من ذكريات الصحافة في رمضان
ليست لدي تجارب كثيرة في الصيام خارج المملكة ...
كنت أشد ما أحرص أن لا يأتي شهر رمضان المبارك وأنا بعيد عن أهلي وأسرتي حنى لو كنت في مهمة عمل أو مهما كانت الظروف .
في أواخر الثمانينات من القرن الماضي كنت في مهمة عمل صحفية حين كنت أعمل محرر أول الشئون السياسية والاقتصادية في مكتب صحيفة عكاظ الإقليمي بمدينة الرياض إلى العراق بدعوة رسمية من الحكومة هناك لتغطية أول انتخابات برلمانية ديموقراطية تشهدها العراق بعد انتهاء الحرب مع إيران .
كان الإعلام العراقي قد حشد صحفيين وإعلاميين من جميع أنحاء العالم لتغطية هذا الحدث لإظهار التوجه الديموقراطي لصدام حسين ونظامه آنذاك .
المهم ودون الدخول في تفاصيل الرحلة من الرياض إلى جدة ثم إلى مطار صدام في بغداد وما اعترى تلك الرحلة من مصاعب لا تُنسى وكم الوقت الذي استغرقته تلك الرحلة التعيسة التي أعتبرها من أسوأ تجاربي المهنية في السفر حيث سبق لي المشاركة في تغطية العديد من الأحداث السياسية والفعاليات والمؤتمرات الدولية إلا أني لم أصادف رحلة بتعاسة تلك الرحلة .
كان موعد مناسبة الانتخابات في العراق أواخر شهر شعبان ... قبل حلول شهر رمضان بأسبوع أو أقل تقريبا .
وكان شرطي الأساسي عليهم قبل الذهاب أن يرتبوا موعد عودتي ليلة رمضان كأقصى تقدير .
مرت أيام المناسبة ثقيلة بطيئة على قلبي ونفسي وددت لو أني لم أقبل تلك الدعوة فالغرض منها لم يكن منها متابعة العملية الانتخابية بقدر ما كان إعلام صدام حسين يستأجر العديد من الصحفيين والكتاب المؤدلجين أو من عديمي الذمم الذين تشترى أقلامهم بحفنة من الدولارات وبعض الهدايا التي يغدقها جهاز مخابرات صدام ممثل بالواجهة الشكلية وزارة الثقافة والإعلام .
في آخر يوم في شعبان كنت اتابع التلفزيون من غرفتي بفندق الميريديان ببغداد وأتبع الأخبار فإذا بالمذيع يعلن أن يوم غد سيكون الأول من رمضان في المملكة العربية السعودية وأن العراق لم تثبت لديهم رؤية هلال رمضان وعليه سيكون الأول من رمضان اليوم التالي... أي بعد المملكة بيوم .
هنا قفزت من سريري كالملسوع وبدأت أتصل بمنسق برنامج الزيارة أذكر اسمه الأول " سعدون "وطلبت منه أن يجد لي حجز عودة إى الرياض على أقرب رحلة في أي وقت كان .
تضايق الرجل من هذا الطلب موضحاً لي أن برنامج زيارتي لم ينته بعد فأخبرته أن غداً أول يوم لرمضان في المملكة وأنا ما تعودت أن يأتي رمضان وأنا بعيد عن أهلي وأسرتي خصوصاً الجلوس في حضرة والدتي رحمها الله التي كانت تجمعنا طوال شهر رمضان المبارك على مائدتها رحمه الله وغفر لوالدينا ووالديكم .
المهم بعد شد وجذب وإلحاح شديد مني ابلغوني أن لا رحلة للخطوط العراقية الى السعودية غداً (العراقية تهبط في مطار جدة فقط )
قلت لا يهم ...
احجزوا لي على أي خطوط طيران ومهما كان خط سيرها المهم أن أعود إلى بلدي لحرصي الشديد على حضور إفطار أول يوم في حضرة الوالدة وثانياً لعدم ارتياحي من تلك الزيارة والتي واجهتني مصاعب جمة أثناءها منذ أن غادرت الرياض حتى وصلت بغداد وهذه حكاية أخرى ربما وجدت الوقت المناسب لتضمينها (الكتاب الذي أزمع إصداره عن حياتي الصحفية ) .
باختصار شديد ...وبعد جهد جهيد ابلغوني أنهم وجدوا لي إمكانية على الخطوط الكويتية يوم غد (صبيحةاليوم الأول من رمضان في المملكة ) لكن علي الانتظار خمس ساعات ترانزيت في مطارالكويت ومن ثم التوجه للرياض ...
قلت في نفسي لايهم ... المهم أن أخرج من هذا البلد وأعود إلى بيتي وأهلي سالماً غانماً
غادرت بغداد صبيحة ذلك رفقة زميل صحفي آخر من الرياض أيضاً وغادرنا إلى الكويت
عند وصولنا الكويت وكما هو متعارف عليه دولياً حين تكون فترة انتظار الترانزيت طويلة يمنحونك فرصة للتجول في البلد إما عن طريق حافلة تعدها شركة الخطوط أو أن تستأجر تاكسي وتذهب لقضاء ما تحتاج من المدينة على أن تترك جواز سفرك لدى مكتب الجوازات بالمطار وهذا أمر متعارف عليه دولياً ...
لكن للأسف الأخوة في الجوازات الكويتية رفضوا السماح لي ولزميلي بمغادرة المطار ...
حاولنا بشتى الوسائل حتى أشرنا إليه اننا مواطنون من دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي إلا ان عسكري الجوازات أصر على الرفض ....
فما كان لي ولزميلي إلا الرضوخ والتسليم ...
أمضينا خمس ساعات أشد مللاً وضجراً من الأيام الخمسة التي أمضيتها في بغداد
حتى بدا النداءعلى الرحلة المغادرة للرياض وكان ذلك وقت العصر إي قبل المغرب في حدود ساعتين
المهم صعدنا الطائرة وكانت ما شاء الله ممتلئة بأفواج من الخادمات والعمال القادمين من إحدى دول شرق آسيا الامر الذي جعل عملية استنشاق هواء نقي من المستحيلات داخل الطائرة .
وختاماً وصلت مطار الرياض بحمد الله قبل أذان المغرب بدقائق ...
ومن المطار مباشرة إلى منزل الوالدة رحمها الله
وما أن دخلت عليهم بعد أذان المغرب بدقائق قليلة ... وهم في لمَتهم الجميلة يتناولون إفطارهم مستدفئين بحب وعطف وحنان " سلمى " اسم والدتي رحمها الله حتى الكل هلل وفرح بعودتي وفرحت وحمدت الله أن وفقني حتى لا أحرم من تقبيل يدها ورأسها وتناول وجبة إفطار أول يوم في رمضان في حضرة ست الحبايب .