ما الذي سأكتبه هذه المرة ؟ عمّن أو ماذا سـأتحدث ؟
حياتي لم تتغير .. ومشاعري نحوه لم تتضاءل بعد .
انزويت هذه المرة وبكيت بدون سبب محدد فـ أقداري المحسومة كافية أن تبكيني أمدًا طويلا !
تذكرت طفولتي .. وقد عشت سنتين حبيسة غرفة كئيبة بلا تهوية ,
والآن أعيش باقي سنيني حبيسة لسان والدتي العزيزة .. التي دومًا ما تكسرني وتذكرني بخطيئتي البريئة !!
***
لدى كل منّا قصة تحتاج أن تُـروى !
مهما تشابهت قصصنا مع الآخرين فإن شخصيات أبطالها
تضفي نكهة مختلفة للقصة .. وربما كانت سببًا لتغيّر الأحداث .
في حياتي لم يصطفيني الله .. لكنه منحني الكثير.
وهبني إخوة أتكلم معهم بحرية .. أثرثر ولا أصمت , فـ معهم أُمنح الحب والأمان .
أشعر بإنسانيتي وقت قربهم مني .. لكن الأقدار دومًا لها وقفاتها واعتراضاتها فقد كانت كفيلة بإبعادهم عني آلاف الأميال !
الله منحني أيضًا في حياتي الحالية طفلين جميلين , تشرق الدنيا بأطيافها عندما تثقب ضحكاتهما الحواجز الإسمنتية والنفسية .
جمال الكون كله أراه يكمن في تعابير وجهيهما البريئة وابتسامتهما التي تُـظهر أسنان بيضاء غير مُتراصة ..
هما من أجمل عطايا الله لي .
***
لا أنسى سبب احتجازي في تلك الغرفة وأنا بعمر الـ 12 عامًا
لازلت أذكر نظرات والدي التي كادت أن تخرق جسدي وهو يمسك السوط ويسألني : لماذا فعلتِ هكذا ؟
جاوبته ببراءة يظنها حماقة : هو قال صفحاتنا بيضاء والملائكة لا تكتب ذنوبنا !
انهال علينا ضربًا إظهارًا لرجولته حتى يُثبت لأمي الغائبة لحظتها بأنه يُحسن التربية .
منعني والدي من الأكل معهم وأمرني بعدم مغادرة أسوء غرف المنزل ..
وأصبح الطعام يُرسل لي مع أختي التي أظنها ندمت كثيرًا على إخبار أبي بفعلنا !
قاطعني الجميع لمدة تزيد عن أسبوع .. بعدها تجرأت وحملت أقدامي الصغيرة وذهبت لوالدي أُقبل رأسه وأطلب منه السماح
فكان رده قاتلاً : الله لا يسامحك !!
رمى سهم دعوته تلك التي اخترقت فؤادي الصغير .. ثم التف ببصره لـناحية أخرى تعني , عودي إلى الغرفة ولا تخرجي مرة أخرى !
والله لم أكن أستحق كل هذا منكم ..
لم يسألني أحد لِمَ فعلت ذلك ؟
ومن علمني فعله ؟
لم يحتويني سوى أختي نفسها التي أيقظت أبي لتخبره عن فعلتي !
لكن بعد ماذا يا أختاه ؟! بعدما أصبحت أقرأ في نظرات أبي وأمي .. بأنني عاهرة صغيرة !
بعد عودة أمي من سفرها وعلمها بالموضوع كان عقابها لي أشد من عقاب أبي ..
مارست معي العقاب النفسي المؤلم .. فـتارة تنصحني وأخرى تبحلق عينيها فتكاد تبتلعني !
***
تعرضت في فترة حساسة من عمري لـعنف نفسي لا أستطيع نسيانه أو تجاوزه رغم اختلاف ظروفي الحياتية الحالية .
لا أحب كلام الأشخاص عن الإيجابية فأنا أظنهم أكثر الناس سلبية !!
أنا هنا أعبر .. وأكتب ما لم ولن أحكيه لأحد من قبل .
أريد أن أحكي لك عن تفاصيل حياتي .. وأبوح لك بـأسراري المكشوفة !
ماذا أكتب لك في رسالة الأربعاء القادمة ؟!
هل أجعل إنزوائي ضحكًا .. أم عتب
أم أشرح كيف بدأت علاقتنا السرابية .. وكيف تلاشت !
ربما سأكتب عن عهدنا المبتذل وكيف كان قلبي هائمًا بذاك العهد !
هل حبي لك كما قالت أختي هو فراغ عاطفي !
لو كان فراغًا لملأته بغيرك .. وتجاوزت مرحلة حب طاهر بُني على باطل !
***
في قمة شعوري باليأس لا أتمنى أن أصبح طيرًا , فربما ساقتني الأقدار
لأكون من ضمن الطيور المعتقلة عند أمـي التي حرمتها من ممارسة الطيران وقد خُـلقت من أجله !
هناك أناس لا يكتفون بحبس من هم تحت وصايتهم وإن وفروا لهم أساسيات الحياة ومنّـوا أيضًا عليهم
بالأكل والمأوى ! فـكبت الآراء وإهانة شخص بغلطة اقترفها سابقًا ووضعها مطب أمامه كلما حاول التقدم
لهو أشد إيلامًا من شعور الطيور في أقفاصها !.