( الفصل الأول )
استيقاظ في ذلك المجهول وفقدان ذاكرة
إلى كتاب صدري ، ومكنونات ذاتي ، إلى الأبدية العمياء ، حيث الحياة الصماء ، بكماء ، عالم فيه ريب ، مدينته جدلٌ وجدل ، هواءها شديد البأس تمتد أوتاري فيه ، إنهُ عالمٌ بلا كائن ، استيقظت فيه فوجدت نفسي على ظهر ناقة محمله بالمتاع والناقة تسير في وسط القفار ! أين أنا ؟ وما هذه الناقة !هل أنا في حلم !أم أنا في حالة جنون !فقدت الذاكرة !لا أعلم شيئاً عما مضى ! اسمي ما هو ؟ ، عمري كم مقدارهُ يا ترى ؟ ، وما هذا الوجل الذي يكسوني وأنا على ظهر هذه الناقة.
لا أرى أمامي حياة ، إنّها رمالٌ ممتدة لا نهاية لها ، حتى السراب لا يُرى ! وهذه الناقة تسير كمثل التي تعلم دربها جيداً! لازالت تسير بصمت رهيب !أجدني أحمل بعض المتاع !فأضع يدي لأتحسس ماهيته فوجدت قربة ؟ فتحتها فإذ بماءٍ فيها! ، ماذا أيضاً! وجدت ورقة! مكتوب فيها رسالة! قرأتها لعلَّ فيها دليلٌ ما! وإذ بسؤالٍ مُثير " من أنت " ؟ يا لغرابة هذا! ومن ثمَّ أعدتها ، وشيئًا فشيئًا ألحظُ عمرانًا كأنّهَا قرية !أمامي أراها .. فنزلتُ فورًا مسارعًا الخطى كي أصل إلى تلك القرية.
فلما وصلت إذ بالناقة خلفي فبركت ، وتسقط ورقة أخرى فقرأت ما فيها، وجدت ذلك السطر ، مكتوبٌ فيه، أبحث عن رفيقة في هذه القرية ! أطلقت الصرخة ,, أين أنا ؟ ومن أكون ؟ ومن تلك الرفيقة؟ جلستُ مكاني استسلمت لجهلي بما يجري حتى الظهيرة ؛ ولازلتُ بعالمٍ عجيب أجهلهُ تمامًا، مرّ بي الوقت وأنا هكذا حتى المساء ، إنّهُ الليل يزحفُ إلينا فانتابني نعاسٌ شديد فأغمضتُ عيناي وأنا أحلّق عاليًا وقد غُلبَ هذا الأمرُ عليّ وما عدتُ أدري ما لعمل.
في لحظةٍ أفقت، وحالي كما هو والأسئلةُ تتراقصُ حولي ساخرةً مني ، فلم تبرز أي إجابة أمامي كي تنتشل هذا الجهل الرابضُ فوقي.
حدثتُ نفسي حديث المحفّز ، هيا قم وابحث هنا وهناك ، لعلّكَ تجدُ شيئًا ؛ فقمتُ على الفور ، وبحثتُ هنا وهناك ، ومشيتُ في الطرقات ، وأنادي ( هل من أحد هنا ) ( هل من مجيب ) ولا مجيب ، لا يوجد سوى صدى ندائي المتكرر يرتد لي عابسًا.
عدتُ إلى الناقة حيثُ تركتها ، أشعرُ بالظمأ الشديد فبحثتُ في الرحل الذي على ظهر الناقة لأجد قربة ماء فأخذتها وبدأتُ أشرب الماء كي أروي ظمأي ، ما هذا الشعور الذي أشعرُ به كأنني بماء عذب !! بل أعذب من أن يكون عذباً ! لم ارتوي شربت حتى لم يُعد بوسعي شربَ المزيد.
أغلقتُ القربة بعدما فرغت ، يا للعجب !! ما هذه وكأنني لم أشربُ شيئا ، فما زالت القربة كما هي ، لم أُذهل فهناك ما هو أَدهى ذهولاً.
وما هذه ، إنني ألمحُ ورقة أخرى !وما مكتوب فيها !
إنها كلمات ، وما تلك ، إنها " بالهناء والشفاء أيها العزيز"!!!
جلست مكاني ، لا أعي وقتها شيئاً ، ضمور أصابني ، كلّي عجب ، لعلّ هذه تدلّ على أمر ، أيقنتُ الأن بأنني لست الوحيد ! هناك من يراقب! لكن أين هو ؟ وتسلسلت الأسئلة !كما هي وجدت ؟ عن تلك الناقة وتلك القرية وأمر القربة !! ما زلتُ مكاني بلا حراك أبتلع ريقي وأمسح رأسي مكررًا ذلك ، ومن ثمَّ أُلهمتُ الدعاء فقلتُ يا إلهي أيقظني مما أنا فيه !إنّها أرضٌ غريبة لا أجد نفرٌ من البشر ! ولا أجدُ وسيلة كي تنجدني فكن خيرُ معين يا إلهي ، وارفق بحالتي التي لا حول لها ولا قوة إلّا بك ، خذ بيدي إلهي فمن لي سواك.
بعدما انحنت الشمسُ قليلاً ، وإذ بي اسمع صوتا بالجوار : من أنت يا هذا وما اسمك ؟ هاه ، من صاحب هذا الصوت !التفتُ هنا وهناك وإذ به من جديد يقول لي : من تكون !! اتجهت لذلك الصوت سريعًا ، اقتربت منهُ حتى سمعتهُ بوضوح ، كصوت يبوح من ذات روح ففرحتُ قليلًا ، وإذ بهِ قد اختفى ذلك الصوت فبدأت المشي تجاه تلك الجهة التي قد سمعته ينادي منها ، وإذ بي على ضفاف بحيرة ، تعكس أضواء النجوم ، وجدت قربة ماءٍ هنا وهناك وفي كل موضع يحيط بقرب البحيرة ، ما هذا ! وكأنها تشابه القربة التي قد شربت منها الماء العذب ! لعل الماء من هذه البحيرة ، غرفت بيدي غرفة لأتأكد وأطمئن قلبي ، فشربت ولم أرتوي ، فعلمتُ أن الماء الذي كان في القربة الأولى من هذه البحيرة ، نسيت ذلك المنادي ، مددت جسدي بقرب البحيرة ، بدأت تأمل النجوم ، إنّي أشعرُ بإعياءٍ شديد ، لأنام على الفور.
يتبع ....