[poem=font="Simplified Arabic,5,purple,bold,italic" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تحاسبني على كيفك وانا مالي عليك حساب =وتشرح لي زمن قبلك مشيته واعرف شروحه
وتطعني بموقفك القديم الميت المرتاب =وتنسى ما بنيته في هضاب الوقت وسفوحه
تصك االباب ولا يارفيقي ما تصك الباب =ترى كل الطرق صارت بعد فرقاك مفتوحه
وتضيق الأرض ولا تتسع ولا تصير شعاب =انا شاعر ولي قدرة احبس الناس في لوحه
ليارح الفرح عني وعضتني عليه انياب =أسوي لي من احلامي فرح وآشيد صروحه
ولا غاب البدر وامست عيون الساهرين اغراب =أردّ البدر بكفوفي .. وارجّع للسهر ضوحه
ولا شفت البحر صامت وفي صمته سمعت عتاب =اصب الشمس في كاسه واذوّب روحي بروحه
فقير الواقع آرده غني بفني الجذاب =سوى الفنان كل انسان فيه احلام مذبوجه
يموت الشعر لا نادى بصوت احساسه الكذاب= ويحيا لا نزف دمعه بقايا نفس مجروحه
مادمى بالشعر قادر أفتح فالصدور ابواب =أبالقى لي صدور تضيق والقى صدور مشروحه
ويكفيني من الدنيا ولو ملقا كثير اصحاب=صديق ٍ يوجعه جرحي وانا توجعني اجروحه[/poem]
القراءة :
اختار شاعرنا سعود عنوانا رئيس وإشارة واضحة للرسالة المراد غرسها في ذات الطرف الثاني ( اكتفاء ذاتي )
فالاكتفاء دوما يشعر أن هناك أسباب أدت إلى امتلاء جعبة الذات وعدم البحث عن المزيد أو الترقب لما خلف الروح ..
فلو سلمنا أنه قال: ( ارتوى ذاتي ) لكان هذا العنوان ذات فضاءات ربيعه يانعة تبحث عن المزيد في لحظة ما . يريد أن ينقلنا لها..
بعكس ( اكتفاء ) وأن كان الفظان يؤديان إلى نفس الطريق ..
ومن سنبحث عت تلك ألأسباب التي أدت لهذا الاكتفى
تحاسبني على كيفك وانا مالي عليك حساب
وتشرح لي زمن قبلك مشيته واعرف شروحه
غالبا ما يكون أول بيت هو المفتاح والعنوان المراد إيصاله / والرسالة التي تحمل تقارير الروح ..فيأتي ما بعده تدرجا نحو نقطة الارتكاز للوصول للهدف العام لهذا النص .. محاولة للدخول بأجواء النص مباشرة للذهن القارئ وتهيئته بكامل حواسه ومشاعره ..فكانت لغة النص كما سيأتي لاحقا لغة مشحونة ومتسربلة بالقناعة الذاتية بانعدام الثقة أو بالخروج من فضاءات هذا الصاحب بالمعنى الصحيح ..
لغة مشحونة بقلق ما وعتاب مستأصل بالروح وموصل للجروح .. فسقطت ( تحاسبني ) قنبلة مدوية لتتطاير شظاياها نحو دوائر مفرغة من الود خالية من الهدوء ..
إذن هنا يريد المصارحة المكشوفة الواضحة الفاضحة فلو كان هناك أمل أو حميمة مرتقبة لما كان هذا البيت هو المتصدر للنص وبهذه الصورة المضطربة ولمتسلقة لجروح تختفي خلف جدار الصمت أمدا بعيدا وحقبة روحية ليست بالقصيرة ..
فكيف تريد أن تحاسبني ولا ترضى لي بمحاسبتك.. وأنا الذي أصلا من أدماه الجرح ورافقته ورافقني .
( وتطعني بموقفك القديم الميت المرتاب
وتنسى ما بنيته في هضاب الوقت وسفوحه )
فيأتي هذا البيت الإسقاط الثاني ولمكاشفة الثانية كمحور أساسي من محاور النص
فالمحاسبة / الطعنه.. في ثنائية لتكمله المشهد المتموج داخل النفس والمهتز بنتوءات الزمن الماضي الحاضر ..
فأتت الأفعال .. تحاسبني / تطعني / تنسى / كأدلة مقنعة على تورط الطرف الثاني في براثن الغدر ووحل القطيعة ..
( بموقفك القديم الميت المرتاب )
إذن هناك احتمالات مؤكدة وأن هناك تنازلات وعفوا وتسامح من شاعرنا سعود اراد بها المحافظة على هذه العلاقة ولم تنجح أولم يكتب لها الحياة والنمو كما ينبغي ..
فأتى بالمواقف الماضية والحاضرة ..
فكان ذلك الموقف ميت بالنسبة لي ولكن يظل
( مرتابا ) لعدم الجزم باستئصاله لأن الطبع يغلب التطبع .. قديم / ميت / مرتاب نلاحظ أن هذه الكلمات تصب في صدمة الاوعي فلم يفق من هول المفاجئة ..
فأتى هذا الشطر (وتنسى ما بنيته في هضاب الوقت وسفوحه ) .. لنسف كل ما هو وفي معطاء أتى لينجز على البقية الباقية من الآمال.. أتى ليضعنا أمام نهاية لا مفرمنها .. فالجحدان / النكران / ألا مبالاة هي بطيع خناجر خيانة ومناشير ألم ..
تصك االباب ولا يارفيقي ما تصك الباب
ترى كل الطرق صارت بعد فرقاك مفتوحه
نعم قرار جريء وموقف حازم عزة وأنفة سمو وشموخ يرتقي بالروح ويعتلي الجروح ..
فـ (الباب) هنا .. العلاقة / .. والطُرق / القلوب
كأنه يقول هناك ألف قلب ينتظرني وهناك فضاءات رحبة سأحلق في اجواءها فلا حاجة لي بك ..
فأتى هذا البيت كمنعطف آخر للنص ونقله بالجسد والروح بلغة العقل والواقع المتزن بذات النفس ..
( وتضيق الأرض ولا تتسع ولا تصير شعاب
انا شاعر ولي قدره احبس الناس في لوحه )
(وتضيق الأرض ولا تتسع ولا تصير شعاب )
امتداد لما قبله بتمرير الموقف والعبور بالذات ولكن هنا بامتداد اكبر وخروج في رحابة النفس كردة فعل طبيعة للحدث
فشاعرنا هنا يريد أن يعزز لغة الثقة بالنفس وأنه لا يمكن أن يكون تحت وطأة أو قيد أحد حتى المحيط الذي يعيش حوله ..
( انا شاعر ولي قدره احبس الناس في لوحه )
( أنا شاعر ) كما قلنا سابقا .. التعزيز في محاولة أكيدة لإخفاء ذلك الجرح وتلك الطعنة التي لا تقبل الخضوع ولاستكانة ..
( ولي قدره احبس الناس في لوحه )
فما هي تلك اللوحة ياترى !؟
يريد أن يوحي لنا أن هذا المدى لا يسوى شيئ في عيني أو ذاتي فجميع من أمامي قد يكونون بزاوية وأنا لوحدي بالزاوية الأخرى .. فسأعيش بقلبي وروحي وبكل سهولة ولا أعيش ذليلا لحظة واحدة ..
( ليارح الفرح عني وعضتني عليه انياب
أسوي لي من احلامي فرح وآشيد صروحه)
فيمظي هذا الشاعر الماهر الباهر بنا قدما لتخطى ذلك الوجع وتلك التجربة المريرة فحتى لو فات قطار الفرح
(وعضتني عليه انياب) تصوير جميل على الرغم من نبرة الحزن المتخفية بين الحروف .. فسأعمل من أحلامي وعالمي الخاص ( الذات ) قصر مشيدا من السرور والحبور . فنحن ما زلنا مع شاعرنا سعود في تلك الرحلة من السمو والعلو نحو هام الذات
(ولا غاب البدر وامست عيون الساهرين اغراب
أردّ البدر بكفوفي . وارجّع للسهر ضوحه)
فحتى لو نور البدر غاب عن العيون وأصبحت عيون الساهرين بمنأى عن ضوءه فأنا قادر أن أشعل دياجير الليل نورا وضياء . نلاحظ أن هذه الصورة التي رسمها لنا بريشة خيالة وتلوينه لها بألوانه السريالية ماهيا إلى محاولة للغوص في شرايين الطموح وتثبيتا لمقدرته بقلب المسارات الكونية بأجملها من أجل ( السمو بالروح ) ..
( ولا شفت البحر صامت وفي صمته سمعت عتاب
اصب الشمس في كاسه واذوب روحي بروحه )
أفرزت المخيلة الخصبة للشاعربعدا آخر على هذا البيت حيث صور ببساطته السهلة الممتنعة وبدقة الإبداعية وأضفى نوعا من الحركة في البناء الداخلي للبيت من حيث مناجاته للبحر وبطريقة مدهشة منعشة فالبحر صامت / والشاعر هنا من حيث الحالة النفسية كذلك صامت بوحدته فتلاقا الصامتان بحر / ذات .. وتداخلا بالمشاعر فصب الضوء على بحره لينفذ لقاع روحه ..
( فقير الواقع ارده غني بفني الجذاب
سوى الفنان كل انسان فيه احلام مذبوجه )
( فقير الواقع ) ..وأي واقع يا ترى ذلك الوقع المفتقر للحب والعاطفة والحنان (أرده غني بفني الجذاب) .. فقصيدة الشاعر دوما تعتبر متنفسا وبوحا للتقليل من وطأة الألم والحزن
حالة شعورية يهرب إليها الكثير من الشعراء للضفة الثانية من الواقع ..
( سوى الفنان كل انسان فيه احلام مذبوجه )
تأكيدا على أن الشاعر يتنصل من واقعه بنصوصه
وبهذا الفن يرسم تلك الأحلام المذبوحة على ناصية القدر ..
( يموت الشعر لا نادى بصوت احساسه الكذاب
ويحيا لا نزف دمعه بقايا نفس مجروحه )
( يموت الشعر لا نادى بصوت احساسه الكذاب )
وهناك من يقول ( اعذب الشعر أكذبه ) فكان الطرح هنا عن قناعة تامة لشاعرنا سعود حيث أن الشعر الذي لا يمت للواقع بصله فأنه سيوارى في قبور النسيان لا محالة ..
( ويحيا لا نزف دمعه بقايا نفس مجروحه )
وعلى النقيض للشطر السابق ..
أن حياة الشعر بترجمة المشاعر وجبر الخواطر وتضميد الجروح وتعزية الروح ..حياة للشعر / للخروج من رحم الألم وتنفسه لهوى البوح..
( مادمى بالشعر قادر أفتح فالصدور ابواب
أبالقى لي صدور تضيق والقى صدور مشروحه)
ومع هذا البيت تعود ألانفاس تدريجيا بعمق وهدوء بعد رحلة مضنية بين المحاسبة / الطعنة / النسيان / الذات / الصمت /الشعر .. فهنا ياتي هذا البيت متجانسا بنفس الرؤى تقريبا مع
( تصك االباب ولا يارفيقي ما تصك الباب
ترى كل الطرق صارت بعد فرقاك مفتوحه)
فمرحبا بالشعر القادر على فتح فضاءات للروح والعبور بها إلى هام السحب ..فما هذ البيت إلا دليل على ثقة الشاعر بنفسه
وأنه يستطيع أن يصنع من الانكسار شموخ ومن السقوط علو ومن الألم أمل .. ولا تقف ذاته عند نقطة معينة بل يواصل الرحيل شمالا نحو القلب ..
( ويكفيني من الدنيا ولو ملقى كثير اصحاب
صديق ٍ يوجعه جرحي ونا توجعني اجروحه ).
بيت عن قصيدة بأسرها ..بيت توقفت عنده كثيرا لغة ولفظ ومعنى ..بالفعل القصيدة التي لا تحرك ساكنا في ذات المتلقي لا تستحق أن يُطلق عليها قصيدة ..
( ويكفيني من الدنيا ولو ملقى كثير اصحاب )
ويكفيني/ ( ومن هنا نستنبط العنوان الرئيس للنص )
اكتفى ذاتي وقناعة تامة بأن الصديق الذي يقف معي ويؤازرني في هذه الدنيا يغني عن الكثير من الأصدقاء والأصحاب فهو المكسب الحقيقي والأخ الذي لم تلده أمي
( صديق ٍ يوجعه جرحي ونا توجعني اجروحه )
نعم الذي يشاطرني ذلك الألم وأشاطره ذات المعمعة بكل صدق وشفافية ووضوح .
النص برؤية فنية :
نلاحظ أن الشاعر أعتمد على البناء الرمزي في بعض الأبيات تاركا مدى واسعا من حرية الحركة وتعدد الاتجاهات في داخل البيت الواحد ولو تأملنا في دلالاته وإشاراته الغوية والمعنوية لوجدنا أن الشاعر يسقط حالة نفسية (القلق / الصدمة / العزة بالنفس / القدرة على النهوض / تغيير اتلبيئة النفسية من حوله/ الحاجة للصديق الصادق ) كمعطى طبيعي فنجده يتتبع التفاصيل الدقيقة لحالته والإحساس الذي يشعر به هو شخصيا مستفيدا من التـراكم الدلالي ليجنح أحينا إلى إعتام الصورة والعبور بنا إلى ما خلف الوعي .... عبر تمثيل المخيلة الشعرية وبالرمز المنبثق من هندسة إبداعية وذائقة تعي ما تطرحه لنا من أفكار ورؤى وصور شعرية ملتقطة بحدس فني عالي ..اركا للقارئ تخيل المشهد وتحريكه كيف ما اتفق لرؤيته فيكون لكل قارئ رؤية ومشهد خاص به عن غيره ..ونلمس ذلك في قوله:
) ولا غاب البدر وامست عيون الساهرين اغراب
............... أردّ البدر بكفوفي . وارجّع للسهر ضوحه)
وهنا أيضا ..
( ولا شفت البحر صامت وفي صمته سمعت عتاب
...........اصب الشمس في كاسه واذوب روحي بروحه)
وكذلك في هذا البيت :
( وتضيق الأرض ولا تتسع ولا تصير شعاب
انا شاعر ولي قدره احبس الناس في لوحه )
كما أنه استطاع أن يمزج الذات بالواقع بلغة واضحة تتضح بها ثقافته الواسعة ويحليها بالمحسنات البديعة ولأخيلة الرائعة دونما تعقيد أو تنفير بعيده كل ابعد عن استخدام الألفاظ الصعبة أو الجمل المركبة ذات التعقيد الممل
وعندما نستقرىء مخزونه الثقافي من معطيات النص نجده مكتنزا بالجانب اللغوي والموسيقي والبناء التركيبي للمعاني والأفكار في منظور شعري وفلسفي واعي
كما نلاحظ أن النص يتناص مع العنوان العام له في تناغم جميل وتجسيد للحالة العامة .
ونجد أن هذا النص لا يخلو من التركيب المنطقي واستدراج المعنى بصورة حسية مفعمة بالتمرد والتموج داخل النص وكأننا أمام لوحة متعددة الزوايا بسحر اللاوعي وروعة الخيال للفكرة والمعنى المنبثقة من ترتيب مدروس لإسقاط الفظ على المعنى وليرتقي المعنى للفظ .