•افتقدته كثيرا , كان يحدثني عن البحر , غاص في أعماقه , تركت ذكريات " الغوص" علامة على جسده عندما ضربته إحدى الأسماك بذيلها , للبحر اثر على جسده الغائب عن الدنيا رغم كون روحه الطاهرة لاتزال في صدارة الذكريات وأجملها , " مبارك الخالدي " الشهير بلقب " الحطوبي" الراحل منذ خمسة أعوام , " جد زوجتي" , طاعن السن الذي شعرت معه بان الدنيا تنعم بالأمان فقد وهبني الشي الكثير رغم كوني لم أخالطه الا لبضعة أعوام .
حرمني الموت من تناول فنجان قهوة معه , ولدت يتم الأب فأبي الحقيقي توفي وأنا في الشهر السادس من عمري , حمل نفس اسمه , كانت الدنيا وأنا بين يديه بطعم آخر, يوصي بالصلاة , يحثني على الصبر على هذه الحياة , يسال عني إذا غبت عنه , عطفه احتواني . بحضوره كانت الآهات تفر من أمامي , "اللهم ارحمه واغفر له بحق كلماتك يامسير السحاب يا ارحم الرحمين".
•كان ذلك المسن رغم شدته وقوته الا انه ذو قلب رحيم , مجلسه العامر لازال فيه مكان شاغر, اختص لنفسه كرسي لازلت أتخيل ابتسامته وهو يجلس عليه, يسامرنا بحضوره العاطر بكل ماهو قديم , حدثني عن جدتي و" حزمة الحطب" التي كانت تحملها إلى منزله , عن السفن وأنواعها , عن كل شي فيه رائحة أهل الجبيل تلك التي كان يقطنها في مراحل طفولته وشبابه.
• لا اعلم لماذا تذكرته ونائب رئيس التحرير الأستاذ محمد البكر يطلب مني أعداد صفحة عن الفنون الشعبية والتراث, كان الراحل مبارك هو من جسد رائحة التراث في ذهني, ذاكرتي لازالت تحتفظ بما حدثني ,قال"كان أهل الجبيل يتسامرون في مكان بعيد عن بيوتهم معظم لياليهم , يحضرون " الطيران" و" الطبول" لإراحة أنفسهم من عناء يوم طويل", آه لو سمعتم من أبي مبارك بضعة أبيات من " سامريه" تطربني حتى وأنا في قمة كسلي.
•الفن الشعبي بكل ألوانه عبق من أصولنا , في عرف البدو كانت الطبول ترافق السيوف في الحروب , كان " الطبل" و" الطار" من مباهج الفرح والسرور في الأفراح والأعياد , كانت الفرحة تسع الجميع عندما تكون الصفوف جاهزه ل" الردح" طربا وسرورا , كل آهات الأجداد كانت في " اليامال" ومع أنغام " السمسميه" , كل آلة شعبية كانت تروي وجدانهم وتخفف الالامهم حتى البدوي الراحل من مكان إلى آخر يحمل معه ربابته لتسلي خاطره أينما وجه نفسه وأينما أراد الرحيل.
•كل ماله علاقة بالماضي في أي حضارة يكون من الأمور الواجب صونها والمحافظة عليها , أتسال فقط أين قلاع الشرقية وبيوتها القديمة, أين برجها الشهير الشامخ في عمق البحر, أين التراث واللجان القائمة عليه في المنطقة , إن في هذه الشرق الطاهرة آثار تندثر بأمر الإهمال والتجاهل , طمست المعالم التراثية والاثريه , الم يأتي الوقت بعد لكي يكون للشرق حضور باهي عبر جذب السواح إليها لزيارة المناطق الأثرية , جزيرة "جنة" , قلعة دارين, آثار الاحساء وقراها , كل هذه المواقع والآثار إما غابت وغيبت أو في طريقها للطمس النهائي فهل من منقذ؟؟! , من قلبي أتمنى ذلك .
خارج الحدود
•تلمس أماكن الخوف واقتحمها بقوتك وعنفوانك , لا تقلق فالعيش بين الألغام يولد القوة وان كان ذلك أحيانا.
•ويل لمن يترك عواطفه لأهوائه , غالبا يكون الحب بعقل أجمل من الغرق في الملذات والانغماس فيما لا يحمد عقباه.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
نشرت في جريدة اليوم الجمعه 18ذو القعدة 1430