روح المثقف وجسارة المنتمي.!

[رداد السلامي]

يتمتع بجسارة خاصة أهلته لنيل وسام شرق المواجهة مع ثلة القتل ، صحفي موجع شجاع يقتحم ولا يستسلم يصنع معجزة الحرية وينطلق بجسارة الواثق ، منذ زمن بعيد يصدح بالحقيقة ويغرد بها كبلبل يخلق صبابات الشوق ولوعات الهوى.

منذ نعومة أظافرة مارس الكتابة انكب يقرأ في الادب والفكر والسياسة والفلسفة نسف المسلمات والثوابت وبدا من جديد رحلة البحث عن الحقيقة ، انتمى الى الحزب الاشتراكي فترة لا تقل عن سنتين تقريبا سبر أغوار الفكر والفلسفة والممارسة، عاد بنتائج علمية وواقعية وأكد ان الازمة الذاتية التي يعيشها انسان الحزب ناتجة عن غياب روح البحث العلمي والازمة النابعة من ذات مشوشة ، كان رداد شغوف بالقراءة والتفكير والكتابة لا يمل من القلم ولا يشبع من رغبة تعزيز عقله بالمعرفة وتزويده بما يجعله أهلا لإدراك الاحداث والوقائع والتحديات وحركة الصراعات المختلفة ومنابع توهجها واشتعالها .

راعي حمارة جده أضحى قادرا على سبر الاغوار واستكشاف الأعماق والنفاذ الى منابع الأشياء ومنشأها ، الطفل الذي كان يمرض في دكة بيتهم القديم تحرر من رعي الحمير ليصبح راعيا للإنسان وبالذات عقله ويقينه أضحى يدافع عن الفكر والمعرفة ويؤكد أن الحقيقة لا تنطمر وإن شوش الزيف نصاعتها وهي تبقى دائما تنثر وهجها في كل مكان يلمحها القادر على الرؤية المتحرر من زبد الأوهام وغثائيتها ، كان رداد ولازال شابا شغوفا بالجوهر يكره الاشكال والتماثيل يتجاوز المظاهر الفارغة ينفذ الى القلب وهناك يمارس هواية التنقيب والبحث والتقليب ، سخر منه الكثير لكنه كان لا يتأثر بسخريتهم فالباحث عن الحقيقة تجده واثق من ذاته من عزمه من رؤيته واقتدراه إنه يدرك ان الساخر غبي لا يستطيع ان يرى سوى القشرة الزائفة التي تحجب الحقيقة.

ذات يوم قالت له امه بإمكانك ان تصبخ شخصا عظيما يا بني بإمكانك ان تترك أثرا في الحياة ان تفعل شيئا يبقيك في الذاكرة الفارغون يا بني ومن لا يثقون بذواتهم يصنعون تماثيل من حجر لأنهم يدركون ان الناس سينسونهم ولذلك نحتوا صورهم على شكل تماثيل اما الواثقون من انفسهم لا يفعلون ذلك خشية نسيانهم..!!

أدركت المغزى من قول امي، الأرض لا تحلم لأن جاذبيتها فقدت الإحساس بالسعادة، إن الانسان بلا ضمير كالتمثال بلا حياة أو روح ، إن آثارك هي الباقية آثار الخير آثار الكلمة آثار الفعل النافع للناس ، من هنا رحت أشق بقلمي غمار التحديات وأتحدى الزيف والظلم والجبروت وأنثر نور الحبر بقوة وأحاول قدر الإمكان تجهز الوعي وتفتيق الامل وحشد الطاقات من اجل تحقيق الانطلاقة الكبرى في مسار استعادة فاعليتنا الحضارية وروحنا الإنسانية التي صنعت التاريخ وحققت التوازن الإنساني ، إن المثقف صوت امته وضميرها وهو روحها المختزنة في ذاكرتها وهو الذي يعيد اكتشاف الحقائق وتفكيك ما انبهم من لعبة الصراع ليضع المجتمع امام مسؤوليته وامام ما يواجهه من تحديات وعقبات تحول دون تحقيق رغبته في الحياة الحرة الكريمة...