تحية طيبة ، وبعد :
حقيقة الأمر أجد نفسي في هذه المادة رغمًا عني لأنها تعني لي الكثير ، فالنقد الأدبي يعتبر بابًا رئيسيًا في الأدب حيث أنّه وضع للبناء السليم للمعاني والمدلولات الأدبية الراقية ، ونظرًا لتنحية عن جادة الصواب كثيرًا فلقد نظر إليه كوحش كاسر يلتهم المواهب والملكات الكتابية والشعرية ، وهذا يعود إلى قصر النظر أبلغ مما هو بعد نظر .
لما وضع الأدب ، ولما كان الاهتمام بهِ بالغًا لهذا الحد ؟
هذا هو السؤال وتلك هي الإجابات التي أجبرت الأدباء على الاهتمام به ذلك الاهتمام !
لقد أُسس على أساس سوي ، ينتشل النصوص من قعر الخوض في مالا فائدة فيه إلى ما نراه حكمة ورشدًا ، يتوالد على مر السنين ويتوارثه جيل بعد جيل ، وهنا يتجلى معانقًا الأفئدة والأدمغة ، يجعلها تدور في دهاليز وأسرار شتى ، حتى يصل إلى مبتغاه الأساسي لماهية الفكرة المرادة إيصالها في نهاية المطاف ، وهنا يكمن السر في كون الناقد ناقدًا بكل شفافية ومصداقية .
بعيدًا كل البعد عن ما قيل في النقد الأدبي من شروحات وتفسيرات تجعل القارئ منا يتوه في دجى الحيرة كثيرًا ! ويتساءل هل نحن على صواب حينما نشير إلى خطأ إملائي أو خطأ نحوي يا ترى ؟ أم نحن على صواب حينما نشير إلى مدلول شرعي أو عقائدي قد يوقع المؤلف في الزندقة المحتومة ؟
النقد الأدبي من وجهة نظري الشخصية وضع كي يجعل للحياة مرتعًا في الجنة مناسبًا لها ، وجد كي يجعل النص في قالب شاعري مليء بالحيوية والجمال ، وجد لكي يكمل النواقص ويبعد الشوائب بكل دقة وتفصيل ، يعمل على ذلك بكل رفق بالمادة المتهالكة ، كطبيب يجري عملية جراحية خطيرة تحتاج إلى نفس طويل وعلم عميق كي لا يخطئ خطأً فادحًا يصيب فيه المريض بإصابة بالغة تكلفه الكثير من حياته .
يجب أن يراعى في النقد الأدبي عدة أمور منها :
1- شخصية الناشر من حيث عمره الأدبي ، ومن حيث نفسيته وتقبله للعلاج النقدي .
2- الإلمام التام بالأساسيات الهامّة لبناء أي نص أدبي .
3- العمر الأدبي له علاقة وطيدة بالناقد ، فكلما زاد عمره الأدبي زاد اهتمام الناس برأيه وقوله ، وحبذا لو بدأ مشواره كناقد بعد خمس من السنين الكادحة علمًا وتعلمًا بكل جدية ومصداقية وأمانة .
4- التنحي كثيرًا عن الصرامة في نقده لأي مادة مطروحة والبحث عن تلك السبل والوسائل السهلة الوقع على النفس والتي بدورها تفتح بابًا إلى قلب وعقل المؤلف .
5- لا تقم أبدًا بذكر العيوب علنًا أمام جماهير المتابعين حتى لا تشعر المؤلف بأي حرج يذكر ومحاولة التقرب أولًا إلى شخصية الكاتب بكل حب وصداقة حتى تستطيع توضيع تلك الشكليات التي تحيط به .
6- متابعة كتابات الكاتب بعناية والتعمق فيها قراءة ودراسة كي تعلم رسالة الكاتب الرئيسية والتي يحوم حولها في جميع نصوصه المنشورة ومن ثم إبداء الرأي العام في نصّهِ الجديد .
7- الابتداء بذكر العمق الفكري الذي يطرحه الكاتب وامتداحه قليلًا حتى يرفع من حاجب الثقة لديه ومن ثم توضيح النقاط التي تنقصه حتى تتذبذب لديه درجات المقاومة النفسية في مراحلها الإيجابية وألا تهبط إلى المراحل السلبية فيسقط في يديه عجزه وبعده عن تلك الملكة التي يرى نفسه فيها .
هذه بعض النقاط التي أراها من وجهة نظري تناسب أي ناقد كان ، والنقطة الأخيرة التي بودي أن أشير إليها هي النظرة لأي نص مطروح بأن تكون في بادئ الأمر مركزة على كتلة النص ككل ما فيه وإلى ما يشير إليه والنظر إلى تلك الخانة التي يشير إليها والتمعن فيها جيّدًا حتى تصل إلى درجة الابتسام والإعجاب ومن بعدها انطلق ناقدًا لتجد نفسك متسلسل الأحداث في رأيك وقد تخلله عبارات منمقة فيها من الإيحاء المبهج العجيب ، وكم أرى ذلك في تعليق أحدهم حينما يشعر بسعادة غامرة من نقد راقي وواعي .
أحيانًا يثري الإطراء والثناء كثيرًا ، وأحيانًا أخرى يثري التأنيب والتوجيه كثيرًا ، وهذا يعود إلى شخصية الناشر ومدى تقبله .
ختامًا نسأل الله أن يلهم الجميع بعد النظر والتعمق بجدية في النصوص وترجمتها ترجمات عدة ومن ثم اختيار الترجمة ذات الشفافية والمفيدة جدًا حتى يسترسل الناقد بإثراء الساحة الأدبية .
ودمتم بنعمة ورخاء .
أخوكم / علي مجدوع آل علي
في 3 / 1 / 1434 هـ