بينما أخبز بعض أقراص التاوة لأطفالي فجر الإثنين ، وكان الوقت شتاءاً، ريحٌ قارصة تفتك بمصاريع نافذتي، قنديلي المكشوف نهب زوبعةٍ طفلة تسللت الى سقفي القش، بدأت قطرات مطرٍ صغيرة تئز في تنوري ، وبدأت معها دموع تتلاحق على وجنتي البؤس مني، وأخذت الهجُ أن الحمدلله ، سمعت المطوعة اليوم تقول للأطفال ان من قال الحمدلله خمساً تحققت له امنية فأخذت اتوجه للقبلة وأدعو وعيني على خبيزاتي ، لم يبق طحين ، ولم يعد الأب، وأشرد لفكرة هجره، وأعود لأعد على اصابعي الحمدلله محاولةً ان يحضر قلبي، ابحث عن توجه فاره يليق بحضرة، واذ انا هكذا فإذا السقف يهوي بكليته على تنوري بدفقة مطرٍ تجمعت وأثقلته فانتفضت واقفة ومستعيذة من الشيطان اردد حوقلتي بحنق ٍ ورفعت وجهي للسماء المكفهرة وصرخت ماذا تبقى لي الآن.
ركضت الى الأوعية وأخذت الملم الحطام وانا افكر ماذا سأطعم اطفالي الآن قبل المدرسة وفكرت في الذهاب لبيت الجارة، لكن كيف اعيد اشعال التنور والمطر لا يزال في اوجه فجلست الى زاوية صلاتي ارقب الماء الملوث ببقايا السقف مكان الثقب وأحمدالله فإذا بسلسلةٍ ذهبية اللون تتدلى من هذ الثقب ، ففركت عيني لأتأكد أنني لا أحلم، هذه سلسلة حقيقية ، ووقفت بسرعة شديدة الا ان رجلي لم تسعفانني للذهاب اليها ، خطوة واحدة تفصلني عنها، مددت يدي فإذا يدي أقصر من ان تطالها، وبعد برهةٍ قليلة تدلت السلسلة اكثر ورأيت امرأة شابة تتدلى منها وتنزل عليها الى صحن داري ، ثم وبقدرة قادر سحبت السلسلة العريضة الذهبية اللون اليها وأشرت فعاد السقف مغلقاً لا كما كان وانما سقف حقيقي مبني من الآجر، وأنارت صحن داري بنورٍ لا ارى مصدره لكنني اراه ، ثم انني سمعتها تناديني يا أم خضر تعالي الي، وكنت في زاويتي ارنو اليها وأعود لفرك عيني ثم بدأت بقرص نفسي فقالت لي ان لا أخف وان آتي.
خرجتُ من زاويتي خطوة وكنت الى الضوء استقيم فوجدتُ سيدة صغيرة مهيبة سوداء الشعر طويلة كأنها حامل ، بها خاتم الحسن وخال على صفحة خدها، وكأنها الدنيا ان اقبلت من شيءٍ في طلعتها لا يُشبع منه فسألتها بصوت يتهدج ويرتجف من خوفٍ مبين، فأشرت بيدها كأنها تقول دعي عنك هذا او انه ليس مهم، ثم أشارت الى بطنها وقالت انها ستلد بعد قليل وعلي ان اساعدها ، ترددت وخفت ، اتراها خاطئة، ااستطيع توليدها، ماذا سأقول لأولادي، كيف أفعل هذا وانا لا أعرفها وهي غريبة عن قريتي ، وكأنها تقرأ ما بي ، أمرتني بأن آتي وحسب اليها وان لا أخف، دنوتُ لها فوجدتها ترفل بالحرير او هذا ما اعتقده فلم اكن يوماً منعمه الا انها تبدو غريبة في كل شيء، استخرت قلبي فأخبرني بأنها غريبةٌ في ضائقة ولأساعدها.
وابتدأنا في التحضير للولادة فوجدت لديها كل شيء ، أعطتني فص جوهر بني وقالت هذا فص عقيق نادر ضعيه على جبين ولدي حال خروج رأسه ، على عين راسه الثالثة ولا تخافي ان هو فتح هذه العين اسدليها ثم ضعيه برفق وسيدخل الى العين ، من المهم ان لا تجزعي كي لا يتشرب خوفك وينقلب، حيواتي كلها بين يديك ، اتيتك بحثاً عن أصبر الناس ووجدت المر في حلقك من صبرٍ تطاول بك وقته ولا انجلى واتيت اجلوه عنكِ فتحالفي مع حظوظك وارفقي بك، وجلست بين فخذيها وشممت المسك والعنبر فتعجبت وهي تبتسم وتسمي بأسماء الله كلها تسع وتسعين وآخر يكمل المائة ، لم التفت لعلها تكرر ، قالت لي ان ركزي وحسب ، وسحبتُ الطفل المنير بذاته ، وخرج يساعدني كأنه الزبدة من قلب صحن الصين لا تعسير بل تيسيير مطلق ووضعت الفص فانتظم نفسها وتناغم وانفاسه وانا الهث من شكل عيونه الثلاث وحال وضع الفص انغمس في لطفٍ ودعة واختفت العين بفصها وأصبح وجهه مثل الاطفال ملائكياً رقيقا وردياً ولم يبك فخفت فأسرت لي ان هاتيه الى صدري فأخذته فالتقم الثدي بهدوء واعتدلت الي قائلة سلسلة الذهب هذه لك وهي سبعة امتار في التمام ، وستجدين في الزوايا كل ما تحتاجين من مؤونة لبيتك واطفالك على شرط ان لا تبوحي بما حدث هنا واذهبي لصلاتك كي لا تطلع شمسك عليك وتتأخرين فإن فرغتِ لن تجديني ، لا تسألي اين ذهبت ولا كيف ذهبت ، قولي للناس ان زوجك اتى في ستر الليل ومنحكم كل هذا وراح الى أخرى وعاودي الصبر والصمت وكلما اردتِ شيء ، توجهي واحضري بقلبك واحمدي الله وستجدين عوضا عني الف الف يسر.
ذهبتُ للتجدد والصلاة مثل مسيرة ، ولا زلت أكذب نفسي ، سمعت صوت العصافير ووجدت بيتي مختلف وفرغت من صلاتي لأجد ما وعدتني كاملاً واكثر، وأطفالي حول مائدة عامرة يأكلون ويمزحون ، فسألت اكبرهم متى صحيتم من النوم، قال لي حين اتى ابي وكنت تصلين واتانا بكل هذه الأشياء وسلم علينا وقال انه لا بد ان يعود للعمل وانه لا يجفانا ثانيةً وقال لي اقرأ امك السلام وقل لها ( ان الله مع الصابرين).