مفهوم التناص في الأدب واللغة
التّناص هو كتابة نصٍّ على نص، جملة على أخرى، بيت شعر على بيت آخر، أو بيت شعرٍ على حديث نبوي أو آية قرآنية ، أو جملة نثريّة على كلام مأثور.
وهناك من صـّور"التناص" بأنه لوحة فسيفسائية او قطعة موزائيك من زخارف. والتناص هو مصطلح انتشر في الأدب الغربي في أواخر الستينيات من القرن الماضي ووظف كآلية نقدية في معالجة النصوص الأدبية، وأول من تكلم عنه الناقدة البلغارية "جوليا كرستيفا" تأثرا بالكاتب الكبير ميخائيل باختين بأنه التفاعل النصي في نص بعينه أو بتعبير أخر "نص أمتصاص أو تشرب لنص أخر أو تحول إليه ". وهناك تعاريف اخرى للتناص تعددت بتعدد المناهج والمفاهيم، لا داعي للخوض فيها نظراً لتشعبها.
والتناص هو من المصطلحات الحديثة التي دخلت على الأدب العربي .إلا أن له جذوراً في تراثنا العربي .و مع أن كلمة التناص لم تكن معروفة عند النقاد العرب، بمفهومها الحديث. فقد تكلم عنها فقيه اللغة العربية عبدالقاهر الجرجاني بأنها الانتحال والنسخ والسرقة في النصوص الأدبية شعراً كان أونثراً.
والتناص يعرف باللغة الإنجليزية intertextuality "" بأنه نص داخل آخر. أو بما يعرف في النقد بالتشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص. أو بين وجود مشاركة بين نصين أو أكثر.
وهناك ما يعرّف التناص " بالتناص العام " وهو ما أشار إليه بعض النقاد بأنه علاقة نص الكاتب بنصوص غيره من الكتاب . و" بالتناص الخاص" وهوعلاقة نصوص الكاتب بعضها ببعض. وموضوع التناص عاماً كان أو خاصاً ليس جديداً في الدراسات النقدية الحديثة ، حيث أن جذوره تعود في الدراسات الشرقية والغربية إلى تسميات ومصطلحات أخرى منها التضمبن والاستشهاد والقرينة والتشبية والمجاز والا نتحال والسرقة والنسخ،
ومن التناص ما يسمى "الاقتباس"
وينقسم إلى نوعين :
أحدهما : ما لم ينقل فيه المقتبَس عن معناه الأصلي , ومنه قول الشاعر :
قد كان ما خفت أن يكونا
إنا إلى الله راجعونا
وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير لما جاء في سورة البقرة، الأية 156{ وإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
ومن كبار الشعراء من يقتبس صدراً أو عجزاً من شعر الآخرين. كقول البياتي في قصيدته "شىء من الف ليلة "
رأيت خائنَ المسيح في بلاط الملك السعيد
منجماً ومخبراً وكاتباً
رأيته هراً بلا نيوب
يحكي انتفاخاً صولة الأسد.
أخذه من قول ابن خفاجة الأندلسي :
ألقابُ مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
ومن قول ابن الرومي :
لئن أخطأت في مدحك
ما أخطأت في منعي
قد أنزلت حاجاتي
بواد غير ذي زرع ِ
فقوله بواد غير ذي زرع فيه اقتباس من القرآن الكريم من سورة إبراهيم:37
وهي بمعنى مكة المكرمة, إذ لا ماء فيها ولا نبات , فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي.
أو قول البهاء زهير :
تعيش أنت وتبقى
أنا الذى متُ حقا
حاشاك يا نور عيني
تلقى الذي أنا القى
قد كان ما كان مني
والله خيرٌ وأبقى
أخذ كلمة " والله خير وأبقى" من الآية الكريمة من سورة طه الآية 73
قال امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
تقول فدوى طوقان في قصيدة " لن أبكي " :
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدور
بين الردم والشوك ِ
وقفت وقلت للعينين : يا عينين
قفا نبك.
وكذلك الاقتباس فى النثر وهو من الأمور المستحبة لإثراء العبارات وتوكيد وتوثيق المضمون من الكلام، وقد وقع فى كلام سيد المرسلين رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ومن ذلك فى رسائله صلى الله عليه وآله وسلم إلى كسرى الفرس وهرقل الروم وغيرهما ، ففى رسالته إلى كسرى :
" بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة " لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين"
وهو اقتباس من قوله تعالى :
" لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ " يس:70
وفى رسالته إلى هرقل الروم جاء فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم
سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الأريسين. ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا ً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
وهو اقتباس من قوله تعالى :
" قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ آل عمران64."
وقد كان جيرارجينت سبّـاقاً في تصنيف التناص إلى انواع معينة وصل عددها إلى خمسة أنواع رئيسية وهذه الأنواع هي:
- التناص: وهو يحمل نفس المعنى الذي يرمي إليه التناص عند جوليا كريستفا أما عند جيرارجينت فهو حضور نص في آخر للإستشهاد وما شابه ذلك.
- المناص: وهو أنسب مثال عليه العناوين الرئيسية والعناوين الفرعية والمقدمات وكلمات الناشر والذيول والصور.
- الميتناص : وهو علاقة التعليق الذي يربط نصا بآخر يتحدث عنه دون أن يذكره أحيانا .
- النص اللاحق : ويكمن في العلاقة التي تجمع النص كنص لاحق بالنص كنص سابق وهو علاقة تحويل أو محاكاة.
- معمارية النص : هو النمط الأكثر تجريدا وتضمينا، إنه علاقة صماء تأخذ بعداً مناصياً.
وهذه الأنواع الخمسة كما هو واضح شديدة الترابط فيما بينها حيث لاتخرج عن الإطار الذي رسمت من أجله التسمية وهو وجود علاقة ما بين النصوص .
كما التقى حول هذا المصطلح عدد كبيرمن النقاد الغربيين وتوالت الدراسات حول التناص وتوسع الباحثون في تناول هذا المفهوم وكلها لا تخرج عن هذا الأصل ، وقد أضاف الناقد الفرنسي جيرار جينيت لذلك أن حدد أصنافاً أخرى للتناص وهي :
- الاستشهاد وهو الشكل الصريح للتناص
- السرقة.
- النص الموازي : علاقة النص بالعنوان والمقدمة والتقديم والتمهيد.
- الوصف النصي : العلاقة التي تربط بين النص والنص .
- النصية الواسعة : علاقة الاشتقاق بين النص الأصلي القديم والنص السابق عليه .
- النصية الجامعة : العلاقة البكماء بالأجناس النصية التي يفصح عنها التنصيص الموازي.
وبعد ذلك تطوّر مفهوم التناص وأول ما انتشر في الأدب الغربي وأصبح بمثابة ظاهرة نقدية جديدة وجديرة بالدراسة والاهتمام ، ولاحقاً انتقل هذا الاهتمام بتقنية التناص إلى الأدب العربي مع جملة ما انتقل إلينا من ظواهر أدبية ونقدية غربية ضمن الاحتكاك الثقافي .وهناك بعض النقاد من أعطاء التناص مفاهيم ومعاني أخرى لاسبيل لشرحها في هذه العجالة.