السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
مركزيةالقرار
أوتسلط المدير بالرأي، واتخاذه من غير الرجوع إلى الــآخرين من هم تحت
سلطته، والاحتفاظ بالسلطة جميعها تحت يده ؛ فلا يسمح لهم بالتصرف إلا بناءٌ
على تعليماته
وبعد مشورته وموافقته، بحيث لا يترك مجالا لرأي معارض أوفكر محايد .. .
ومن هنا ، ومن واقع تجربتي العملية .. أردت أن أبحث معكم في معنى " مركزية القرار "،
وما ينجم عنها من مشكلات، وظواهر سلبية من شأنها الإسهام في التقهقر بالمؤسسة الإدارية إلى الفشل الذريع،
والهبوط الأكيد.
معنى المركزية :
لغةٌ : جاءت من ركز الشئ أي ثبتهُ في مكان معين .. ومن هُنا أتت بمعنى التوحد، والتفرد في
القرارات ا لإدارية ، وتركزها في شخص واحد لا ترى النور إلا من خلاله استبداداً، وتحيزاً.
وفي الاصطلاح : ركز فلان على رأيه . يعني انفرد به والتركيز الإنفراد، والاستقلال بالرأي من غير مشورة، وهو معنى يرادف
المعنى ذاته للتسلط والاستبداد، وفرض الرأي بالقوة .
والمركزية في عمومها تهدف إلى تكميم الأفواه ، وسدالحناجر ، وقطع الألسن ؛ فلا نطق إلا كما يريد،
ووفق ما يحب، وفي نطاق مايحدد
ولنا أن نتساءل عن مركزية القرار أو ما يسميها البعض " ديكتاتورية " الإدارة. .هل هي مرض؟
وإن كانت كذلك فما أسبابها ؟ وما هو الحل -ولو على المدى البعيد - للقضاء عليها ؟.
من هنا أحاول جاهدة أن ابين في هذا بذكر الأمثلة ،والمظاهر، والأسباب، وطرق علاجها ما أمكن .!
هي عاهة شرسة - بلا شك - تتخللها مجموعة أمراض نفسيه وفيسلوجية.
وهنا سأذكرالأسباب التي سأوجزها بقدرمعاناتي من هذه المشكلة ومن واقع تجربتي العملية.
_ : الأنانية ، وحُب التملك، والغيرة الجنونية ، التي تدفع الإنسان إلى الحجر على أفكار الغير
وما في خواطرهم . بل قد تتعداها إلى عد أنفاسهم ووزفراتهم عليهم .
- : الغرور، وحُب العظمة الذي يصل بالإنسان إلى الإعجاب بنفسه، وبقوته وكياسته، وتفطنه للأمور مع تجاهل آراء الناس المخالفة لرأيه .
-: استصحاب هذاالمغرور بطانةٌ منافقة تكيل لهُا لمديح، وتبقيه مخدراً يغيب عن بعض الحقائق بعد أن لوّن فكره وعقله بما يناسبهم .
-: وهذه النقطة كثيرة ومنها ما سبق.. ونلخصها في "خلل وضعف الشخصية"
من تذبذب وعدم الثقه بالنفس والخوف من الفشل ...!
هذه بعض الأسباب التي حضرتني ، وقديكون هناك ماغاب عني والتي هي في الحقيقة نتاج كلي لعوامل ذاتيه، وأسريه وبيئية متداخلة، ومتراكمة، منذ الأزل ..
فهي بالتأكيد ليست حصيلة يوم وليلة .. ولكن حصاد سنوات مضت كان لها الأثر في تكوين شخصية هذا المتمركز .
آثارها على المجتمع وأثرها في انتشار الفساد الإداري :
قد لا نموت في ظلها، ولكن نحيا بإنسانية منقوصة، وشخصية مشوهة مهزوزة , وأخلاق مرذولة وبلادة ممقوتة .
تتوقف عطاءات الإنسان بشكل مطللق ويدخل العقل بغيبوبة من جراء نوبات الإحباط المتتالية .
فيتعطل نمو المجتمعات وتمتدآثارها إلى مجموعة أجيال قادمة ، ويتحول المجتمع إلى مجموعات
متواكلة , منافقة , ضعيفة , تتنفس الأنانية , والحقد والكراهية واللؤم.
وربما استقلت السلطة الإدارية ببعض أفرادها ضد البعض الآخر , فيسود جو التوتر و الإرهاق
وتهتز مكانة الأمانة والقيم والمبادئ .. ويهدد المجتمع بأسره، وتتقلص فرص الإبداع والإنتاج
فتنشأ الأجيال في ظل المركزية عديمة الفائدة بل هم كالعبيد .!
علاجها
وحتى نتخلص من أمراضها ، ينبغي اتباع العلاج الآتي :
1-عدم التحيز لرغباتنا الشخصية على حساب ما يرغب الآخرون.
2-الأخذ بالرأي الآخر بعد دراسته وفق محكات وشروط تؤهله للقبول ، وعدم رفضه للوهلة الأولى استبداداً.
3- تشجيع الروح الجماعية في المؤسسة، وبث بادرة التعاون البناء بين أفرادها حتى نتمكن من خلق جو تنافسي مفيد.
4- ترك الحرية لأسلوب الأداء
5-زرع الثقة في النفس بين أفراد طاقم الإدارة والمنتسبين وذلك بالاجتماعات الودية، واللقاءات الهادفة.
6- توفيرالرقابة المناسبة بعد تفويض الأمر حرصا على سلامة المؤسسة وموظفيها.
7 - توفير المديرين الأكفاء والذين بإمكانهم تحمل المسؤلية والقدرة على اتخاذ القرار السليم عندالحاجة.
8-إشراك المنتسبين في صنع القرار .
وختاماً..
فإن المتمركز أصل لكل فساد، لأنه يتلاعب بالحقائق ليفسدها , وكل إدارة متمركزة بالقرار سينطفئ نورها قريبا
وتنحصر في حوالك الظلم. والسعيد منهم من هاجر إلى الحرية حيثُ الإبداع والابتكار ..!
ولكم أن تتخيلوا مدى بشاعة المركزية وفظاعة ما تحدثهُ في تعطيل المجتمع الذي نحنُ نعيشه وهزيمة أمة بأكملها.
.وقد ذكر لنا التاريخ صورة من صورالاستبداد حينما سُئل مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية:
ما لذي أضعف مُلكك بعد قوة السلطان وثبات الاركان .؟ فقال : الاستبداد بالرأي ..!
قال الله تعالى : " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوالِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواالصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ".