أغرس قدميّ بصدر الرصيف..
أجمع بقايا الليل المتراشق بالشوارع
و ألعق أصابع الإنارة كطفلٍ جائع
يفتقد البكاء بجذورِ أوراقِ الخريف ..
(حين تعصيك قناتك الدمعية على الانتحار
فابحث عن قنواتٍ شمعية لا تمانع من الانصهار)
تتدلى أغصان وحدتي فأتشبث بها
و أعلق بعضي على شماعة الباب
ألتفت بعنقٍ جريح
و أتسلسل الشرفات
ثم أتدحرج لأطيح
و تمتص الزهور مني قطرات ..
أعيد المحاولة كي أصعد
ولكن الريح تسقطني أرضاً
و أتسلسل الشرفات ..
فأختلس النظر
أتلصص على حوائط الجيران..
يخرق أذني المطر..
أرتبك .. أسرق خيوط الدخان..
و أدخن الزفرات ..
(السرقة في مدن الدخان أنبل سلوك
يقوم به الحطب مع النيران)
تتكاثف الأدخنة ..
قادمةً من الأزمنة ..
يشتمون زفراتي ..
يتمتمون : أين
هو المجنون ..!
أين هو المجنون ..
يتبعون خطواتي..
و أهرب تاركاً
أغلفة حكاياتي ..
و أتبخر ..
(حين ينعتك الجميع بالمجنون فاعلم أنك ضوء لا تدركه العيون )
أتبخر و أختزل جسدي بقنديل..
أتدفأ ببقعة نورٍ تصارع الريح
و أأزرها لإنقاذ روح الفتيل..
و بخضم اعتراكي تحطمت
زجاجة قنديلي و سمعوني ..
(إنقاذ الغريق بآخر رمق من الموت مستحيل
و الوقوف متفرجاً دون أن تقبله قبلة الحياة أكثر استحالة )
أشتم رائحة قميصي المحترق
ولكنهم لم يحددوا مكاني ويتبعوني..
صاروا يفتشون عن جثتي بالمقابر
ويعودون حيث الزمن الغابر
و بحثوا عني ولكنهم لم يجيدوني ..
(تغيب كل الوجوه ويبقى وجه
عالقاً بذاكرتك كلما سقطت الأقنعة)
عادوا يقتفون الأثر ..
لم يجدوا سوى بعضاً
من آثار بلل المطر ..
و أنا متسرب من الألم
مرتطم سقف جدتي ...
متدحرج لخزانتها الخضراء
وفستانها المطرز برائحة الحناء ..
أبحث عن أمي المختبئة
بأكمام جدتي الحمراء ..
و أجدها تقبلني .. تهس :
ارحل يا طفلي إنهم قادمون ..
(الأم هي الآمان الذي يزرع
الخوف حولك ليقطفك ورداً أبيضاً)
أتلاشى نوراً و أهطلني غباراً
على فنجانها المكسور ..
ومشطها الخشبي ..
ملتصقاً بشذر عقد البلور ..