقنا حلولا، فالمشاكل ستبقى موجودة والمعوقات تكبر سنة بعد الأخرى كطفل ينمو ويكبر، فالتجاهل المستمر لأهل التخصص والقرار لمشاكل الشباب ، يزيد من حدة المشاكل وتوسعها رغم ذر الرماد العيون واسكات الأصوات بحلول مؤقتة.
لكي يستطع الطالب الخريج تجاوز هذه المعوقات الثلاثة ويضمن النجاح بحياته وتحقيق أحلامه عليه التفوق والتميز بتخصصه وعلمه، أن يبقى أسير الكتب الدراسية لا يصلح حاله ولن يحقق له ما يريد، فهو لن يعدو أن يكون رقما زائدا بأرقام الباحثين عن عمل، عليه بالتميز والسعي للتفوق بعلمه وتخصصه وقتها سيصبح كالعملة النادرة يبحث عنه من لديه وظيفة شاغرة ويسعى لتوظيفه.
دائما للتميز عنوانا، فهو كالذهب الصافي وكالجوهرة النادرة، لا يعرف قيمتها إلا من يبحث عنها،ويسعى لها، وأصحاب العمل دائما يسعون لمن يمتلك مؤهلات نادرة ومهارات غائبة عن الكثير من أصحاب طلبات الوظائف، فهم بحكم الطفرة بالشهادات يسعون للبحث عن المتميزين فيهم حتى يستفيدوا من تميزهم بالارتقاء بأعمالهم.
حتى تنال ما تريد بالحياة عليك بالتميز عن الآخرين، وفتح أبواب لم يفتحها غيرك، تميز بتخصصك وبعلمك، لا تتوقف عن التعلم والاستفادة من خبرات من سبقوك، واعلم أن العلم ليس فقط بمقررات الجامعة بل العلم ما تتعلمه من خبرات الآخرين والكتب المختلفة المتنوعة، ابحث عن ما يميزك عن غيرك ستجد من يبحث عنك.
************
قريبا كوكبة من الخريجين ستطرق أبواب الحياة