قصيدة التفعيلة أو القصيدة الحرة نموذجٌ متطوّر ومنبثقٌ عن القصيدة الأم / العمودية
لن نتطرق لولادتها ، أو مراحل نموّها ..، بل سنتطرق جميعاً للمشاكل التي تعاني منها هذه الابنة الشرعية من محاولات تشويه ٍ لجمال خـَـلقها وسموّ خـُلقها .
المشكلة :
ليست بعدم اقتناع جزءٍ كبير ٍ من الشعراء بها فهذه المشكلة لا يمكن أنْ تكون مشكلةً لها بقدر ما تكون مشكلة لهم ، بل المصيبة فيمن يقتنع بها ولم يدرك خطورتها ، أو لنقل شروط كتابتها ومع كل هذا يقوم بالكتابة مقتنعاً بجودة ما كتب ، والناظر بعين ٍ دقيقة ٍ لما يُطرح من نصوصٍ حرّة يمكنه أنْ يوجز الأخطاء بالتالي :
( النصّ الغنائي وعملية الخلط )
النص الغنائي كنص كُتب للأغنية يحمل من الشروط ما تُناقض أي نص ٍ كُتب بعيداً عن موسيقى الأوتار وعملية الرقص فالأول يعتمد الفكرة بألفاظ ٍ سهلة ٍ مستخدمة ٍ بكثرة كخطاب يوميّ وبلهجة الشارع المنتميّة لكل الطبقات لأنّ الهدف من الأغنية أنْ تسكن الشارع لا القصور ولذلك كُتب النصّ الغنائي بهذا الشرط اللامنتمي إلى النص الكتابي / التفعيلي .
وهذا ما يقع فيه الكثير من الشعراء وتحديداً الشعراء الغير مصنفين كشعراء أغنية
( الفكرة التقليدية والنص الحداثي )
يطلق الكثير من الشعراء على أي نصٍ حرّ / تفعيلي .. " نص حداثي " متّخذين الشكل سبباً للتسمية بينما يقف في الصف المقابل من يُطلق على أي نص ٍ عمودي " تقليدي "
وهذا فيه إجحافٌ وظلمٌ لمسمّى " حداثي " أو" تقليدي " ولإصابة الحقيقة والإنصاف يجب أنْ يُعاد النص لفكرته وألفاظه وصوره بعيداً عن قولبته وجغرفته .
فلو جاءني نصٌ عمودي كُتب بألفاظ ٍ أقرب ماتكون للفصحى معتمداً على الصور المُبتكرة والفكرة الحديثة .. هل نسميه نصاً تقليدياً ؟
والعكس يسأل أيضاً :
لو كُتب نصٌ تقليديّ الصور ، " تراثيّ اللفظ " ، مُستـَـهلكَ الفكرة ولكنّه بشكل ٍ تفعيلي
هل يشفع له هذا " الشكل " بأنْ يُطلق عليه " نصٌ حداثيّ " ؟
وللأمانة هذا ما قرأته كثيراً من نصوصٍ لو قـُدّر لها أنْ تـُكتب عمودياً لكان لها النجاح المحقّق مع رؤيتي لنصوص ٍ عمودية ٍ تـُطاول التفعيلة فكرةً ولفظاً ولكنّها قـُتلت بحدود البحر وسجن القافية .
ملاحظة :
ليس كل نصٍ تقليدي يعني عدم قدرته على النجاح ، وليس شرطاً في التفعيلة التصفيق .
( استخدام التفعيلة ، والانتقال )
يقع الكثير من الشعراء تحت خطأ التفعيلة كتابة ًوصوتاً
أ
أمّا كتابةً فيعتمد البعض على استحداث بيتٍ جديد بدون مسبّباتٍ لذلك أو الاستمرار في بيت ٍ واحد
مع وجوب الاستحداث .
و [ عدم التبرير ] هو في اكتمال المبنى والمعنى لأنّ اكتمالهما في بيتٍ واحد لا يشفعُ لك
باستحداث بيتٍ آخر .
و الاستمرار الخاطئ هو في ارتباك الوزن / التفعيلة خوفاً من كثرة الأبيات القصيرة
- قد يتهرب البعض من الاتصال لكي لا يطول البيت كثيراً ويكون لشكله الكتابيّ ما يربك أو يخيف
ولكنّ المعنى أهم من ذلك بكثير -
ب
عملية الانتقال من تفعيلة ٍ إلى أخرى عائدٌ إلى:
إمّا خطاً من قِبل الشاعر وهنا لن نناقش الخطأ لأنْ لا مبرر له إلا الجهل
وإمّا أنْ يكون هذا الانتقال بتعمد ٍ من الشاعر ويعود ذلك لأسبابٍ يراها الشاعر وقد يكون مصيباً أو لا يكون
فمثلاً :
قصيدة بُنيت على تفعيلة ( مفاعيلن ) وهي تفعيلة بطيئة ٍ طويلة يتخللها الكثير من الحزن
وعند الكتابة على هذه التفعيلة والاستمرار بالنص حضر مشهدٌ ذا حركة سريعة أو فرح أو لقاء أو كل ما يعكس الشعور الذي تمتلكه تلك التفعيلة ، وبذكاء من الشاعر انتقل إلى تفعيلة ٍ أسرع إيقاعاً وأفسح شعوراً كـ ( مستفعلن )
فهنا نجد له المبرّر للانتقال من تفعيلة ٍ إلى أخرى ، أمّا أنْ يكون الانتقال بلا مبرّر فهو الخطأ الذي يقع فيه الكثير من الشعراء ولا عذر حينئذٍ .
( اللفظ )
أ
كل شعرٍ لفظ ، و ليس كل لفظ ٍ شعر .
تختلف القصيدة العمودية بتقعيدها عن القصيدة الحرّة من ناحية اللفظ
فهناك أي في القصيدة العمودية تحّدك حدود الوزن والقافية لتجغرف نصّك بألفاظ ٍ لا تمكّنك بالتلاعب معها / بها ، بينما في القصيدة الحرّة تجد من المساحة ما يجعلك تـُراقص الألفاظ وتأخذ بيدها لفضاء ٍ أرحب .
ومن هذه الميزة التي تمتلكها القصيدة الحرّة نجد أغلب الشعراء يتعامل مع نص التفعيلة و كأنّه نصٌ عموديّ فتراه يسجن الألفاظ الحرّة بنظرة القيد العمودي ، فاللفظ في النص الحرّ يجعلك تستخدم تقاليبه بشكل ٍ يخلق منه صوراً تترى بينما في القصيدة العمودية يتغلّب جانب الصورة على اللفظ لأنّك تعلم مسبقاً جهة الوصول وكيفيّتها فيكون جلّ اهتمامك منصبٌ على إيصال الصورة بلفظٍ لا يُخلّ بالوزن ويلتزم بالقافية .
ب
بنية اللفظ موسيقياً :
يفتقد أغلب من يكتبون القصيدة الحرة إلى الاهتمام بالموسيقى الداخلية التي هي عِوضٌ عن موسيقى القافية وتنوع التفعيلة في القصيدة العمودية ، فتأتي القصيدة عبارة عن " صفّ " كلامٍ فقط دون النظر إلى الشاعرية من عدمها
ولأضرب مثلاً على عكس ذلك :
فـ بدر بن عبدالمحسن وفهد عافت والحميدي الثقفي وغيرهم قلّةٌ انتبهوا لهذه القضيّة فانسابت قصائدهم كلحنٌ معقّـد التركيب وعلى العكس تماماً عندما تقرأ للشاعر الجميل حدّ المطر
مسفر الدوسري تفتقد لهذه الميزة لانشغالك بجمال النصّ عن موسقته، لهذا تفتقد قصائد الشاعر مسفر الدوسري للجرس الموسيقي الداخلي للألفاظ بينما تطغى عند فهد عملية التناغم الموسيقي بين الألفاظ
وهذا الفقد يجعل من القصيدة الحرّة سهلة الكتابة للحدّ الذي يسميها بعضهم " خاطرة " .
:
*
أ / قايد الحربي