سألني قلبي أن أصف له ليلتنا الخالدة لو أن القدر جمع بيننا، فالتقينا في ليلة اعتذر فيها القمر عن سمّاره ليحتفل معنا أنا وأنتِ يا حبيبتي، سألني قلبي وأخفى خلف ستر السؤال ما يعرفه، وأبدى ما لا يعرفه، والحق أنني من سؤاله في دهشة تأخذني، وأخرى تأسرني ، فهل ترى غاب عنه سر ليلتنا الأولى وهي النتيجة التي ستحصد هذا الشوق، وستتمخض عن هذا المسير في رحلته الطويلة عبر مركب الحب العملاق.
أنا يا حبيبتي ما زلت ومنذ زمن بعيد أكتب عن الخطوة الأولى لليلتنا الخالدة، وأحاول نسج عبائتها الليلية من زفيري، وشهيقي، وعذابي في اشتياقي، وحب تملك مني كل قرار فلا تصدر إلا عن طبيعته القرارات، ولا تخرج عن محيط هيمنته العبارات، وتلك ليلة لو جمعتنا لقرت بنا الدنيا الآدمية أننا تجديد العهد الأول بين حواء، وآدم أبي البشر. وكم مثلت ليلتنا السرمدية ، وبنيت منها قصور الغرام الخالد رغم صوت مطرقة الواقع الأليم في طبلة أذني، وأنا غير آبهٍ بها لأنني أعيشك وكل عرق مني ميت عن الإحساس بغيرك، ولأنني حصرتك في ليلة تلك هي موعد ولادتنا الخاطئة في هذه الدنيا التي أتينا إليها غرباء، وسنفارقها غرباء.
في ليلتنا الخالدة طيش الإنسانية الحرة من معقل العقل إلى مسارح الوجود الوجداني المفرط حبا، المتهالك حنيناً إلى حضنك الغالي المائج موج البحر لولا عذوبتك أمام شدة ملحه، وأجاجه، وفيها سكرٌ خمره معتق الختم معتق البدء كشجرة يعانق جذرها زمارة فرعها، ويشتد جذعها بوفرة أفنانها..وما سكر به عقل حتى سار في ركابه مئة عقل، وهل بعد حبك من عقل يُسترشد به!! إن حبك أعقل ما تشبثت به، وآنس ما ملت إليه، وأرشد ما به اهتديت من الظلمات إلى النور، ومن الزيغ إلى الضلال.
في ليلتنا تلك تناثرت النجوم ، ثم رقصت في حائط الشوق الليلي، وإذا بها تتمايل فوق رأسينا كغيداء لم تبق من ألوان التفنن لحبيبها شرخاً إلا ووفت بإتمامه، وأعلنت عن التزامه,..وقد كلمتنا النجوم حتى كاد صوتها يرسم على الآذان تشنيفة الولاء السمعي الخالدة كذلك خلودَ ليلتنا، وكلمنا النجوم بلغة عاشقين ذوّب الولع منهما محاجر العيون فزاغتْ، وأفنى منهما حبال الصوت فتاهت، وكان صوتنا يا حبيبتي كرجع متموج من مداعبة الهبوب المسالمة في ليلة كلها ، وبجميعها، وكليتها أنا وأنتِ.
هذه ليلتنا الخالدة ولدت من جديد ، ومن رحم الغيب الطاهر استهلتْ ، وإلى حيث التقاء جسدينا المضنيين من توهج الآهات سرتْ، ترتعش في كرّ سجافها، ارتعاشة شفتيك المتوقدتين في حضن شفتيّ عند مشارف القُبلة الأولى في الضمة الأولى، في الليلة الأولى من سطور عمرنا الغارق فينا يا حبيبتي.
أحبك الليلة فحسب.. ادخاراً من زمن لها، وأحبك الليلة كل الحب الآدمي، والطهر الملائكي..ولو أن للقلم من تعابير البيان ماله ما بلغ به الفكر أن ينفث في خباء هذه الليلة ما ينفثه الآن من رقية المس المحمومة به جوانب هذه الليلة.
عديني يا حبيبتي أن تختزلي عمرنا في هذه الليلة، وعديني أن تحركي في مسيرة حياتنا فقط قاطرة هذه الليلة، وعديني أن تقبريني هذه الليلة بين رمشيك فلا أحيا بعدها، وأن تسقميني بإدمان حضنك فلا أشفى بعده أبدا، وأن تخلطيني بشيء من حديثك، وشيء من سلاف ريقك، وشيء من دفء صدرك، وشيء من ورد متنك، وشيء من تعويذة نظرتك ..فأعيشك طعما، وريحاً، ولوناً....
أتعبيني هذه الليلة بقدر ما تشاءين، وبزخم ما تشتهين من إعيائي، فإني فارسك المعتلي صهوة التعب استراحةً، المكتري طي الظلام استباحةً، لا أدري أمن السحاب تحدرت إليك ، أم من فجاج الأرض استطلت بين يديك؟؟ .
أتعبيني فإن رياح الشوق في داخلي هُوجٌ في انطلاقها، هوج في تلاطمها، تمضي مُضيَّ الصارم فلا قاطع أمامها يظل قاطعاً، ولا قائم يدوم قائماً، كذاك هي روحي الخاطفة كل مانع دونك، لا تدع بينك وبينها حائلاً حسوداً، ولا عاذلاً نكوداً..وأنت يا جنون عقلي متعبة في كل شيء، لأنك لا تتعبيني إلا بقدر ما تريحينني..آه يا من بك كما هو الحال علي منك.
أتعبيني فهذا موعد التعب لأرواح ظمئت إلى الظمأ أشد من تعطشها إلى الري...أحبك أنت يا أحلى أنفاس هذه الليلة.