[ إني أُفكر بصوت مسموع , والأفكار وحدها القابلة للشد والرد ]
إن الكهف رغبته التجوف , والمستنقعات رغبتها التعفن , كما أن الليل رغبته الظلام , وهكذا فالسلسلة لا مُنتهية من الرغبات المختلفة لكل المحيط بنا , نتصور أن ( الحفرة ) إن لم نشبع رغبتها في التعمّق وقذف الأتربة خارجاً , لن تستمتع بكمية الهواء الداخل برحمها , ولا يشبع ( الحفرة ) سوى موت تلبد الطبقات التُرابية ,,
الرغبة إذاً: كائنٌ حيّ إذ لم تُشبّع لن تكتمل الصورة , ولن تظهر التفاصيل الدقيقة الـ تميز أي منّا , والحديث الآن انتقل من جوامد الأشياء لـٍ آدمية الأحاسيس..
وصُلبُ الموضوع أن الحنان رغبة .. إنه – كما أرى – أمرٌ فطري يُأتي بمعية القلب والروح حينما وقت التكوين , لن أصنفه من حيث قربه وبعده عن الحب ولكن يسعني القول أن الحنان نوع من أنواع الحب ..
اتفقنا – مبدئياً – أن بداخل كلٍ منّا كمية – متفاوتة – من الحنان فلا أحد يُخلق خالياً منه , ولكن المعضلة هي ( عدم إخراج هذا الحنان , الاكتفاء به داخلياً , كبته بشكل مقصود أو غير مقصود , عدم معرفة المؤهلين لسكب هذا الحنان , الظن ولو غباءاً بأن الحنان نقص وخضوع , العجز عن الحنان )
اختصار المجموعة السابقة بين القوسين في قول أحدهم لي ذات صباح ( هي ما تعرف تحنّ !)
مشاهد أقرب للواقع:
ـ بعض الأمهات لا تنطق بالكلمات اللطيفة والعاطفية لأبنائها ولم تتعلم أن " لمس الطفل " بحنان يُشبع رغباته العاطفية , و لربما ينطبق هذا المشهد أو دعوني أقول ظهرت هذه المشكلة في الجيل السابق لأجيالنا ! والسبب كما أرى هو تشتت – إن صح التعبير- هذا الجيل بين العصر المنفتح على مصراعيه والسابق المنغلق على ذاتيته ! ففي القدم كانت الخشونة التعبيرية ضرباً من ضروب الدلال ! خصوصاً لدى الفئة الذكورية فمشهد متواضع مثل ( ضرب الطفل / الشاب على كتفه والإيماء بأنه شجاع ) فعل كهذا يسرُّ المضروب!
أجيالنا الآن متعطشة للمشاعر للحب الأسري المفقود للمسات الأبوية الحانية للكلمات التعبيرية الدافئة ... والقائمة لا تنتهي ! والسبب بظني أننا فهمنا ماهية هذه الأقوال والأفعال وتأثيرها على الإنسان ..
نعود للمشاهد الشبة واقعية ..
ـ بعض الآباء ينسلخ من واجباته الأسرية ويرميها على الأبناء أو على أحدهم وقد يقولها بشكل مغرور : أنا ليش خلفتك يعني ؟!
أنا لستُ ضد أن يساعد الأبناء الآباء ولكنني ضد التعسف الإجباري للتمويل الأسري من جانب الأبناء , القانون و الشرع يُلزم الأب القادر على وجه الخصوص بالنفقة على أبناءه فالأمر ليس فقط ليلة حمراء و9 أشهرٍ ثم طفل والسلام ! الأمر مسؤولية يُحاسب عليها قطبي الإنجاب ..
قد يقال: من حق الآباء أن يجلسوا على وقت الراحة ويستلم المهمة الأبناء , وأقول: لا ضير ولكن كلمات مثل ( الله يعطيك ألف عافية يا ولدي . أنت سندنا بالبيت , الحـمد لله إن ربي سخر لنا ولد صالح مثلك .. ألخ ) تمنح الأبناء حافزاً للعطاء بطيب نفس ورضا ..
والمشكلة إن إفتتحوا الأهل صرافة نسائية منزلية , فهي بضرورة الطمع لن تتزوج ولن تتمتع بمالها كما ينبغي , ولا تقولوا تُبالغين ..!
ـ الفئة العمرية من الـ 70 وطالع , مُشكلة تصب في سبب " قلة الحنان " , فمرحلة الكهولة هي – كما أرى – طفولة متأخرة مع وجود فارق في حجم الجسم والقدرة على الحديث , ويبقى هُناك فارق يخص المُحيطين وهو مدى تقبلهم لهذه المسؤولية العجائزية التعجيزية !
هؤلاء الأجداد كانوا بنسبة كبيرة – دون تحديد هذه النسبة – يعاملون من حولهم بصرامة وجفاف وقحط حنان وحب , ولأن الحنان رغبة وكائن حي – كما أسلفنا – فهي لا بُدّ أن تشبع وجمالها أن تشبع في الصغر كي ينمو الإنسان بشكل متوازن , أقول هؤلاء الأجداد المحرومين من الحنان سلفاً والذين لم يمنحوه لأبنائهم حينما يتقدم بهم العمر تأزهم المشاعر نحو استجداء الحنان !
حقيقة لا أبالغ , إن تأمل تصرفات بعض المسنين تُشعرك كم هم أطفال ! وكأنهم لم يكونوا يوماً قاسين جافين , يطلبون الاهتمام والحب والرعاية وكلمات الرضا و لربما يفاجئوننا بحفظ آيات الرحمة والخلق الكريم , و السلوك الإسلامي الإنساني مع الآخرين وخلافه ..
و المهم الآن :
_ إن فاقد الشيء لا يعطيه فـ الأبناء تربوا في بيوت لا تعرف الحب ولا الحنان , فكيف يُطلب منهم ؟
_ أنا مؤمنة بأن الدنيا ( سلف ودين ) والتعامل أخد وعطاء .. إن لم تعطوني الحنان صغيراً كيف تطلبونه مني كباراً ؟
_ متى سنتأمل تصرفاتنا ونعلم أن ما نقدمه اليوم سنجده غداً ؟
_ لماذا فئة المسنين في وطني فئة تُعتبر مظلومة , وتضع نفسها بنفسها على رف النسيان والاستهلاك ؟
_ هل تأملتم فكرة أن الكثير من حولنا و لربما نحن نستجدي الحنان ؟
ـ هذه كانت تُرافقني ..!
ع الهامش :
-1- إستجداء الحنان مهارة لا يتقنها العطشى ..!
-2- تغيير التنسيق لأسباب إخراجية فقط ..!
-3- وأخيراً طلعت هذه الفكرة بعد تعذيب وحبس دام أسبوع ..!
-4- إقامة جدتي في منزلنا ليست السبب ..!
..