دموع شاعر ثلاث
بسم الله الرحمن الرحيم
من زمن امرؤ القيس وحتى تاريخه , من تلكم الأيام وقوافل الشعر تنهب دروب ومفازات جزيرة العرب معنى ومغنى , في دروب القوافل سقط الكثير وبقيت ثلّة شيدوا بفكرهم معالم وشواهد على طريق الشعر .
في مساء مديني فوّاح برائحة النخيل وأرج الورود كان الواقفون على مرافيء الشعر على موعد مع أحد الشوادن التي ترنمت بالشعر في ليل غارت أنجمه واشتد سواده , بدوي ينفث الشعر سحراً يتشكل في دواخلنا دهشة , يمسك بأزميل الشعر وينحت في الحنايا نُصب الإعجاب .. ذلكم هو الشاعر الكبير محمد جبر الحربي
محمد جبر الحربي الذي جاء بِخيل شعره إلى ساحة النادي الأدبي بالمدينة المنورة لترسم السنابك في دروب الذاكرة أثراً يتساوق جماله مع ذاك الذي طرزته أنفاس الشعراء الراحلين على صفحات ليالي العرب المجيدة .
جاء الحربي متأبطاً حزن قصائده , الحزن الذي ينثر دمعه حبراً على الورق , حزن بلا دموع وآهة مكبوتة تزفر في جوف ليل داخل غرفة موشحة جدرانها بالألم ومزركشة بأصابع التعب .. وقبل مجيئه ..عينان تتفرسان في وجه شعر الحربي ..أولاهما معايير الجودة وقد أدلى النقاد بدلاهم فيها فكان المُخرج ماءً زلالا , والثانية هي الذائقة العربية وقد تربع شاعرنا الحربي على تضاريسها وأوغل حتى مكامن الشجن فيها ..
كلاً يغني على ليلاه وليلى الشاعر الكبير هي العراق الذي أنشب العدا خناجرهم في خاصرته . أولئك الذين اغتالوه وقطعوا أوصاله باسم الحرية ..لم يعد في القلب متسع لأحاديث الغواني فقلب شاعرنا الكبير ينبض بهم العروبة ويخفق مع توارد أخبار الكر والفر في عراقنا السليب , حملنا الشاعر معه على أجنحة الشعر وتوقفنا عند قصائد ثلاث .
المعلقة العراقية
ضمت القصيدة حشداً من الأسماء العربية نزفها شاعرنا دماً وشعراً من شرايينه , أسماء عربية صنعت عقلاً وحرفا , ضمدت جرحا , قادت جيشا , كتبت تاريخا , كأنما شاعرنا يجسد بكلماته فداحة الظلم الذي نال بلداً ضم إلى جوار الماء والنخيل هذه الأسماء التي نقشت حروفها في سجلات الخالدين .. المقتول عِلم وشعر , معالم وحضارة , نهر ونخل ..جريمة وأي جريمة تلك التي يُقتل فيها ومع سبق الإصرار والترصد شعب كل ما تحت خطاه ينبض تاريخاً عبقاً لأمة حملت مشعل النور والإنسانية لتضيء به ليل الأرض ..
ومن القاتل ..صليب حاقد وحليف منافق وشعوبي موتور
زمان العرب
في هذه الأحرف يُشعل الشاعر شمعة في ظلام اليأس تنير لأولئك الذين ركنوا للهزيمة دروب الأمل والسؤدد , لن تخمد نار العزة والكرامة في القلوب التي ران عليها غبار النسيان وسد مذاهب الطريق في ذاكرة مازالت تختزن في تلافيفها صوراً لغزاة سادوا حين تخاذل ثم بادوا .. جاء التتار وعاثوا في العراق قتلاً وتشريداً ثم غدوا أثراً بعد عين .. وبقي العرب .
جاء الانجليز ثم رحلوا بالسيف الذي لم يعد إلى غمده إلا بعد رحيل آخر اللصوص .. وبقي العرب .
وقبل هؤلاء وأولئك كانت القادسية التي استأصلت شأفة الفرس واجتثت وجودهم في العراق من جذوره .. وبقي العرب .
هذا زمان العرب وخير مصداق لهذا هو الأنباء التي ترد عن الأبطال الذين وضعوا الغزاة في دائرة رعب لا يُعرف طرفاها .
الفارس المطعون بحراب الأهل
فارس عربي طعنته حراب أهله , وأي إيلام أشد من طعنة ذوي القربى , فارس أشرع عينيه للأفق ولم يطأطيء رأسه وينظر للأسفل حيث الأقزام تحيك في دجى الغدر أنسجة الخيانة , فارس لم تطرحه الطعنة أرضاً لينزف حتى الموت بل ظل في شموخه كالأشجار العظيمة لا تموت إلا وهي واقفة ترنوا إلى السماء .
شاعرنا الأكبر / محمد بن جبر الحربي
ناديت يا سيدي بالرغم من صخب الغوغاء الذين أحاطوا بالأذن العربية , ناديت وكأنك تنادي من أودية سحيقة بيد أنك أجبرت الجميع على سماع صوتك ..
يوماً ما يا سيدي سيذكر التاريخ هذه الحقبة وسيغمر طوفان النسيان كل المتخاذلين والإنهزاميين وستبقى القمم الشامخة فقط في معتصم من الماء
.
ابن المدينة / يوسف الحربي .
.
محمدجبر الحربي
سيرة ذاتية
شاعر سعودي له إسهامات كثيرة في نهضة الشعر الحديث في المملكة العربية والسعودية ويعتبر من النخبة المثقفة فكريا وأدبياً وحضارياً كشاعر وكاتب واعلامي , كما يعتبر من أوائل الذين رفدوا حركة الشعر الحديث في المملكة العربية السعودية.
ولد في الطائف سنة 1956م
شارك في العديد من الفعاليات الثقافية المحلية والعربية، في كل من السعودية، الأردن , مصر ,العراق اليمن , تونس ,دول الخليج العربي .. ا وغيرها.
عمل في الصحف المحلية مثل الجزيرة، واليوم، ثم عين رئيساً للقسم الثقافي والفني في مجلة اليمامة الأسبوعية بين 1983- 1988، مستشارا للتحرير في الجزيرة 96 -98 . لا يزال يعمل في القطاع الإعلامي، تنشر أعماله محلياً وعربياً في الصحف والمجلات ا والمواقع الثقافية.
يكتب مقالاً أسبوعياً بعنوان (أعراف) في جريدة الجزيرة السعودية، يعكف حاليا على كتابة (رسائل إلى أمريكا) لتكون أول رسائل تدون من قبل شاعر وكاتب سعودي موجهة في كتاب للشعب الأمريكي متخطية جسر العبور إلى العالم الغربي مترجمة باللغة الإنجليزية.
من أعماله ثلاثة دواوين شعرية، وهي (بين الصمت والجنون) 1983، ديوان (ما لم تقله الحرب)1985، وديوان (خديجة) الطبعة الأولى 1997، الطبعة الثانية 2004.