الشاعر خالد الذيالب
* شاعر يوشوش المحار
كان يتسرب إلى الدنيا بهتاف يخوض غماره التميز وذلك عبرالِصبا وقسمات الشباب , هو مبدع يمعن في المسير وأحيانا يتوقف ليلتقط أنفاس الحرف ثم يعاود السجال.. رجل امتشق الفلسفة في ساحات الجمال فبات الفارس الذي يبارزالأصوات الهزيلة على ساحة الرقي ..
كان يسترق البهاء من نفحات الشوارد .. ويسيل القلم بين أصابعه ليُسبل التنهيد قطرات والحروف عبرات في رحاب القصيد , وحين يتفرس الدنيا بحدق الذهول .. يلقي بقامته بكل إرتخاء في دجى البحور .. بحور مائجة من المعاني والجواهر الشعرية وهمسات اللالئ .. بحوريسبك نفائسه لتكون قلادة من أصداف الجمال عند بزوغ الإلهام وشيوع بوادر الروعة , وما بين إشراقة البوح وغروب الألم يمسك بأصابعه محار الشعر .. يمسكه ويوشوشه بأجمل الحكايا ..
شاعر هو .. إجتاحته مراسيم الإبداع وأشبعته هطولا .. شاعر يرتقي الغيم ويضاحك قطرات المطرليهطل البوح .. شاعر إلتقاه ذات بداية طيف بهي وأبى إلا أن يوشمه بالبهاء ..
خالد الذيابي .. مفارقة فلسفية على متن الزمن .. شاب في الثلاثينات من عمره , درس الهندسة واتخذها مهنة .. وعلى الأرصفة المتكوم عليها أرتال من مواد البناء كان يهمهم بعبارات الشعر أمام خرائطه المعمارية .. شاعر إستضفناه ها هنا .. ليكون معنا ضيف من عالم السِحر فيما يلي :
* دعنا نقترف في حلولنا توا الفضول .. فتفاصيلك تنضح .. بمواقف.. وفصول .. من أنت سيدي ؟
- أنا من خُتم على حضوري إلى هذا الفناء بأن الشمس أفاقت على صرخة مولود أيقظتها من كسل النور فأشرقت قائلة أن الحياة ذاهبة إلى العدم , فكنت أنا والفرح نتمرغ بين جنبات دنيا توشك على الرحيل وفي بيت تدخله الشمس ويتسرب الادب من بابه الواسع .
* بين حدائق الطفولة تزهر رياحين الذكرى بروائح تحمل تعابير بيضاء لوجهك .. هل كان عبير طفولتك عبق بالروعة أم ماذا ؟
- طفولتي صوت يسكنني ولا يصمت أبدآ , ويمكنك القول بأنها التمتمة التي توسوس لي أحيانا بأن أخلع رجولتي لأكون مجرد صبي مشاكس في حجرة الزمن .. ثم من قال ان العبير ليس ابتكارا طفوليا . وأن الشذا ليس نبتة من بساتين الزمن ..! من هناك .. من ذلك الوقت الذي أعده فارقة هامة في عمري .. إنطلقت أركض على الدروب وألوث وجهي ببقايا الغبار والتعب والعرق أنا وصحبي حيث للدنيا هناك لها طعم الحياة والحرية النقية .. فكانت أمي بلمسة يدها تجعلني كائنا نورانيا . و ابي بابتسامته التي تصافحني كل صباح كان يزرع بداخلي حقولا وغيمات . لذا فقد كانت طفولتي ممتعة حتى لمن شاطرني إياها وإن كانت لا تخلو أحيانا من القسوة والشقاوة حيث كنت أعيشها أحيانا طفل بثياب رجل .
* وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.. انت .. كيف كانت نشأتك .. وعلى ماذا تعودت ؟
- كبرت وأنا أحمل في يدي قرص الشمس وكأس للقصيد لا ينضب بينما أسير وأتعثر أحيانا مع قافلة الشعر , وربما كنت اركض خلفها فألحق بها.. أو أتخلف عنها .. وأبي كثيرا ما كان يجلسني إلى موائده الشعرية الخاصة فيسمعني أبيات وقصائد شتى فأحفظها حتى ترسخت بي .. فترعرت والشعراء ينامون معي على وسادتي ويشاطروني التنفس والحياة .
* الذنب هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس , أتملك الجرأة لتسر لنا بأكبر وأهم عيوبك ؟- أقر بوضوح وصراحة بأني أقترف الكثير من الهفوات لكني لن أعترف بتفاصيلها .. هذا طبع الإنسان عمومآ أن يُخفي عيوبه .. فمتى كنا نملك الجرأة لنقف أمام المرآة وننظر بدقة إلى الجانب الآخر منا .. متى كنا نملك الجرأة لنستمع في الهزيع الأخير من الليل لأنفاسنا الزافرة بالخطايا .. لكنني أعدكِ. عندما استطع دلك سأخبرك .
* كيف حدث وأن أتتك أطياف الخيال بصدفة مسرفة في الإبداع ونسجت فيها أولى قصائدك ؟
- كنت غلام لا أفقه من أمور الهوى شيئآ حين مرت من أمامي فتاة كانها ريح الخماسين فأقتلعتني من تربة العقل و أنتزعت معها كائن صغير جدا جدا يقال أنه القلب وغرست في صدري كائن هرم تصورته قلبها هي . . منذ هذه الصدفة تعلمت الحياة والحب فقلت اول قصائدي فيها و لم تنتهي القصيدة حتى الآن .
* وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام .. ما حجم الخسائر والأثمان لديك من مغبة طموحاتك الباهظة ؟- أنا أحزن كثيرا على هذا الجسد كلما اراد ان يصبو للسكينة ساطته الروح بلهيبها فانتفض خاضعا لمرادها الذي لا يهدأ . كم حاولت أن أنفلت من هيمنتها فيدركني الفشل . سيدتي دعيني وجسدي نزاول الخيبة والألم . فقد دفعتُ أثمان وخسائر كثيرة لأكون أنا ..
* أشعلنا للتو سراج المصارحة لنبدد عتمة الحيرة .. فما الفرق بين الشاعر والمهندس خالد على نقيضي العطاء العلمي والأدبي ؟
- أنا .. شاعر تحركني النسمات ويؤثر بي ضوء القمر .. وهو كائن متعدد المواهب فتجديه في الصباح يرتدي قناع المهندس الجاد و بعد الظهيرة يخلعه ليعود رجلآ عاديا يمارس الحياة والبهجة . وقد يحدث أحيانآ أن لا يصمد القناع .. فيعود ليتوحد مع الشاعر والرجل وشخصيات أخرى ..فيصبح مخلوق لا أقدر على وصفه ..
* طفلة شاحبة هزيلة تبكي وتمسك بيد شيخ كفيف لتعبر به الطريق .. بتصورك .. ما السبب في بكائها ؟
- لعلها يتيمة وفي رعاية هذا الشيخ الذي تخشى رحيله ليتركها وحيدة .. وربما لما ينتظرها من مجهول فتبكي تستنجد بالله كي يرأف بها في أحداث الليالى القادمة كالرحى والدائرة بقسوة الوقت مستبده .
* عندما تأوي إلى الضجر في ليلة تشحب فيها معايير الأَنس .. بماذا تبدد أوقاتها عادة ؟
- أعيد قراءة الليل و أتهجأ سكونه .أستمع جيدآ إلى همسات الوقت وهو يمر ثقيلا وغير محتمل ..
* كم هي عصية الأحلام على التجسد في طقوس الواقع .. ما بالها الأمنيات البيضاء لا يتحقق منها إلا النذر اليسير ؟
- ما ياتى بسهوله يذهب هباء مع الريح , ولولا الاحلام لما ُصنع التاريخ سيدتى .. والأمجاد لا تُشيّد الا على سواعد الصعوبه فالسهل كلنا نستطيع تحقيقه بطرق ملتوية .. المهم أن يكون الطريق مستقيم حتى ولو كان فيه من العوائق الكثير .
* في سبات عميق .. استغرقنا الخمول وغطيط الكسل وراء أسوار التاريخ .. متى تفيق هذه الأمة ؟
- هل من المهم جدا ان تفيق..؟ أنا أظن أن تظل نائمة خير لها من الهول الذي يحضر مع يقظتها .. كم اخشى ان تستيقظ أيضآ الفتنة فنحن غير مهيأين للحظة الأهوال القادمة .
* غُلت أبصارنا .. ونحن نلاحق أطياف للشعر أنارت .. فأشعلت .. ثم إلى الظل استحالت .. لماذا يحدث هذا ؟
- قد تكون أبيات لم تشتعل جيدا فخفت نورها .. وقد تكون أبصارنا كُلّت من متابعة الضوء .. وأعتقد في بعض الأحيان أن الشعر يسكن الروح نورآ لا تدركه الابصار انما يعبر كنيزك في سمائنا فيختفي من امامنا بينما يواصل المسير .
* علام هذا الانين بات صاخبا في محاجر الشعر , أين ذهبت ضحكات القصائد ؟
- ذهبت ربما إلى غير رجعة لكم الحزن المغيم على واقعنا .. فأصبح الشعر سلعة أحيانا انتهت صلاحيتها ولا تضحك إلا للزيف للوصول إلى النجومية بشتى الوسائل وربما للمتاجرة به فتأملي جيدابعض القصائد التي أصبحت صفراء ذابله في ظل توفر القنوات والاذاعات والمجلات وعلينا أن نعيش بظل بطاله مقنعه للشعر حتى يعود للشعر بريقه النظيف فى أحد الايام .
* قبل أن نمضي سيدي , هلا عطرتنا ببخور شعرك كي نرحل ؟
- قبل المضي أنا شاكر ومقدر لابجديتك الراقيه سيدتى واتمنى أن اكون شاعر خفيف الظل عليك وعلى جمهورك الكريم ..
ولكم من حديث الروح اعذبه وأحبه إلى قلبي :
كـم ميـتٍ يحيـه ذكّــر الجمـايـل
.........................................وكـم عايـشٍ كنـه مكفـن بتابـوت
أنا أشهـدٍ ..المـوت مـوت الفعايـل
......................................هذا الصحيح إن طّروا .. الذكّر والموت
زود الرجـال بطيـبـات الخصـايـل
..........................................ماهو بـزود المـال فضـة وياقـوت
عجز الطبيـب بفعـل كـل الوسايـل
.........................................ولا عاد ينفع طب مـع فايـت الفـوت
هـذا القـدر ماضـي ولابـه بدايـل
....................................وإليا أنقضي المكتوب ما ينفع الصوت
يـارب تجعلنـى لرحمـتـك نـايـل
.........................................يامخرجٍ ذا النون من ظلمـت الحـوت
رحمتـك يـا رزاق معطـي الجزايـل
.........................................وأعوذ في رحمتك مـن كـل ممقـوت
دمـع النـدم بالعيـن صايـل وجايـل
..........................................لاشك مـا أبديبـه لعـاذل وشامـوت
أغفـر لعبـدٍ بيـن الاخصـام مايـل
.......................................النفس .. والشهوات .. وإبليس مفلوت
نخطي وننسي حشـر يـوم الهوايـل
............................................لاشك حشـر الاخـرة شـي مثبـوت
يالادمـي كـم تتبـع قــول قـايـل
........................................وأنته تعرف العمر ماضـي ومحتـوت
للغيـب لـو نملـك رسـوم ودلايـل
..........................................ما شفت لك مفتون فى لقمـة القـوت
الموت حق وثبّـت .. والشـك زايـل
..........................................بس المصيبة .. وش ورا سكرة الموت
كل التقدير لضيفنا الشاعر خالد الذيابي
وللمتابعين الكرام