قِصصٌ تُروى . - الصفحة 3 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
شطحات وأمل (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 3414 - )           »          ....&& ندبات وجراح&&... (الكاتـب : زكريا عليو - مشاركات : 8 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75181 - )           »          روض الأبعاد ... (الكاتـب : ضوء خافت - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 74 - )           »          ( كان لا مكان ) (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 586 - )           »          العين (الكاتـب : عبدالإله المالك - آخر مشاركة : حمد الدوسري - مشاركات : 15 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 326 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8215 - )           »          مِن ميّ إلى جُبران ... (الكاتـب : نازك - مشاركات : 878 - )           »          الزمن بوّار (الكاتـب : عادل الدوسري - آخر مشاركة : عبدالإله المالك - مشاركات : 3 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-08-2009, 11:54 AM   #1
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي محمد سيف الرحبي


البارع

حرك قدما باتجاه البحر ،حرك أخرى باتجاه اليابسة ، طفول تختبئ هناك بين أشجار النارجيل ترصد حركة أقدامك ، أمسك خنجرك جيدا وسر مع خطوات رفيقك على
البساط الممدود فالأرض مثقلة بخريفها .

استدر للوراء ، خذ دورتك كاملة ،انتهى المشوار الأول ، انتهت المساحة المهيأة أمامك ،
ارفع قدمك وأستدر ، تعلم أن تضع إضاءة المكان على حد خنجرك ، طفول ربما ، هناك ،
تراقبك ، تنسل من بين أحراج الموز خضراء مدهشة ، يبتل خمارها برذاذ الخريف ، كم
مرة بحد خنجرك أخرجت الماء من بطن نارجيلة ؟! حين شربت طفول ماء (المشلي) أردت أن تخرج لها البياض الطري ، لكنها انسربت منك داخل أشجار الموز الكثيفة ،
أعجبتك اللعبة ، دخلت معها ، لم تكن كما أردت ، حينها غضبت ، وتحركت خنجرك في
سيقان وأوراق الموز تمزق بشراهة الأجساد الطرية .

أزل الذكرى عن كهوفك الآن أيها البارع ، فالموسيقى لا تزال تسكب عنفوان الصور على مخيلة الواقفين حواليك ، والطبل (المرواس) يحمل حدة صوته ، جلية ، متتابعة ، كأنه
يموسق موج البحر ، والطبل (المهجر)عميق كعذابك ، تختال في أذنيك أصوات الناي ،
حزين هذا الناي كحزنك ، شجي وعذب ، كطفول ، لكن طفول ، نزق الأرض ، وشموخ
الجبل ، لا تقبض الخنجر لترقص .. واصل استداراتك فرفيقك يهز خنجره :
"حبل المحبة الهي رب لا تقطع
والشمل تجمع لمن له قلب هجاعي"

عين على الخنجر ،وعين على أطراف المكان ، وطفول ، دفقة خضبت جراحك حنا لا يزول

أيها البارع خفف الذكرى حتى لا تثقلك : حتى لا تقع والخنجر في يدك ، طفول كانت رائحة الوقت والمسافات نحو البعيد ، مضت كغزال بري صوب الجبل ، طفول لا تشرب موج البحر
، لا تسكن إلا ظل الصخر ، ، غادرتك طفول منذ زمن ،وما زلت تقبض على الزمن في حد
خنجرك ، خنجرك مرهف ، عنيد ، متوحش ، جسور .. كخطى طفول ، لكنك لست
كخنجرك:

"لله محبي صغير السن يتواضع
يعطف ويرحم من اللي كبده لساعي"

ارجع خطوك مرة أخرى ، الزمن ليس في صالحك ، جرد ذاتك من ذاتك ، ستكتشف أن
الأرض انسحبت من تحتك ، أن البحر غادر مياهه ، أن الدم لم يرض بشرايينه .. وحدك
تختال مرحا بين الجموع وفي قلبك لهيب الموسيقى وإيقاع الطبل .

"اللي مجاري دموعه جرح المجمع
واللي فؤاده قطار دماعي"

ابتعد عن رفيقك كي لا تقعا معا فالبساط يمتد بامتداد خطوكما ، ليس أبعد من ذلك
ارفع قدما ، انزل قدما ، حرك قدما ، سكن قدما ..

ارفع ، انزل ، حرك ، سكن

احرق اليابسة من تحت أقدامك لعل المكان يخضر بسهوب خريفك ، أشجار العمر
تساقطت ، ضاعت في صحراء الربع الخالي وخريفك ممتد إلى ما لا نهاية ، ممتد لكنه لا
يصل ، فقط يحلم بطفول .

الوجوه تتكاثر من حولك ، تتزاحم لرؤيتك ، وأنت فاقد للرؤية ، الضباب من حلوك يلتئم
على عينيك ، لا رؤية إلا وجه طفول ،يبعث الفضاء ضحكة طفول ، تنشق الرؤيا أمام
عينيك ، تسرع في خطوك ، تبتل قبضتك على الخنجر ، طفول ترسل ضحكاتها في اتجاه
البحر وأنت لا ترى إلا اليابسة ، ولا صوت إلا الناي يتكسر دمعا ، ومن حولك لا يرون دمك
أيها البارع ، كانت طفول ثورتك ، لكن لست ثائرا ،غادرتك أيها البارع ، منذ زمن رحلت
طفول إلى الجبل ، تذرع أنفاس الوحوش وحدها ، كغابة ضيعت أشجارها ، طفول ، هذه
الثائرة في زمن اللاثورة لم تعد كما كانت ، أنت المبلل بالضباب وموج البحر ، تعود إليك
الأصوات ثانية :

"حبل المحبة الهي رب لا تقطع
والشمل تجمع لمن له قلب هجاعي"

حرك قدما ، تقهقر إلى الوراء بظهرك ،وخذ دورتك كاملة ، عد إلى الوراء الذي كنت فيه،
لا زالت الرقصة مستمرة .

حرك قدما ، شاطئ مرباط بعيد عنك ، والسفن يعبث بها الموج في انتظار الإبحار ، حرك
قدما ، استدر للوراء ، ربما السفن تغادر مراسيها، لا تثق بالموج ، فقط احفظ توازنك ، يدك
اليمنى تتمسك بالخنجر أكثر فأكثر ، تصبح كأن اللحم جزء من مقبض النصل ، ورفيقك
معك، الموسيقى ثائرة والكون ضباب أبيض .. أبيض .. كالبياض الطري الذي جعل طفول
تنسل إلى أحراش الموز ، لكن لا مكان أمامك تنسل إليه .

ارفع قدمك ، بادل بينها والأخرى ، لا تبطئ ، أسرع فالنواخذة شدوا صواريهم ، حرك قدما
، لا تبطئ ، فطفول لن تأت ، تذكر أيها العاشق أن البحر أسطورة المغامرين ،الجبل ليس كما هو الجبل ، أخرج الأسطورة من جيبك ،تقول الأسطورة انه في رأس الحمراء تم العثور على 220مدفنا لرجال متوفين في وضع القرفصاء وباتجاه البحر ، أياديهم تمسك
على الأصداف الفارغة ، إلا واحد يمسك لؤلؤة في يده ،تمنيت لو تكون أنت ،لكن طفول
،لؤلؤتك غابت ،غامت سماؤها ، أمطرت جبال سمحان والقمم المجاورة له .


حرك قدما ، هذه الغزالة البرية لا تسمع نغمات برعتك ،لا تلتف إلى حركات قدميك.. ربما .. ربما تفكر فقط في نصل خنجرك .

حرك البارع قدما في اتجاه البحر ..

الأخرى باتجاه اليابسة ..

تهاوى صوت الإيقاع ،وصوت الناي ..

كان البارع يقبض على مقبض الخنجر بيده اليمنى ، وعلى النصل بيده اليسرى، لم يكن المطر وحده يسقط على البساط ، كان هناك شلال أحمر من يدي البارع ، وحدقتيه.

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-16-2009, 08:43 PM   #2
عبدالعزيز رشيد
( شاعر وكاتب )

الصورة الرمزية عبدالعزيز رشيد

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2212

عبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي عدي الحربش (علي الزيبق)



(*Zytglogge)




"الوقت العجوز؛ ذاك الذي يدير العجلة، الأطول و الأعظم من الجميع! مصنعه مكانٌ سريّ، عملهُ صامت، و يداهُ خرساوتان"

(تشارلز ديكنز)


-1-

ينتصبُ برجُ الساعة (التزيت كلوكه) في الجهة الغربية من مدينة بيرن القديمة، و لو توقفتَ لأربعِ دقائق قبل تمامِ الساعة، لرأيتَ قافلةً غريبةً من ثلاثة دببةٍ معدنية تنبعتُ من أحدِ شبابيك الساعة الشرقية؛ أولُها يمشي على أربعة أقدام، و ثانيها على قدمين، و الثالث يمتطي جواداً مُطهماً. فوقَ الشرفة، يجلسُ مهرجٌ أحمرُ الملابس، هو في سحنتهِ أقرب إلى الشيطان، ما إن يرى قافلة الدببة حتى يبدأ بسحبِ يديه الإثنتين ليقرعَ الأجراس المعلقةَ فوقَه، و كأنهُ يقول: "أنا حارسُ الساعة، أنا حارسُ الوقت، أنتم تموتون و أنا أبقى، أنتم تبكون و أنا أضحك."

في الجانب الغربي من الساعة، تدور العقاربُ الذهبية الحاملة نقوشَ الشمس و القمر و النجمة و الضوء، بينما تتوزع ملامح أربعة أشخاصٍ على اللوحة المرسومة كخلفيةٍ للساعة: كورونوس (إله الوقت، و النسخة البدائية من الشيطان)، آدم و حواء و هما يخصفان من ورقِ الجنة و يداريان بهِ سؤاتيهما، و ملاكٌ مصفح بالحديد، تلوحُ فوق رأسه هالة ضوئية، يمسكُ بالسيفِ عامودياً في وجه آدم و حواء، ليسدَّ بهِ طريقهما إلى الجنة، و ليعلنَ بذلك عن بدايةِ الزمن الأرضي، بعد ارتكاب الخطيئة الأولى حسب القصة المسيحية.

هل هذه هي بداية الوقت كما حلا للفنان فيكتور سوربيك تسمية لوحته المنقوشة على وجه الساعة؟ و هل للوقت بداية أو نهاية؟ و هل له وجود ماديّ أصلاً؟ أسئلة لا حصر لها بدأت مع بداية الانسان، و لن تنتهي إلا بنهايته، و ليس أقلها أهمية ذاك السؤال الذي خطر في بال الشاب البيرني "ألبرت إينشتاين" و هو يراقب "التسيت كلوكه" أثناء ابتعاده عنها في الترام:

هل الوقت عالميّ أم فردي؟ مطلقٌ أم نسبي؟

"لو حملتَ ساعةً معك في الترام، و انطلقتَ مبتعداً عن "التسيت كلوكه" بسرعة الضوء، فإنّ عقارب "التسيت كلوكه" ستتوقف، بينما سيستمر دقّاقُ ساعة معصمِكَ بالدوران."

هكذا كانت إجابة إينشتاين في ذلك العصر الذي كانت فيه الأسئلة تتوالى محاولةً استبدال الإطلاق بالنسبية، و العالمية بالفردية. بدل عالمية أخلاق كانط، هناك سوبرمان نيتشه! بدلَ الأديان ذات الأجوبة المطلقة و المتسامية هناك الأسئلة الوجودية التي لا تتحقق إلا باتخاذ الفرد لخيارِه الحرّ.

"الفردُ يحملُ وقتَه معه، الفردُ هو مرجعية كل شئ، لا حاجةَ إلى المطلق، لقد استُبدِل اللهُ بالفرد!"

عُذراً سيد إينشتاين! لا يمكنني أن أعرضَ إجاباتِك هذه دون أن أحكيَ قصةً دارت أحداثها في جوف الساعة التي أوحت لك بنظريتك النسبية، في جوف "التسيت كلوكه"، جوف البرج..

في ذلك الوقت الذي كان فيه برجُ الساعةِ يُستخدمُ لحبسِ المومسات اللاتي يتعرضن لرجال الدين و يحاولنَ إغوائهم..



-2-

في تلك الليلة الباردة و المظلمة التي بدأت فيها قصتنا، كانت قطرات المطر تتساقط من أعالي السماء بشكل محموم و متتابع. انتفض أسقف كاتدرائية بيرن من فراشه، و انطلق مسرعاً نحو الشرفة المفتوحة في أعالي البرج الذي يحوي منامته. عند الشرفة، أخذ الأسقف العجوز يتطلع في الظلمة الحالكة، و يستنشق هواء الليل البارد، و هو يحاول أن يبعدَ عن ذهنهِ تفاصيل حلمه الرطب الذي أيقظه مفزوعاً من نومه. كان جرس برج الساعة يقرع في الخارج مؤذناً عن حلول منتصف الليل.

لم تفلح محاولات الأسقف العجوز في التخلص من تفاصيل حلمِهِ الذي أمتعه و أفزعه في نفس الوقت، إذ سرعان ما رمى الأسقف نفسَه في ثنايا هذه التفاصيل و هو يحاول استرجاع ملامح وجه المرأة التي رآها عاريةً وسطَ حلمِه.

في الحلم؛ كانت السماء صافيةً و فسيحة، و كانت الشمس مشرقةً و مريحة، بينما ارتمت التلال الخضراء في الأفق لتعطي الحلم خلفيةً بانورامية هائلة. على ضفة النهر، كانت امرأة الحُلم تجلس على صخرةٍ ملساء و قد تعرّت تماماً. كان جسمها العاري يشع بياضاً و نقاءاً، و كان ضوء الشمس ينعكس على جلدها البضّ ليحيطَ بها و يجللها بالنور، و كأنها ملاك أو قديسة. أكثر ما أزعج الأسقف عندما أفاق من نومه هو التأثير الذي تركته امرأة الحلم في جسدِه، و الذي انتصب شاهدا على الشهوة المُحرمة التي ما زالت تتقد في جسد الأسقف العجوز.

لمح الأسقف حركةً في الباحة الممتدة أمام الكنيسة، و عندما اشرأب بعنقه، تبينَ خيال امرأةٍ مرتجفة، تختبئ خلف تمثال الرجل الضخم ذي القرنين، و الذي يحمل ما بين يديه ألواح الوصايا العشر. كان التمثال يعود إلى موسى، و كان يشير فيه بإصبعه إلى الوصية الثانية: "أن لا تصنعَ صورةً أو شَبَهاً لما هو في الجِنان فوق."

أحسّ الأسقفُ بالغضب لهذا الانتهاك الصارخ لحرمة الكنيسة، و لكنه حينما استرجعَ حلمه، استدرك سريعاً، و هو يتذكر صورة المرأة القديسة المغتسلة وسط النهر. ربما كانت هناك علاقة ما بين المرأتين! ربما أرسلت إليه السماء هذه المرأة، في هذه الساعة، و تحت جنحِ الظلمةِ و البرد، كي يصلَ إلى امرأة حلمه: القديسة، الملاك، المِثال، المُطلق!

لبس الأسقفُ نعليه، ثم أسرع بهبوط السلالم الدائرية التي تربط منامته بمدخل الكاتدرائية. دفع الأسقفُ باب الكاتدرائية الضخم ليُحدثَ صريرا مزعجاً وسطَ الليل. أطلَّ برأسه، و أخذ يطوحُ بالمصباح يمينا و شمالاً. ابتلع الأسقفُ ريقه في ترقبٍ حينما تبينَ المرأة البغي و هي تختبئ بملابسها الرثّة خلف التمثال. أشارَ الأسقفُ بمصباحه ناحية المرأة البغي؛ لم تتحرك. حينما أشارَ مرة ثانية، تشجعت على الاقتراب ناحيته خطوةً واحدة. تراجع الأسقفُ إلى الداخل تاركا الباب الضخم مُشرعاً خلفه. ما هي إلا دقائق، حتى تبعته المرأة البغي إلى منامتِه في الأعلى، ليُغلقَ خلفها الباب الخشبي الموحش.

عندما أفرغَ الأسقفُ شهوته، لم يعد يرى في المرأة المحشورة تحته لا القديسة و لا الملاك و لا المِثال و لا المُطلَق! كان يرى امرأةً فاجرةً تلوثُ فراشَه، و كانَ يُحسّ بثقلِ الخطيئة الأولى يرزحُ فوقَ كتفيه. ماذا سيحدث لو أنّ هذه المرأة الفاجرة باحت لأحدٍ عن ما حصل لها في منامته؟ ماذا سيحدث لو أنها أشارت إليه من أحد مقاعد الكاتدرائية و هي تهمسُ: أنا أعرفُ هذا الرجل!

أمسكَ الأسقفُ بيدِ المرأة البغي و قادها إلى الأسفل؛ إلى غرفة الاعتراف. هناك، تركَها و سطَ الظلمة، و أسرع ليوقظَ قارع الأجراس من نومه الثقيل. حدّق قارعُ الأجراسِ باستغرابٍ في وجهِ من أيقظه، و عندما تبيّن ملامحَ الأسقف، انتصبَ واقفاً على قدميه. تمتمَ الأسقف:

"هناكَ امرأة خاطئة في غرفة الاعتراف، خذها إلى حارس الساعة، و أخبره أن الساعة لا تحتاج إلى صيانة هذا الأسبوع."



-3-

لبرج الساعة تاريخٌ طويل و مفزع. قبل بناء الساعة، كانَ البرجُ سجناً معروفاً يُستخدمُ لحبسِ المومسات و البغايا. بعدَ بناء الساعة، أُلغي هذا التقليد في العلن، و لكنه استمرّ في السرِ لحبس هؤلاء الذين لا يُراد لأحدٍ أن يسمعَ بهم أو يدريَ بموتِهم. كان الأمر نتاج معاهدةٍ ما بين أسقف كاتدرائية بيرن و الحارس القائم على تعهدِ ميكانيزم الساعة.

سلّمَ قارعُ الأجراسِ المرأة البغي لحارس الساعة، و عندما أدى إليه رسالة الأسقف فهمَ حارسُ الساعةِ مغزاها مباشرة: سبعةُ أيامٍ متواصلة وسط البرج تعني موتاً محققاً بسببِ العطشِ أو الجوعِ أو الجنون. قادَ حارسُ الساعة المرأة البغي إلى جوف البرج، و عندما أغلقَ وراءها البابَ الحديديّ، حدثَ أمرٌ غريبٌ للغاية: توقفَ الوقتُ بالنسبةِ إلى هِيلجا!

لم تقاومْ هِيلجا الأسقفَ و لا قارع الأجراسِ و لا حارس الساعة. كانت ترتمي بقدرها بين أيديهم و كأنها ورقةٌ استسلمت لعبثِ الريح. كانت بردانة و حافية و جائعة عندما بدأت قطرات المطر بالتساقط. عندما قاربت الساعة منتصف الليل لم يعد بإمكانها أن تصبر أكثر. ليلة مثل هذه لن تجلب لها مزيداً من الزبائن. كان عليها أن تخرج تحت المطر و الظلام و البرد علّها تجدُ رجلاً يرمي في رَحْمِها قطعاً نقدية. كان رجل الدين الحليق الذي نام معها قبل أسبوع هو أول من خطر في بالها و هي تمشي وسط الليل. عندما وصلت إلى الكاتدرائية، لم تجد رجل الدين الوسيم. بدلاً منه، وجدت ذاك الأسقف المُرعب الذي قادها إلى منامته في الأعلى، و الذي يبدو أنه كان سبباً رئيسياً في حبسها الآن في هذا المكان الموحش.

جلستْ هيلجا وسطَ الظلام، و أخذت تتذكرُ أحداث طفولتها في فرايبوج. كانت الطفلة العاشرة في بيت عائلتها الفقير و البائس. كانت تحمل دلوَ الحليب و تمشي به بينَ البيوت عندما شاهدتها العجوز التي تملأ المساحيق وجهها، و التي علّقت على صدرها النافر. لم يمر على هذه الحادثة سوى أسبوعين حتى توقفت العجوز ذات المساحيق أمام دارهم و بصحبتها رجلٌ حليق الرأس، مفتول العضلات. تحدث الرجل الحليق إلى والدها، و بعد يومين، رجعَ و العجوزَ بصحبته، ليأخذاها من بيت والديها إلى بيرن المظلمة الباردة، بيرن المرعبة، المكان الذي مارست في البغاء أولَ مرة. هل كان يجدرُ بها أن تقاوم؟ لقد هربت ثلاث مرأت، و لكن الجوع في كل مرةٍ كان يُرجعها إلى مهنتها الرخيصة التي تحشرُ في فمها ما يكفي كي يبقيها حيةً حتى الزبون التالي.

جلستْ هِيلجا وسطَ الظلام، و حاولت أن تتبينَ أي شئ حولها دون فائدة. كانت الظلمة أسمكُ من الباب الحديدي نفسِه. حاولت أن تصغي إلى ما حولها، لم تسمع سوى صوت أنفاسها اللاهثة. كم مضى على هِيلجا و هي جالسة وسط البرج؟ لا أدري! لقد توقف الوقتُ بالنسبة لهيلجا، توقفَ الوقتُ و هي في جوفِ البرج، جوفِ الساعة..

و لكن عطشها أخذ يزدادُ تدريجياً. جوعها أخذ يزدادُ تدريجياً. جنونها أخذ يزدادُ تدريجياً. ذكرياتها أخذت تتلاشى تدريجياً. لا بدَّ أن هذه مؤشرات على الوقت. لا بدَّ أن أسيرة الساعة تخضع لمنطقِ الساعة نفسِه.

انتفضت هِيلجا فجأةً من موضعها و أخذت تضربُ برأسها على الحائط. لا بدّ أن هناك طريقة لإيقاف الوقت! لقد تلاشت الذكريات تماماً من رأسها، لم يبقَ سوى لون أصفرٌ يختلط في داخل رأسها مع الظلمة التي تحيط بها من كل مكان.

لا بدّ أن هناك طريقة لإيقاف الوقت! أخذت هِيلجا تتلمسُ طريقها بخطى مجنونة، حتى عثرت قدمها بعتبةٍ تشبه الدَرَج. صعدت هِيلجا عَتبات الدرجِ على يديها و قدميها و كأنها هرةٌ مذعورة. عندما وصلت إلى الأعلى، اصطدمت بما يشبه الباب الخشبي. عندما دفعت هِيلجا الباب حدثت معجزة: لقد نسيَ حارسُ الساعة إقفال باب العليّة الموصل لميكانيزم الساعة!

غمرَ الضوء المتسللُ من أعلى عيني هِيلجا حتى كاد أن يعميَهما و يملأهما بالظلام. عندما فتحت هِيلجا عينيها ثانية، وجدت نفسَها أمام حجرة مستطيلة تتكونُ من ستة عواميد خشبية، تمتلئ من قاعدتها حتى أعلاها بالتروس و الحبال و الجنازير.

هذا هوَ! هذا هوَ طريق الخلاص! هذا هوَ طريقُ الموت!

رمتْ هِيلجا نفسها وسط الحجرة الخشبية، و سرعانَ ما سَحلتْ الجنازيرُ عظامها، و انغرزت التروسُ في أحشائِها الرخوة.

عندَها، عندما انطفأ النورُ في عيني هيلجا؛ توقفتْ عقاربُ "التسيت كلوكه" عن الدروان لأولِ مرة. أخذَ أهلُ بيرن يتطلعون في وجه الساعةِ باستغراب، و أخذوا يتحدثون فيما بينهم عن هذا الحدث غير العادي. الخبازُ تأخرَ في موعدِ إقفالِ مخبزه. الفتاةُ انصرفتْ دونَ أن تحظى برؤية عشيقها. الأسقفُ رقدَ في منامتهِ متأخراً. رجالُ الشرطةِ لم يبدأوا دورياتهم الليلية إلا متأخراً.

في ذلك اليوم الذي ماتتْ فيه هِيلجا، توقفَ الوقت!




___
* Zytglogge : (تُنطق: تزيت-كلوكه) بمعنى برج الساعة، و هي الساعة الشهيرة الموجودة في بيرن، عاصمة سويسرا.

 

عبدالعزيز رشيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-18-2009, 10:42 PM   #3
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي عبدالعزيز الفارسي


الأنثى والريح


والغبار يهمس للأشجار المتمايلة بسرَّه؛ قال صديقي ناظراً خلال النافذة:
"الريحُ بعثرت كل شيءٍ داخلي. خّمن معي: كم أنثى تلزمني لأرتّب الأشياء داخل قلبي مرةً أخرى؟"
لم يكن قلبي معي. في البرد المتعجرف أُفكّر، وفي سطوة الريح أفكر، فركتُ يدي بشدة بحثاً عن دفء رحل مع الشمس. قلتُ مستنكراً:
"ومتى كانت الأشياء داخل قلبك مرتّبة؟"
ألصق جبهته بزجاج النافذة، ثم أنفه الطويل. حاول إلصاق شفتيه دون إبعاد الجبهة والأنف عن الزجاج، ففشل. كلما ألصق الشفتين ابتعدت الجبهة، وكلما ألصق الجبهة ابتعدت الشفتان. قال:
"كانت مرتبة قبل مجيء الريح".
ابتعد عن النافذة. اقتربتُ واضعاً جبهتي على الزجاج البارد. في الخارج صرخت الريح في انتشاء مجنون وغامض. قلتُ:
"واحدة!"
لم يفهم. سألني من بعيد:
"واحدة؟"
أجبت محاولاً إلصاق جبهتي وأنفي وشفتي بالزجاج في نفس الوقت:
"أنثى واحدة. ألا تكفي أنثى واحدة لترتيب ما بعثرته الريح؟"
سمعته يرد: "لا أظن. إنها بعثرة بفعل الريح"؟
آلمني أنفي من شدة الضغط على الزجاج البارد. استدرتُ قائلاً له:
"أما أنا فأظن.. لأنه ترتيب بفعل الأنثى!"



1/3/2003

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-19-2009, 09:13 AM   #4
نوف عبدالعزيز
( كاتبة )

افتراضي


موضوع بقمة الروعة و أختياراتك جداً رائعه نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لي عودة بإذن الله بعض ما بقي في الذاكرة من قصص

كل الإحترام و التقدير لك

 

التوقيع


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


أن يقول أحدهم .. أن للحزن حكمه فأنا أتفهم هذا
لكن ما لا أتفهمه ..!!
لماذا تجد الحياة بي ملجأ لطعناتها .؟!
وكأن الأرض لا تخلو من سواي
أؤمن أن للحزن حكمه لكني لم أعد أرى هذا ..!

نوف عبدالعزيز غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-21-2009, 09:39 PM   #5
عبدالعزيز رشيد
( شاعر وكاتب )

الصورة الرمزية عبدالعزيز رشيد

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2212

عبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعةعبدالعزيز رشيد لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


.. وزاد روعة باطرائك"
نوف أنتظر ذاكرتك تشرّفنا
تشكّراتي

 

عبدالعزيز رشيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-22-2009, 01:24 AM   #6
أحمد الحسون
( شاعر وناقد )

الصورة الرمزية أحمد الحسون

 






 

 مواضيع العضو
 

معدل تقييم المستوى: 16

أحمد الحسون غير متواجد حاليا

افتراضي


أخي عبد العزيز

اختيار موفق

سرد غني ، وعذب المعطى الدلالي في طياته، وبنيات عديدة في فضاءات النص.

دمت بيراعك المميز.

 

أحمد الحسون غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-17-2009, 10:08 PM   #7
نوف عبدالعزيز
( كاتبة )

افتراضي لشروق الخالد




تكورت داخل بطن أمي، لاصقت ما بين قدمي وبطني، التحم رأسي بركبتي. ضاعت يدي وسط أحشائي. رغم الغشاء الذي يحيطني هممت بالخروج، كلى فضول وشوق، لم أتنفس بعد، مرتبطة بتنفس أمي، تأتيني الحياة من خلال السرة التى تربطني بها, رئتاها ترتجفان, أرتجف أنا أيضا, تتنفس، أتنفس بدوري، تضحك فأشعر برعشة تدغدغني، تأكل أو تشرب فاشعر بنشوة، فأندفع في هزة إلى الأمام وهزة إلى الوراء، أحيانا أصعد وأحيانا أهبط، لكنى غالبا ما أكون شبه نائمة أو في غيبوبة جميلة, دقات قلبها منتظمة وحزينة غالباً كأني أجلس تحت ساعة ميدان هائلة، أسمع من خلال أذني صوت جريان الغذاء السائل في الجهاز الهضمي، وحركة دوران في الجسم بأكمله. أشعر بدغدغة ونشاط جديدين, اهتز من جديد في حركة دائرية ثم أشعر بسرعة تنفسها فأعرف أنها تسير، أنتبه قليلا، ثم أعاود النوم اللذيذ, ولم أفتح عيني بعد, وأحيانا أخرى أشعر بيد ثقيلة تداعبني ، عرفت بعد ذلك أنها يد أبي , فقد كان لا يفارق أمي أينما حلت بينما هي تحملني أنا/ وحلم أبي بداخلها, أبي كثير القلق , لطم موضع رأسي بيده حين راودته فكرة أن أكون أنثى فانزعجت قليلا, ثم هدأت محاوله أن أتحرك لأفصح لأمي عن غضبى, فيهدأ أبي ويبتسم مطمئناً قلبه بذكورتي فأرتاح لمداعبته انتفاخ أمي وأعود إلى النوم*
ولكن لم أهنأ بنومي ,, قطع هناء إغماضتي صرخات أمي تعلن عن قدومي , مبللة بدماء اختناقي,ودوار يصيب رأسي, كل الأشياء تصرخ , وكلها تدفعني للخروج عنوه,لم تمهلني صرخات أمي بالتفكير بيومان متبقية لي بهذه الظلمة , فانتقلت على عجالة عبر سراديب ظلمة من ظلمة أولى وثانية حتى أوشكت على اختناق بالثالثة, حيث كانت فرحة أبي تطوق عنقي , وارتباكه يؤخر ميعاد إنقاذي,وفرجت أمي ساقيها وتسرب هواء, عبر ممر خروج,وتلقفتني يد الطبيب ورفعني عالياً, فامتلأت رئتاي برائحة مستشفى, فضربني على مؤخرتي, كعادة مشينة جداً لا زالوا يمارسونها ,فبكيت , حين علمتُ بأن الحياة ما هي إلا وجهان للظلم ظالم أو مظلوم ,ثم غسلوني, معلقة برقبتي كـ صغار الهررة بيد أحداهن,وتناثرت قشوري حولي, وبعدها غفوت,ليخترق صوت أذان مسامعي ,الله أكبر ,الله أكبر ,أشهد أن لا أله ألا الله ,أشهد أن محمداً رسول الله ,الله أكبر,الله أكبر, مستقراً بقلبي الصغير لتحبا بداخلي الفطرة الإلهية وفتحت لي الدنيا عيناً أرهقتها ظلمة رحم تسعه أشهر ألا يومان, وكان يومي الأول الذي عمل فيه عداد العمر المتصدي ممزقاً بطنينه حلمي في حياه هانئة بدنيا رضعت الشهوات وغرِقت بالمتع ,فبكيت مجدداً , حين ضحكت أمي بشراً بمقدمي ,ولم يفعل هو , (أبي) فقد تراءت خيبه أمله عذابات تضيق على مهدي حين سأل : ( أيمن..؟؟)وحين لم تجد أفواه الحلم ما تجيبه به,تفجرت ملامحي بالأنوثة وقتلته,فأقترب عاقداً حاجبيه حينها أحسست بأنفاسه وهو يؤذن بأذني , ممارساً طقوسه الإيمانية, دون إي رغبه صادقه منه!لأبدأ حياتي مفعمة بالرضا والإيمان, كيوم ولادتي الغارق بابتهالات الحجيج وقد استقرت أقدامهم وقوفاً بعرفات ,وكانت تلك البداية ,بعدها جاء صوت أمي الهادي من ركن سحيق لـ يجبرني على الابتسام بوجه أبي المتجهم حين قالت : (فؤاد ماذا ستسميها ..؟؟)
فجاء رده متأخراً مدنساً بكفرة بمشيئة الرب,وبارداً بعد أن مارس رجولته بنزع تلك الأفكار والعواطف التي تخنقه مبدداً بيده ضبابات خيال أسهدته ضاغطاً على نظارته لترتطم بقسوة بأنفه الكبير: ( من, اُسمي من ؟؟)تمزقت أمي حرجاً وهي تبتهل للرب شكراً حين منحنها الستر وحرمني نمواً كاملاً لحواسي وعقلاً كي لا أفقه شيئاً مما يقولان و قالت : (ابنتنا..!!)
(إيمان ..) قالها بضيق واصطكت أسنانه حين نطق حروف أسمي محرقه كل مسافات عبور بـ حنجرته وكأن أمي واجهته بحقيقة مرة , صافقاً الباب خلفه,فسقط بعض دمع على شفتاي مبللاً حلقي (فيا عجباً أأرُضعت دمعاً..!!)وبذات الصباح الذي استنشقت اختناق رئتاي من رائحة سيجار أبي , أودعت قفصاً صغيراً, بتلك الحضانة المقرفه, حيث عبرت ممراً طويلاً أراقب نظرات حاملتي وهي تلاحق حلمها بسلب قلب الدكتور المشرف على مراقبة حالتي غير كاملة النمو وتمرر يديها على إزار قميص يستر صدرها,وقبل أن تقذفني مسرعه وسط وجوه عده وتهرب حيث الأخرى التى تعلن عن قدوم دكتور آخر أعلنت عنه بقولها : (بيتفل مان ) , مارست الأجهزة احتضاني حين ضاقت الصدور بحملي ,فـ كنت وقتذاك أراقب الفرحة تشرق في الوجوه عداي ,(أرأيتم رضيعا بائساً..؟؟) مؤكد لا ولكن أنا كُنت كذلك فقد كان إحساسي بالفقد / والحزن سبباً بنضج حواسي قبل أوانها, فكبرت أيامي سريعاً لاحتيازي استفهامات كُثر ,فباءت كل محاولات مناغاتي , مداعبتي بالفشل فلا أبتسم ألا نزراً قليلاً, أليست الأجنة تحمل أمزجة من ضاق بحملها ؟؟!هكذا علقت أمي حين علقت الممرضة ع ملامحي قائلة بلطف : ( ستكون فتاه قوية وجميلة ,,)كانت عبارة أمي كفيلة بمنحي الإيمان بموعد ولادتي الخطأ ,, فرضعت الحزن وعاشرت الكفر مع أبي, حين لم يكن راضياً بقدومي,رغم ممارساته الإيمانية الأخرى,فكانت أول شناعة أرتكبها هي عدم الرضا بأي شيء , ومنها ثديي أمي,وقد حاولت معي كثيراً , حدود التوحد الجسدي حيث ضمتني بقوة وبكت,كان يؤلم قلبها إحساسها برفضي لها, و لوجودي هنا بين يديها لأمتص قذارة ما قذفه أبي بجسدها,ولكن حين عاد الحجيج بيوم عيد لممارسه التكبير,وارتفعت أصواتهم بالدعاء ,وعلا صوت أمي بالتأوهات وصوتي بالبكاء منحت قلبي رضعتان, وحالما انتهت نقمتي من جوع توقف أداراها للحليب, وكأن الرب يعرف أنها لا تستحق منحي حبها المدنس , وأني لا أستحق سموم تقذفها بجسدي,وفي اليوم التالي,تمزق جسد أمي وأنتشر به هزال كالوباء وتابع جسدها قذف دمائها المدنسة بحيوانات أبي وأنبوب اختبار , فتتابعت عليه العمليات, حتى كسا شعرها الشيب وترهل جسدها وسقطت كل أعضائها الجميلة ككتل لحم رطبة أعدت للشواء, لتتسرب لخياشيمي رائحة احتراق ,ففتحت عيناي لأراه أبي واقفاً منتصباً كجسد شيطاني , بعيناه الحمراويين وجلدة الأسمر وابتسامته الصفراء وثوبه الباهت كملامحه الباردة ونظراته القذرة ,ليرسم كمداً وحزناً ع وجه أمي , فلا يكتفي بخمس عشر عاماً ذاقت بها الموت وهي تستسلم لمشارط أطباء تعبث بجسدها النظر في سبيل تحقيق رغبته بامتلاك طفل, وحين سقطت مشوهه كـ كبش فداء لي,عاد ليخرجها حيث جحيمه قبل انقضاء ممارسات العيد بأيامها الأربع قائلاً : ( وليس الذكر كالأنثى) لتغوص أمي بالفكر معلقه نظراتها الحزينة نحوه, ليتابع بصوته الخشن نافثاً دخان خبث من صدره : (أنتِ ترهقين نفسك وتكلفيني الكثير فما فائدة كل ما فعلناه , هي أنثى ) وكـ مشرط كانت كلماته, لتقتسمني نصفين,نصفٌ يكرهه وآخر يكرهه أكثر .



ايقونه فلتس لجورج البهورجي / بتصرف


 

التوقيع


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


أن يقول أحدهم .. أن للحزن حكمه فأنا أتفهم هذا
لكن ما لا أتفهمه ..!!
لماذا تجد الحياة بي ملجأ لطعناتها .؟!
وكأن الأرض لا تخلو من سواي
أؤمن أن للحزن حكمه لكني لم أعد أرى هذا ..!

نوف عبدالعزيز غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-02-2009, 01:17 AM   #8
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

عبدالعزيز الفارسي


نخلةٌ واحدةٌ في أرضٍ شاسعة..

نخلةٌ وحيدة



"وتختفين يا نكهة اللُبان..
هكذا دون إنذارٍ سابقٍ بالرحيل. تسابقين الفجر ورحيل العصافير وتخلّفين طفلاً يتعثر بجراحه، عاجزاً حتى عن أوهن النداء: "أرجوك عودي". فلِمن تتركينه؟! المسافات ـ صغيرتي ـ لا تؤوي العجزة. فأرجوك عودي..."
الحكايةُ أبعد من الدمع. تغور في صميم الجرح.
منفيون ـ بُنيّتي ـ رغم احتكاك الحزن بالحزن. مشردون في امتداد الحلم. لو تسألين الآن: ما أنت؟! ما تفعل؟! سألغي ذاك الرماد. سألغي الذاكرة وأبدأ من جديد. سأقول مثلاً:


"لا أعرف من أكون. فقد وجدتني في هذه اللحظة أحتسي حضورك المتشرذم. وأبحث عن فقيد داخل مقلتيك. وهأنذا أجد عينين كعينيه.."
أو ربما قلتُ:
"صديقين. لا أذكرُ ما فعلتُ هذا اليوم. زارني هاجس الخروج من غرفتي فتركتها في كنف الريح ومضيت. أطلقت العنان لكل جوارحي. فقدتُ بعد ذلك كل التفاصيل. فلربما صادفتُ متسكعاً يفتش عن ظلال الخطو مثلي، فوضعت يدي في يده. مشينا بين الأزقة. ضحكنا معاً دون أن نعرف اسمينا. أفشينا سرّينا الدفينين. ثم افترقنا دون تبادل عنوانينا قائليْن: "فلنترك لقاءنا الثاني للزمن كي يحدده". أو ربما احتضنت مُسِنّاً على فراش الموت، أنهك أقرباءه انتظار رحيله. أو ربما ركضتُ خلف طفلة شقية أفلتت من يد أمها لتعبر الشارع أمام سيارة متوحشة. أو ربما صادفت روح أنثى مهاجرة لم أرها قط، ولم أسمع لها صوتاً، ولم أقرأ لها حرفاً. روح أنثى تنسلُّ خلسة من سحابة بيضاء وتجيء تربت على كتفي المثقل. ألا تسكن الأرواح السحب؟! أو ربما عدتُ إلى الغرفة ظناً مني أنها وطني الممزوج بنكهة اللبان. أوه. ها أنت تفجرين الذاكرة وتعودين من جديد. صغيرتي قلت لك: "جنّبيني الحديث عما مضى. أريد شراء النيسان بأي ثمن". فلِم تنداحين من ذاكرتي الآن وتنتثرين حضوراً؟ حسناً. سألغي ما قلت، وسأبدأ من جديد:
"وتختفين يا نكهة اللبان..
هكذا دون سابق إنذارٍ بالرحيل..."
أو لاخترتُ لك أن تكوني سيداً، أصنعه من أرق الورق، وخاطبته قائلاً:
"لو أعطيتني الإذن ـ سيدي ـ بالتحدث لاخترت هذا الاستهلال:
"يا أيها الواقف على الجرح، وتنظر إلى البعيد.. تمهّل فثمة كائنٌ تحت قدميك؛ يُدعى القلب".
هو استهلال مغرٍ وبّراق يولّد في النفس، الحزن والتعاطف والفضول. هذه الأشياء تجبرك على سماعي دون مقاطعة حتى النهاية. لكني لن أستهلّ حديثي بتلك العبارة، لأنك لم تأذن لي بالتحدث يا سيدي. أبصارنا تخلق ما نرى، وأنا أوجدتك الآن هنا لتسمع مكرهاً ما أقول. المكره لا يعطي الإذن، لذا سأستهل بما يلي: "وطني المكسو بسرابيل الصمت، اخترتك قلباً للعاصفة.. فكن قلبي".


ومن أنت يا سيدي؟
لا يهم. كثيرون أولئك الغرباء يوجدون لحظة بوح، فكن منهم سيدي.. ثم امض بعيداً بالبوح!
"وطني المكسو بسرابيل الصمت، اخترتك قلباً للعاصفة.. فكن قلبي!"
لا. سأقف. هذا الاستهلال عقيم، ويفضي إلى فراغات سوداء تبتلع أنوار النفس. سأترك ما قلت ـ يا سيدي المُكره على المجيء ـ وأبدأ من جديد:
"يا أيها الحزن المشعّث..
يا أيها القلب المدجج بالخواء: وطني المسافات التي نفت الغريب إلى أقاصي العاصفة" لكن ليس هذا ما أريد قولـه! كيف لي تطويعِ حرف عنيد؟ كيف لي ترويض جملةٍ متمردة؟ أعطني سيدي جملة أستهل بها بوحي. هب لي رقصات حرفٍ على شفير الحكاية وسأحكي. صدقني: سأحكي.
سأقول ـ يا سيدي الذي أُحضر فوق غمامةٍ من وجع الانتظار ـ كم تزمجر داخلي الكلمات الصاخبة، الهادئة، المتهورة، الرزينة، الخضراء، الجدباء. لكني أريدُ بداية. أريدُ جملةً قُدّت من فولاذ صلبٍ، أملسٍ، متماسك، لا يملك الرائي أمامه إلا الطرق بالأصابع وهز الرأس إعجاباً: "فولاذ ممتاز". أريدُ أحرفاً سُكّت من ذهبٍ برّاقٍ. أريدُ نكهة فاكهةٍ تذوب داخل الفم تجبرُ المتذوق على قطف بقية الثمار. أريدُ بداية. أريد بداية وبعدها سأحكي لك، وأصف، وأقول".
لكنني لن أقول، فورق الأرق تحرقه الكلمات. ويتبخر السيد المُحضرُ، فوق غمامةٍ من وجع الانتظار.. وستختفين أنت بالتأكيد، وسأعود إلى كتابة حزن جديد. سأقول واصفاً حزناً آفلاً كنت أعرفه:
"أسمعك يا صوت الذي يأفلُ بمحض الحزن؛ يا الماضي في التلاشي غير آبهٍ بدربك، يا عابراً فوق شظية الوجع.. أسمعك، فحدِّث، وأطل الحديث للدمع والليل وجيوش السائرين في أوجاعهم. لا سامع هنا غير الله، فأفض في حديثك وأسهب. قل. إني أسمعك.
إن كنت تنوي الصمت، فلِم اخترت إذن الهرب إلى هذا الكهف؟! لِم انتظرت آخر الخريف حيث الريح باردةً تعصف بأوراق الأشجار وأوراقك، ثم أتيت؟! لِم اخترت السماء مكسوة بالغيم تنذر بالثورة وهربت إلى هنا؟! ألم تفعل ذلك لتحدّثني يا صوت الذي يأفل؟! قل إذن.
قالت تحرث الحزن بقلبك لينبت الدمع:
"سوف توصلني إلى مرحلةٍ أكره فيها ذكر اسمك. صدقني قد أصل إليها من شدة معاناتي المستمرة. وأنت كما أنت. لا فائدة مرجوة من طباعك القذرة أحياناً. لن تتغير. هل تعلم لماذا أقول ذلك؟ لأنها ليست المرة الأولى التي أشتكيك فيها إلى نفسك. لكن لا جدوى، فأنت أنت، وأنا أنا، والدنيا تسير. إن كان من الضروري تغيّر أحدنا، فحتماً سأكون أنا".
ثم مضت تحزم أمتعتها بصعوبة بالغة. يعيقها تكوّر جنينكما في بطنها. لم تترك شيئاً من ملابسها إلا ورمته في الحقيقة. وأنت.. كما عهدتك في كل موقفٍ مُذهل ومباغت: لا تزيد عن فعلين؛ الصمت والتأمل. كانت تبكي بحرقة، وتسيل الدموع مختلطة بشعرها المتناثر على وجهها. بدا وجهها كلوحة من عبث التردد والرحيل. ورحتَ تتأمل هذه اللوحة بشيءٍ من الإسقاط على عمرك.. يا أيها الآفل!!
ثمة فرق بين بكائكما. هذا ما حدّثتك نفسك به. هذا التلاشي يا صديق ليس إلا دمعة ذرفها قلبك، ثم قيل للخطوات: كوني، فكانت. والذي شق هذا الكهف.. لو ملأ قلبك الأرض دمعاً، وجرت دموعه أنهاراً من التلاشي، ما شعر به البشر. ما لم تذرف عينك الدمع، فأنت في أعرافهم: ضاحك!!! لذا لم تلمها حين قالت وهي تغلق الحقيبة:
"أنتَ عديم الشعور بهذه الحياة. لا تعرف طعم الإنسانية.. ومهما رأيتَ من فواجع، فلن تبكي. أتعرف لماذا؟ قلبك أصم وأعمى. وأنا لن أهدي قلبي لمثله" ثم مضت باتجاه باب المنزل. وأردفت:
"من فضلك. خذني إلى بيت أهلي. هذا طلبي الأخير منك. لو كان بطني يسمح لي بالقيادة لفعلت. لكني مضطرة لطلب ذلك منك. سأتركك لكل هذه المرارة التي أسكنتني فيها مذ تزوجتك".
هذه المرارة يا أيها الآفل.. هي جنّتك. عشتَ تستمد منها قوة لمجابهة هزائمك... والآن ظنّوها ناراً تكويهم. فالله معك. الله معك أيها الآفل. أوصلتها إلى بيت أبيها. قالت لك: "حين تستعيد إنسانيتك.. تجدني هنا".
ولم تجد أنت غير هذا الكهف خوفاً على إنسانيتك... إني أسمعك. هيا أفض وأسهب في حديثك.. هيا.."
لكنه يموت من كمدٍ بفعل الانتظار ولا يضيف لحديثه حرفاً جديداً. ويختلط نداء رفاته بنداء غريبٍ آخر منفيّ تآمروا عليه. يأتي صوته مع الموج ليقلق الأصنام. ها أنا أسمعه يقول:
"لا يسعني الآن البكاء. هذا الرماد هو ما تبقى منّا. نحتارُ الآن أين ندفنه والماء يحيط بنا من كل صوب. لا يابسة تبدو، والعطش يكاد يفتك بنا. لم أطلب الكثير. أريدُ شبراً لا أكثر. وأريده هناك؛ في الأرض المسماة: "وطني"... شبراً واحداً نقبرُ فيه جميعاً. في الأوطان المنسوجة من خيالات الألم يُحرق الموتى، ليتمكنوا من دفنهم في مساحة ضيقة من الوجع. فاقبروني قبل أن أقبركم".
وترتجف الأصنام وتقيم الحواجز لمنع الصوت، لكنها لا تفلح. ويظل الصوت الغريب منذراً حتى يمتزج بكل جوارحي، فأصرخ كما يصرخ.
أو لربما تماديتُ في إلغاء الذاكرة، وقلتُ معاتباً ذاك الرجل المتمرد داخلي:
"وتنوي بداية حُزنٍ جديد...
لا قدميك ترتجفان، ولا يرمشُ لك جفنان. لا قلبك يرتعش أو يهتز فيك ضمير. تبدأ بمحضِ العادة وتمضي كأيّ عابرٍ أغوى المسير. تقول للوراء:
"أيها الأمسُ: أنا لا أنظر إليك بغضبٍ، وليس يقتلني الأسى على ما أسكنتُ فيك"
ثم ترحل ولا تلتفت.
ويحك يا مهاجر... ويحك يا مكابر... أتعي ما أنت فاعل؟!
.. وتمضي غير آبه.
أناشدك بالله الوقوف.. قف..
قف..
قف"
أو ربما عدتُ طالباً يشكّلني ويضربني إذا أخطأت. وأخالني أدرس معني كلمة"
وحيد. قال المعلم يقرّب معنى الكلمة إلى ذهني:
"نخلة واحدة في أرض واسعة نخلةٌ وحيدة"
وأكبر لأرى سحابةً تسير بمفردها في سماء الرغبات فأصرخ:
"وحيدان يا سحابة....
أنتِ في هذا الشاسع الأزرق.
أنا في هذا الداخل الأسود!"
أو ربما خاطبت وجهي:
"حُزناً على ذبول العزم، أزرع شوكك لتنبت الحياة.
وكنا يا وجهي المتساقط هاربيْن من الحقيقة المُفجعة: "الميلادُ بداية الحُلم لبصيرةٍ مُغمضة العينين".
فقل يا وجه: "إلام تمضي بأقدامٍ متآكلة كُتب على خطاها الضلال؟"
ألست مني؟! وماؤك المسكوب.. ألم يودي ببعضي معه؟! ها نحن الآن وحيدين إلا من الحق. نرتب الفصول المسكونة بالبشر. ننتقي. نغربل الأفئدة. دعني أتلاش فيك يا وجه، ولتتحدّث ولترسم ولتخطط"
أو ربما عدت عاشقاً فقد محبوبته دون سابق إنذار. يكتب بكامل جنونه:
"وكنتُ أستيقظ من ليلي مختنقاً بالخطوط والدوائر والأشكال اللامفهومة. أترنّح في معمعتها. أبحث عن عينيك؛ بصري الذي يُشكّل رؤيتي للكون. ولم أزل محتقناً مذ رحلتِ، غير مُصدِّق أني أعيشُ دون عينيك! والآن، لأنَّك بعيدة هناك، سأُنفِذها؛ أصابعي المرتعشة في المعمعة. سأكون. سأسكب داخلي أولئك الذين ينسجوني. سأبحر في جرحي الذي يقطر أزمنة القحط. فلتعبثي يا أصابعي مقلّمةّ الأظافر رأفة بالعالم".
لكن أصابعي تتهشم. ويجيء نداءٌ يعبرني. يذكرني بالفجر والشرفة التي أقف عليها الآن وأنصتُ إليه:
"لا يا وحيد...
لا يا ابن الشمال والجروح المزمنة. قف هاهنا وحدّق في اتساع الريح، وفراغات الضمير. أينقصك وجع، لتستورده؟ قف يا وحيد وفكر. أرجوك فكر".
وأظل أفكر وأفكر، وأنبش ذاكرتي من جديد. أبدأ النداء بكامل وعيي:
"وتختفين يا نكهة اللُبان..
هكذا دون إنذارٍ سابقٍ بالرحيل. تسابقين الفجر ورحيل العصافير وتخلّفي طفلاً يتعثر بجراحه، عاجزاً حتى عن أوهن النداء: "أرجوك عودي". فلِمن تتركينه؟! المسافات ـ صغيرتي ـ لا تؤوي العجزة. فأرجوك عودي...".
مسقط
9/8/2003
***

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:38 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.