على أطراف أحواض مَرَاسِي السُفُنِ من الجانب التي ترتطم السُّفُنُ به كُتَلٌ من البلاستيك المُضاعف أو عجلات السيارات المطاطية لامتصاص صدمات أوزان السُّفُن بما تحمله من جسمها و من محمول عليها.
كلما كانت سرعة السفينة عالية كلما لزم أن تكون تلك الكُتل أكبر حجماً و أكثر قدرة على الإمتصاص لئلا يتأثر المرسى بتلك الصدمات.
إننا كلما واجهنا صدماتٍ من المحيطين بنا لسوء الحظ أو قل لسوء الظروف كلما زادت أهمية مضاعفة الُكتَل النفسية الوقائية لتمتص صدمات الأيام و الليالي.
إن قوةَ ثقتي بالله الرحمن الرحيم الحكيم و هو مُستوٍ فوق عرشه فوق سماواته في أنه لا يقدر لي إلا ما يعلمه خيراً لي إما عاجلاً و إما آجلاً هي بالنسبة لي كتلةٌ قوية لتمتص كل صدمات الزمن القاسي بما فيه من أقدارٍ و أقضية.
إن الصبر على قضاء الله و قدره خصوصا عند الصدمة الأولى هو بالنسبة لي كتلةٌ قوية لتمتص كل صدمات الزمن القاسي بما فيه من أقدارٍ و أقضية.
إن علمي أن كل ما يجري و سيجري على هذه الأرض أو غيرها أنه مُقَدَّرٌ من الله أزلاً ، و أنه لا يمكن لي أو لغيري أن يغير ما وقع أو يتحاذق على إيقاع ما سيقع على غير الطريقة و الشكل المكتوب بل هو مكتوبٌ كما وقع و سيقع قبل أن يخلقنا اللهُ و يخلق ظروفنا جميعا بآلاف السنين ، هذا كله بالنسبة لي كتلٌ قوية لتمتص كل صدمات الزمن القاسية بما فيه من أقدارٍ و أقضية.
و إنما تتأثر بعض أرصفة البشر جرَّاء تتابع صدمات الأيام و الليالي و إما بسبب الذهول المؤقت عن التمترس بتلك الكتل و ذلك بسبب قوة الصدمة الأولى التي تُذهلُ صاحبها ، و على قدر الضعف أو قوة الصدمة ينتج الضرر.
و لذا قال صلى الله عليه و آله و سلم (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) .
و هنا استخدامٌ بيانيٌ مميز ، حيث قصر مفهوم الصبر الحقيقي أو الكامل على الصبر عند أول تأثُّرٍ من الخطْبِ أو المصيبة فكأنه قال: إنما الصبرُ الكامل و الحقيقي هو عند أول مباغتة من العوادي . و ليس معنى هذا أن من لم يصبر عند الصدمة الأولى أنه لا يسمى صابرا.
لذا استحق الصابرون الأجر بغير حساب (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) لجاهزيتهم على استخدام الكتل الإيمانية و المنطقية لصد الصدمات بكل أنواعها سواء الصدمة الأولى أو الصدمات المتتالية.
من الناس من يُصابُ بأخطر الأمراض حين سماع الخبر المؤلم فيتقوض ساحله و يصبح غير صالح لاستقبال أي سفينةٍ في مرساه ، أو ينتقل إلى عِداد الراحلين عن الدنيا بالكليَّة ، و منهم من يزيده ذلك إيمانا فيبتسمُ ابستامة الخبير بطبيعة الدنيا و قانون الحياة.
و لما كان اللهُ جل و علا عالماً بأحوال خلقه حق العلم ؛ بثَّ الكثير و الكثير من هذه الكُتَلِ في الكتاب الكوني و الكتاب السماوي بشقيه : القرءان و السنة ، لنستخدمها واقياً من عوادي الأقدار و نوائب الدهر التي قضاها سبحانه و تعالى لحكمةٍ بالغة .
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) ، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...) ، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
و لا تقتصر الصدمات على المكروهات فحسب بل تشمل حتى المحبوبات للإنسان التي لم يتوقع حصولها و لم تخطر له على بالٍ ، فكم من أناسٍ لم يحتملوا الخبر السَّار فرحلوا بشكل مفاجئ و أعلنوا استلامهم و ضعف مقاومتهم حتى في تلقي الخبر المُفرِح.
و هنا بعض الكُتَلِ لمراسي الخير أو الشر منها ما هو عقلي و تأمُّليٌ و منها ما هو نقلي و شرعي و سأشير إلى بعضها من غير تنصيفِ أو تأصيلٍ علمي :
1-العلم اليقيني و إقناع النفس بأن كل كائنٍ لن يتغير كونُهُ أو كيفيةُ حُدُوُثِهِ بِحِرْصِكَ مهما فعلت (يا غلامُ ، إني أعلمك كلماتٍ : "... واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوكبشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك" ، "وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لميضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" ، "رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ")
2-الرضا عن الله ، و يشمل ذلك الرضا بأقداره و اقناع النفس أن في كلٍ خير. (رضي الله عنهم و رضوا عنه) ، بل عليه أن ينتقل إلى مرحلة الشكر على القضاء و هي أعلى مراتب الرضا و منازل السالكين.
3-إقناع النفس بالعلم اليقيني أن ما قدَّره الله فهو لحكمة بلا أدنى شك . فهو الرحيم و في نفس الوقت فهو الحكيم ، و من رحمته أن جعل الأمر هكذا ، و من دعاء نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم : (و الشَّرُّ ليسَ إِلَيْكَ).
4-أن المفسدة الحاصلة أو الشر –حسب الظاهر- أخْيَرُ للمرء و أنفع مما يُحِبُ و يأمَلُ ، فالمرءُ لا يعلم حقيقة مصالحه على التمام و الكمال نظراً لقصور علمه و حكمته ، لذا كان محتاجا إلى نواميس يتبعها و يهتدي بها.
5-أن التفاعل مع المصيبة بشكل سلبي له عائد سلبي مضاعف ، و هذا يعني عدم قدرة المرء على التعامل مع آثار المصيبة مستقبلاً ، ما يعني أن اكتراثه بها إلى حد مُضِرٍّ حتما سيجعل المصيبة مصيبتين:1-المصيبة نفسها
2-المرضُ و الضعف و التعب .
و كان يمكنه حصر الضرر إلى ضررٍ واحد لو تفهَّم الأمر و تعامل معه بعقلٍ و حكمة و رضا عن الله.
6-أن ارتباك العقل و اهتزاز سيطرته على الحدّثِ يتسبب في اختلال التعامل مع المصيبة ما يعني تحوير مسارها إلى منحى أخطر من حقيقتها و أكبر من حجمها.
أخيرا و ليس آخراً:
السعيدُ من جُنِّب المصائب (و هذا نادر ) ، و لكن الأسعد منه من جرب الكثير منها و خرج منها بخبرات و قناعات ناهيك عن الأجر في الصبر عليها.
و تجدر الإشارة إلى أن الضعيف الذي لم يحتمل الصدمة الأولى أنه غير آثمٍ لأنه تكليف ما لا يُطاق و هو منفيٌ في شريعتنا الغراء ، فاستحق المقامُ أن نقرأ قول الله تعالى :
(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين)
فالمصائب أحيانا ليست بقوة صدماتها و إنما هي بقوةِ أو ضعف مُتلقيها .
( ... ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به و اعف عنا)
أمنياتي أن أكون ذكَّرتُ أو أفدتُ أحداً..
و دعوة لأبي بالرحمة و المغفرة تعدلُ ألف كلمة شكر.