أنا مهتم بالمستقبل لشيء واحد : لأني حين جئت إلى الحياة كان ثمة من يهتم بمستقبلي ، ولذلك عليا أن أهتم بمستقبل من سيأتي بعدي ، لأن هذه أمانة تحملتها على عاتقي ، أحس أني مصير جيل فتي مؤمن مرهون بما أكتب ، وأن عملية تواصل الأجيال وتناقل معارفها وتجاربها وخبراتها ، هي أمور لابد منها كي لا تحدث الانقطاعة ، أو يظل القادمون من المستقبل طريقهم إليه .!!
ولذلك علينا أن لا نعيش حياتنا على أنها ملك لنا ، ولكن نعيشها على أنها ملك جيل برمته ، وعلينا أن نؤكد أن مصيره مرهون بمدى قدرته على تتبع خطواتنا ، ليس تقليدا لنا ، أو تقييدا له ، ولكن ليستفيد ويراكم ، وينتج ، ويتحمل على عاتقه مصير ومستقبل جيل آخر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
المعرفة خبرة ، وتراكم ، وكما هائلا من التجارب الصائبة والخاطئة ، إنها اجتهادات معرفية وعملية ، ذات محاولات تنزيلية تحاول قدر الإمكان أن تقترب من الثوابت وأن تلتزم بها ، وأن ترسم بدقة متناهية صورتها كأحسن ما تكون "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" وأحسن القول ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما تلاه من أقوال وكلمات وحكم أنتجها وعي المؤمنون الذين انبثقت أفكارهم وانقدحت من زناد القرءان والسنة واستلهمت فكرها منهما ، عبر التاريخ وفي كل المراحل ، ودائما تنبني الاستراتيجيات الفعالة على مجموعة من الحكم ،والأفكار المبثوثة هنا وهناك ، وتتكامل الخبرات والمعارف ، في سياق تنوع بناء مشدود إلى منابع النور وينابيع الهداية ، ويصبح الحلم ناضجا مكتملا ، وحين يفتر جيل ما ، تكون لديه ذخيرة مدخرة من أفكار يقظته ، وعوامل تحريك رواكده ، مخزونة في إرشيف ذاكرته، بكل وسائلها ابتداء من ذاكرة الرأس وانتهاء بذاكرة التقنية والتكنولوجيا وأوراق الكتب ، وعليه ان يجيد الاستفادة من ذلك كي يتحرك ويعيد تشكيل ذاته وتنظيمها بما يتناسب مع عصره وما يواجهه من تحديات ، وأن يقرأ الحياة بلغة عربية جديدة أساسها دائما القرءان وما انبثق منه من تفكير واجتهادات ورؤى واستراتيجيات وقواعد الحركة في الحياة ، قائمة على جذورها وممتدة في اختراع لغة تناسب عصوره التي لم تأتي بعد .
إن المادية المعاصرة بسحرها الإعلامي وأهدافها العولمية قتلت الوجدان ، وأخذت تصيغ علاقات ورؤى وتصورات الإنسانية صياغة مادية معادية للفطرة وأصالة الروح وحياة الضمير ، ومسلعنة لكل شيء ، ونحن اليوم بحاجة إلى الكتابة الوجدانية التي نجد فيها وجدان إيماني يعيد للإنسان أصالته وينمي أحاسيسه ، ويقوي انتماءه إلى أفضل القيم المتعالية على سعار الماديات ، والاستهلاك الذي أخذ يستهلك الروح ويستنزف اليقينيات الكبرى ، القائمة على الإيمان بالغيب وما انزل الله في كتابه ، ووعد به عباده من جنة أو نار ، فكلما جف تكوين الإنسان من أصالته " روحه" أضحى أكثر التصاقا بالأرض ، وأضحى بصقة تافهة تلفظها هذه الأرض رغم تثاقلها اليها ، وأخذت أخلاقه الرفيعة تتلاشى ، لتصبح أخلاقا تجارية ، قائمة على تقنيات برمجية وإعلانية ،وليست أخلاقا منبثقة من ضمير حي مؤمن أسس القرءان يقينياته القوية فجاءت اخلاقه حركة قرءانية يقننها القرءان فأصبح الإنسان كائنا اخلاقيا بتقنية فطرية عالية إذ أن "ماهية الإنسان تُحدِّدها الأخلاق وليس العقل، بحيث يكون العقل تابعاً للأخلاق، فيكون محمودا متى أفاد ومذموماً متى أساء، وليس العكس. " كما يقول المفكر الاسلامي الكبير طه عبد الرحمن