ديماغوجية الفكر السياسي العربي
إن الناس في مجموعهم جاهلون وأنهم لذلك يكونون عرضة للتأثر الشديد بالخطب
المنمقة والعبارات الرنانة التي يستخدمها ساستهم ، ومن ثم تتشكل آراءهم ويتخذون قراراتهم متأثرين بما تقودهم إليه انفعالاتهم لا بما يمليه عليهم العقل"
(افلاطون)
يحسب للفرد في الدول المتقدمة أنه تجاوز مرحلة التردد والتفكير في حسم مسائل اختيارات حياتة الجذرية بشكل قطعي ونهائي ، ذلك أن كمية الوعي وكثافة المخزون الثقافي لديه شكل في وجدانه الصورة واضحة بكل أبعادها ومسافاتها وتجلياتها ، وهو ... أي مواطن تلك الدول ليس لديه إشكاليات تحديد مسار انتمائه السياسي والأيدلوجي دون الحاجة لافتعال عنتريات فوضى الشارع وديماغوجية التجمعات التي يسيَره محترفوا السايسة وقادة الرأي والفكر لاجتذاب الأكثرية عبر الشوارع والميادين كما يحدث في عالمنا أو اللجوء إلى المفسرين القانونيين وخبراء الدساتير والتيه بين أصحاب النظريات المؤدلجة .
إن المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها عالمنا اليوم تحتم علينا التأمل في مجريات الأحداث ومتابعة اتساقاتها العقدية وأهدافها السياسية .
ومن المعروف ان الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني كالنقابات والتجمعات المهنية ومؤسسات النفع العام هي الحاضن للأفكار والتوجهات التي يتآلف حولها مجموعة من الناس بكافة تفاصيلهم الثقافية والأيدلوجية
بينما نجد في شرقنا العربي يختلف هذا التوجه من حيث بعده السياسي والإجتماعي حيث يتم استغلال احتياجات الأفراد المادية والحياتية ... واستغلال حالة القصور الثقافي والفكري لتعبئة الحشود والمناداة بمطالب لا يختلف عليها اثنان ولكن الإختلاف يكمن في الآلية التي يتم بها تجميع هذه الحشود والزج بهم في الميادين والشوارع دون أن يكون هناك أدنى تصور لتلك الجموع عن المضامين والأهداف التي يجشدون لأجلها باستثناء ان الكل ينادي "بإسقاط النظام" دون معرفة البدائل والخيارات الأخرى التي ستسهم فيما لو أسقط النظام ... وتظل البلد والمجتمع في حيرة الإحتكام إلى المرجعية السياسية والقانونية والدستورية التي يحتكمون إليها ... ما يؤدي لاتساع شقَة الخلاف بين الأطراف واصطناع جدلية الخلاف على تفسير مفاهيم قانونية ودستورية ثابتة لا تحتاج إلى ظهور المنظرين القانونيين وفطاحلة الفقه الدستوري كما يدعي غالبيتهم لتحليلها وتبريرها ، ذلك أن كل هؤلاء يدورون في رحى معتقداتهم وانتماءاتهم السياسية مع مراعاة النظر إلى مصالحهم الذاتية للحصول على جزء من كعكة الوطن الذي يتغنى الجميع به حباً ووفاءا
تلك لعمري الديماغوجية التي قال عنها الفيلسوف اليوناني افلاطون بأنها نداءات لمصالح سياسية ضيقة والتي يسعى الكل لتثوير وحشد العامة من البسطاء لبسط نفوذهم السياسي ونشر ايدلوجياتهم على الأوطان والمجتمعات بوعود لا ينال منها البسطاء أدنى مغانم تلك الكعكة.
"البستاني"