كتبتُها _ الرسالة الأخيرة التي ستقرأها..
و التي أعلم جيداً أنك ستعيد قرائتها أكثر من مرة .. و التي تستبطئ فيها الحروف كي لا تنتهي ..
كتبتُها _ هي الرسالة الوحيدة حزينة بين رسائلنا..
كتبتُها _ لتقرأها ... لتنساها ... لتودعني ... لتذكرني ... لأودعك ... لأذكر أني نسيتكً حين أبحثُ عنك ..!
لأنه البوح الذي يموت بعده اللقاء.!
البوح الذي تنتهي عنده كل الأشياء.!
البوح الذي لم أسمح به يوماً أن يكون إلا و نحن هنا نلتقي عند آخر وصل بيننا .!
.....
أتذكر _ أول لقاء بيننا كيف كنّا؟
و كيف اللهفة و الدهشة ..!
حسناً _.. اذكرها جيداً ثمّ __ انساها .. !!
فكل أول سيصبح ذكرى _ و يمضي __..
أتذكر _ لقائنا تحت المطر ؟
حين ابتلّت كل أحاديثنا و ضحكاتنا و أحلامنا و آمالنا ..
كان الشتاء يذوب في أشواقنا .. في دفء حواسّنا ..
و خِلنا تلك الأكواخ موعدنا كل موسم..!
لا عليك _ انساها .. فلقد مرّت من عندها أعاصير لم تبقي و لم تذر.
و سيسقط المطر على ذكرياتنا هناك .. _ و تمضي _
أتذكر جنون ليلة قمراء كيف كان فيها السهر؟
أخفينا العالم .. و ما أخافنا ليل .. و لا فجر أربكنا..
أسرفنا اللقاء .. و أوقفنا الوقت .. و ما سألنا ..
لا عليك _ انساها ... فلقد أشرقت الشمس هناك واحترقت الأنجم و حكاياتنا تلك _ ستمضي _
...
مدهشٌ كنتَ حين تأتي .. تشبه حبات المطر .. تتناثر في كل مكان حتى أني أتناثر معها .. تحملُ قلبك لأحبك و أطوف حوله سبعاً و تسعاً و عشرا .. تجمع الغياب في لقاء فاتن .. يشبه فجر الأعياد .. يشبه التحرر من قيود العقل .. تحمل النعيم حين تُقبل .. لا تنسى شيئاً .. تئد عقارب الساعة .. يغرق فيكَ الزمن .. و أُسقيه نبيذ السهر .. كي لا يفيق ..
جميلةٌ بكَ أبدو .. كخجل السماء من قُبلة الشفق ..
ثمّ _ تسألني ..
أكان الحب _ سكْرة جنون ؟! أمْ _ سكْرة عقل ؟!
و أحدثُك _ أن الحب انتشاء الجنون و العقل.!
و نسافر فوق الغيم نطير بلا حدود ..
و لكن ___.. كنتُ أخاف كثيراً من السقوط..!!
و عند اللقاء الأخير ..
حين خرجنا منه بلا موعد .. بلا اشتياق..!
حدثّتُ نفسي كثيراً _ ألّا تلتفتْ .. و أن تمضي بلا أسف.
ففي كل لقاءات البشر ، لا بُدّ من يوم مختلف .. و ينسى اللقاء الأمد .. و يخون الوعد .. و تلك الأيام الفارغة ..__ ستمضي ..__
الحب .. _ جهاد للبقاء .. و ليس غِناءٌ عند اللقاء ..!
الحب .. _ انسجام اختلافاتنا .. و ليس تشابه ذواتنا.
...
استيقظتُ كعادتي بدونك .. و بك كُلك فيني ..!
يوقظني زخم حضورك .. لأُرتّب فراغي منك ..!
مازلتَ تمتلك كل أوقاتي .. و ما زلتُ أُحْكِم أَقفالي على قلبي كي لا أصلك.!
فأنت ذو فراسة عالية جداً .. قد تقتفي أثر قلبي و تجدني اتبعك.
فانا أحاول ألّا أسير خلفك .. و لا أمامك .. و أحاول ألا أتبعك .. و لا أسبقك .. أُلجم أشواقي .. أشوه تفاصيلك عند أسئلتي.
و أعود لأُحْكِم أَقفال قلبي كي لا يتبعك..
أتعلم لماذا ..؟؟!!
لأني أود أن أجد نفسي حين لا أجدك .. .. أود العودة إليها أحاكيها .. ألتقيها حين افتقدك ... لا أود أن أبحث عنك و أفقد نفسي معك ... !! أخاف أن أتوه فلا أجدني .. فضياع النفس متاهة و تخبط لا يُطاق.
ربّما هذا هو الأجدر لقلبي .. أو _ لأي قلب __ وقع .. إلى أن ينسى
أتقنتُ كثيراً تلك المسافات التي بيننا.
أتقنتُ بجدارة كيف ابتعد و كيف اقترب.
لا عليك .. تلك الأسوار العالية التي بيننا لم أعد حتى أثقبها لأختلس النظر إليك .. بل أصبحتُ أحتمي بها منك حتى لا يقع قلبي أكثر مما وقع .
أجدتُ البقاء على الحدود من أجل قلبي.
أتقنتُ التعقل حد الجنون ..!
أتقنتُ الوجع حد الهدوء ..!
لك كم تتخيل ذاك التعب .. و تلك المواجع..!
ربّما... أنا قوية جداً .. أو ربما غبية جداً .. أو ربما لستُ شيئاً..!!
فتلك المشاعر المبعثرة ، و المتثاثرة ، و العصية ، و الثائرة ، و المتمردة لا أطلق سراحها إليك أبداً .. إلى أن تذبل في قلبي _ و إياها أن تشتاق..!!
كم يبدو هذا متعب حد النهايات ..
فأنا أحكمها بتلك القوة المتهالكة ..
يفتكُ بي تمردها كثيراً .. فقيرٌ سلطاني متكبر.!
تدميني .. تكاد تثنيني تلك الأقفال كلما شددتُ عليها .
....
سأخبرك شيئاً ..
أنت من علمني تلك القوة .. تلك القسوة على نفسي.
و ربّما لك فضل علي في ذلك .. و الأكيد هي جناية علينا.
أنتَ تُحبني .. و تجاوزتَ بحبي كل المسافات _ أعلم ذلك _ و لكن بطريقة لا تناسب قلبي أبداً .. و لا تتفق مع عقلي .. و ليس لها طريق إلي أبداً..
أنتَ تضع لكل شيئاً موعدا .. و أنا أتجادل مع عشوائيتي فيك.
نختلف كثيراً كيف نحب .. و نتفق أكثر عند قلوبنا..!!
لا أحبُ أنصاف الأشياء .. لا أجيدُ ترميم القلوب.
لا أحبُ أن أسمع إلّا نبضاتي في قلبك .. و ما سواها يُفسد الهواء الذي أتنفسه.
كنتُ لا أجدكَ دائما حين افتقدك.!
لذا _ أحببتُ نفسي أولاً .. _ ثم تركتك..!
فلقد تغيرنا كثيراً ... و اختلفنا أكثر .. و كبرنا على أحلامنا تلك.
ربّما أنت باق كما أنت .. و لكن _ بطريقة صعبة جداً و متعبة إلى حد الإنهاك .. لا أستطيعها ..
نعم _ أحبك ..!!
و في الحقيقة ___ أني انتهيتُ منك إلى حد الهذيان بك في كل حكاياتي ..!
كما أعلم جيداً _ أنك ما زلتَ تحبني حد الغرق .
....
إقرأ رسالتي هذه ..
و احفظها أو مزقها أو أنساها أو تذكّرني بها .. أو انساني منها .. تعلّم .. أو عد جاهلاً بي عندها.
هي ماتبقى منك عندي .. أو ربّما ما تبقى منّا سوياً .. أعطيتك إياه عن حب و رضا دون إلجام لأي حرف فيها .. أو لأي شعور تبقى فيني.
أخرجتُك مني فيها ..
و أخبرتُك ..
كيف كنتْ ! و كيف مازلتْ ! و كيف أصبحتْ ! و أني لم أعد أنا.
و لم يعد يُعنيني إلّا أن تقرأ هذه الرسالة .. و ها أنت تقرأها .. و ربّما هذه المرة العاشرة تعيد قرائتها ..
أما أنا ....
أصبحتُ أمرأة أخرى .. أقوى و أجمل .. مختلفة عني تماماً .. أحببتُها كثيراً .. أستطيع أن أثق بها لأمضي الحياة .. فهي مليئة بزخم من النهايات الموجعة التي لم تعد تخاف بعدها أي انكسار و لا انهيار و لا بداية و لا نهاية.
قوية حد الألم .. متألمة حد الصمود ..
لامعة حد الإحراق .. رقيقة حد السيوف.
تسَوَّلتْ قلبها حد التعفف ..!
و انتهتْ .. لتبدأ .!
....
_ ثمّ أخيراً ____....
أعلمُ أنكَ _ ستشتاق إلي كثيراً ..
فلن أتركك بلا عنوان ..
فإن اشتقتَ إلي يوماً _ ما ..
ستجدني هنا فقط ..
.. عند هذه الرسالة .!
...
...