الساكنون في قلوبنا

[فاطمة العرجان]

من بين التهم الملصقة بالمجتمعات الشرقية أنها مجتمعات ذكورية .. ترفع يد الرجل وتستر صوت الأنثى .. فالرجل دائماً حاصل على كافة حقوقه من العرف والعادة .. بينما المرأة فهي دوماً المظلومة ومسلوبة الحق ..
لن أعزف طويلاً على هذا الوتر الذي يكاد ينقطع من كثر الدندنة عليه .. ولكنها بداية تقودني إلى الصورة التي تصور عليها الأنثى الشرقية .. هذه الصورة التي نحن من رسم ملامحها وأطرها وعرضها في معارض العالم ..و الكل "متفرج" ..
وعندما يحاول أحدهم تجاوز مرحلة " الفُرجَة" فإنه لا يُعنَى بِها وبخلفياتها وتفاصيلها وإنما يكسر الإطار ويدمي الصورة .. ويظهرها إلى الملأ في صورة مأساة يومية تتكرر كـ صلاة مفروضة .. وتعاقَبُ آناء الليل وأطراف النهار .. وكأن الرجل الشرقي .. لا يمتهن سوى تعذيب امرأته وإذلالها .
مؤخراً .. خرجت لنا سلسلة "الساكنات في قلوبنا" والتي تعالج في كل حلقة مأساة أنثوية بطلها رجلٌ سادي .. يتلذذ بالتعذيب ويرقص على جروح أنثى مثخنة بدمائها .. هي واقعية .. ولستُ ممن يدسون رؤوسهم في التراب .. هي موجودة .. ولستُ لذلك منكرة .. ولكن أن يتم تسليط الضوء بهذا الشكل على الظلم الواقع على الأنثى .. وزج الاتهامات للرجل الشرقي بأنه رجل متعنت متزمت .. متقوقع بين عاداته وتقاليده .. فذلك يثير نزعة الدفاع عن الآخر حتى لو كان في الجانب الذي يصوره الإعلام ظالماً ..
من الرجل الخائن لزوجته .. إلى العابث بالأعراض .. مروراً بمن يفرق بين شقيقته وزوج ارتضت دينه وخلقه .. وبلا انتهاء .. فقط ضع مفردة (الرجل) وأضف إليها صفة سادية أو إجرامية أو متخلفة ما .. هكذا هو الرجل في هذه السلسلة ..
ولكن .. ماذا عن الرجل ؟!ألا يُظلَم هو الآخر ؟
الرجل عندما يعيش شامخاً .. فيأتي عليه يوم يطأطئ رأسه فيه من أجل فتاة عبثت فراحت سمعته ضحية عبثها ؟ وشاب وقع في شباك أنثى أتقنت النظرة وأحسنت الاصطياد فسلبته قلبه وعواطفه وماله وبعضهن تسلبه حتى حياته .. ماذا عن زوجٍ تخونه زوجته ؟ وامرأة تكفر عشيرها وتنكر فضله ؟أوليس أولئك مظلومون ؟ ألا يستحق أمثال هؤلاء أن يكونوا ساكنين في قلوبنا أيضاً ؟ أم حرام على بلابلهم الدوح ؟!
مشكلة إعلامنا ( إن كان حقاً إعلامنا ) أنه حين يتشبث بفكرة ما .. كالمرأة الشرقية الضعيفة المكسورة .. فإنه لا يتخلى عنها ولا حتى يخفف من تعلقه بها مهما واجه من انتقاد أو اعتراض .. إذ سيجد هذه الاعتراضات .. رصيد نجاح ومكسب يضاف إلى مكاسبه .. هذا فيما يتعلق بالقناة نفسها .. أما ما يختص بالفكرة .. فأيضاً سيعتبرون الاعتراض خنقاً للحرية وشنقاً للحقائق وتأكيداً على ظلم المرأة لدرجة أننا نرفض أن ترفع صوتها وتظهر قضاياها على السطح ..
هناك ظلم في المجتمع ولكنه غير موجه للمرأة فقط .. فللرجل نصيب كبير أيضاً من هذا الظلم ..
فقط تأملوا الواقع جيداً .