وبعد أطوارٍ مِن النُّضجِ ...
أدركتُ بأنّ الأشقياءَ في الدنيا كُثْرٌ،وليسَ باستطاعة (مُترنّمةٍ) مثلي أن يمحوقلمُها تجاعيدَ السنين أو أطلالَ الذكرى ...
وأنا أتجوَّلُ هذا الصباح ... وكعادتي ... أخترتُ أن أفتح كل يومٍ رسالةً من تلك الرسائلِ القابعةِ ببريدي،بعد نفضِ أكوام الغُبار عنها
ربما هو ذا الوقتُ المُناسب لسكبِ العَبرات،علّها تكونُ السلوى .... ،
،
،
،
أتوقُ للكتابةِ عنِ الحُبّ، هُناك وشوشةٌ بداخلي تضرِبُ بأصابعها على أوتار القلب وتُعيدُ على مسمعي عند أليقظةِ نغمها الروحاني،
منذُ زمنٍ بعيدٍ وحروفهُ مُقيدّةٌ،
وخيالاتُه مُنطلقة؛ كفراشات لاتعرِف أن تصنع شيئاً سِوى الحَومِ حول مرابضِ الزهرِ،
وشمِّ رائحتها اللذيذةِ، ثُم العودة لـــشرانِقها !
أعترِفُ ...
بأنّها تحتاجُ لعاصفةٍ مِن الأحاسيسِ لتُبعثر الراكِدُ مِنهاعلى الطاوِلةِ ،
وفسحُ المجالِ لتكوُّمِ ورقٍ جديدٍ بروحٍ أُخرى.
أعترِفُ ...
بأنّ فصلَ شتائي بَدأ يجرُّ ذيولهُ ،
وبدأتْ تتفتّقُ بِأغصانهِ بعضُ الزنابقِ الوَسنى،
وتتثائبُ العصافيرُ .... بعد طولُ سُباتٍ
وتتسائَلُ الغيماتُ:
هلّ تُغدِقُ الأرضَ بهتُونِها ...أم لم يحِنْ بعدُ مواسِمُ الإزهـــارِ؟
أعترِفُ ...
بــ دُنيا مِن الحَيرةِ تُقيِّدُ انطلاقَ زِمام المُنى،
ليصهلَ خَيليَ الأشهبُ ... ويختالَ بِتلك الرُبى التي صَنعتهَا يدايَ وَ وثّقَها قلمي وتغنّتها أحرُفي وصدقتّها جَوارحي
وثَمُلَت بِها روحي .
أعترِفُ ...
بعطشِ الحَنينِ ... واِنْكسار النّاي وشًحوب الألحانِ واختناقِ الحَنايا،
وإدِّعاءِ الكَرَوان بِـمُزاولة دُعاء الصباحِ النّدي؛
لِإطرابِ روحي .... قبل مَسمعي
أعترِفُ ...
بِإغماض عيني عن أرضِ الواقع ،
والعَودةُ بشريط العُمرِ والتوقُفِ عند ذاكَ العَهدِ الخلِيِّ مِن المتاعبِ ..الغنيُّ بالفرحِ .. المُزدحِم بالضّحِك ...
المُفعمِ بِعطرِ السذاجةِ والمُنطلقِ كضفائري ..المُلّوَنِ بِما لذّ وطاب ... والمترنِّحِ بين حُلُم ٍيترآءى بـ الليل ويتحقّقُ مع انبلاجِ الصّباح !
أعترِفُ ...
بأني غيّرتُ عناويني وبدّلتُ ذائقتي حتى في ما أرتديهِ،
وبِتُّ اُسرِّحُ شَعري المُنسدِلِ وقصصتُ ما لحِقهُ الضررُ مِن أصباغٍ،
وطليتُهُ بِلونٍ خَمْريٍ اِنعكس على وجنتيَّ؛ فتلوَّنت قسماتي وتشرّبتَ الشِفاهُ بِحُمْرةٍ يانِعةٍ .
أعترِفُ ...
بأنَي بِتُّ أضحكُ مِن أعماقي ...وأزفرُ الآهةَ بعد اِختناقي
وأتنفّسُ بعُمقٍ يغلّف كُل خليةٍ وينعِشُ كُلّي ويُتركني حَيّةً ..بعد أن كنتُ شِبهَ تِمثال !
أعترِفُ ...
بأني أحتاجُكَ كفجر كُلَّ يومٍ،لتأتيَني بروحي الأُخرى فتختبىءُ العَبرةُ وتنحسِرُ الحَسرةُ خلفَ نِقابِ الوَلهِ، ثم يسلُبُكَ الخُسوفُ ويُهديني الظلام .
أعترِفُ ...
بأني أعودُ بحضرتِكَ طِفّلةً؛تستلِذُّ سكبَ دمعِها وسَردِ أمانِيها وحكاياتها المجنونة،
وخربشاتها العفوية... وصوتُهَا المُنكسِرُ يُخبرك مِن حيثُ لاتسمعُ،
بكثيرٍ مِن الإشتياقِ ... والقليلُ مِن التعقُّلِ .
أعترِفُ ...
بأنّي أبتلُِع نصفَ الحديثِ،فتغصُّ بهِ روحي وتقِفُ كشوكةٍ تعترِضُ عليَّ التنفُّسَ وتحرِمُني الشكوى !
أعترِفُ ...
بأني خُلقتُ بأرضٍ غير أرضي ... وزُرِعتُ بغيمةٍ حُبلى بالعطش وتشبّعتُ افتقاد ..انتظار.. وأشتعلَ نجمي كنيزكٍ حينَ اصّطدمَ بِغُلافِك !
أعترِفُ ...
بتوءَمتِ رُوحيَ بكَ .. وانشطار فِكريَ مَعك .. وبميلي نَحو يَدِكَ اليُسرى،
حَنانيكَ بِي؛جَدّ البردُ بِخاصرتي ،فأعِرني مِعطفكَ أُخبّئني فِيهِ واشمِلني بدِفْءِ جَمرةِ غَضاً ..مُشتعِلةً ...كــ أنَا
أعترِفُ ...
بأنّي عندما أسمعُ صوتك ... يتبخّرُ صوتي
وتُصيبُني كلُّ تلك التحولات التي تطرأ على المادة الجامِدةِ عند تعُرضِها للحرارة ؛
فأذوبُ خجلا ً... وأنصهِرُ شوقاً ...وأتّقِدُ فرحاً
وأنّغمِسُ بِذرّاتِ الهَواء !
أعترِفُ ...
بأنّ رَذاذَ المطرِ يُذكِّرُني برائحتك .. والبرقُ يُشعلني كلفيفِ سيجارتك ... ونسيمُ الصّباحِ يعودُ بي إلى عِطرِكَ الباريسيّ؛
يخترِقُ مساماتي... كإعّصَارٍ يمُوجُ بي يأخذُ بِزندايَ ... وبِراحتي قُُصاصَةٌ مِن رِسالةٍ لمْ تكتمِل !
أعترِفُ ...
بِكَ سعيتُ نَحو الكَمالِ ،لأُكمِلَ فضاءاً لاحدّ له ... وشاطىءً لا مرفأ له ... ونوراً لانهاية له،
وحناناً يسعُ صدر أُمٍ حانِيةٍ ... وغرامٌ يتّسِعُ لأوراقِ شاعر،
وهُيامٌ يتملّكُ قلبَ عاشقٍ ... ضاعَ بينَ إنهمارِ أمانيهِ وقلّةِ حِيلتهِ ... وبحثِهِ عنِ اكّتمَالِ... الكَمَال .
أعترِفُ ...
بأنّي ومُذْ وطأتُ صَرحكَ الزُّجاجيّ ... وترآءتْ لي إنعِكاساتُكَ،
واستشفّيتُ صمتكَ الذي قدّسَ مِني تِلكَ الرُوح؛ تهاوتْ اِعترافاتي ،كما اِنْبهَرتْ بَلقِيسُ ...
وكَشفتْ عّنْ سَاقَيهَـا !!
نازك
29/7/2011