[ طفلي البالغ من العمر 7 سنوات أتى إلى الحياة بتشوهٍ خَلقيٍّ في القلب , لم نجد علاجاً لهُ و بعدَ ان قُمنا ببيعِ كلِّ ما نملك للذّهابِ إلى أوروبا و زرعِ قلبٍ اصطناعيٍّ له , لم يستطع الطّفل أن يعيشَ حياتَه ككلِّ الاطفال , قائمة المحظورات كانت أوسع بكثيرٍ من من قائمة المسموحات ,
طفلي اليوم يعيشُ حياةً سعيدة , لقد تمّ زراعةُ قلبٍ لهُ من متبرّعٍ لا نعرفه , هو الآن يستطيع اللعب و الكلام عن المستقبل بعدَ أن كانَ يعدُّ الدّقائق لموته ]
في ظلِّ تطوّر العلوم الطّبيّة و كثرة الأبحاث العلميّة الّتي أدّت إلى ايجاد علاجاتٍ لأمراضٍ و عللٍ كثيرة , يبرزُ لنا التّبرعُ بالأعضاء كحلٍّ ناجعٍ للكثيرِ من الامراض و الاصابات و التّشوّهاتِ التي لا علاجَ آخر لها ,
و ما بينَ رأيِ المجتمع و الدّين و مشاعرِ الانسان بينَ قبولٍ و رفضٍ للأمر , يأتي رأي العلم و محدوديّاتهُ لعمليّاتِ تبرّع الأعضاء :
من يستطيع التّبرّع ؟
كلُّ انسانٍ يستطيعُ التّبرع بعضوٍ من جسمه شرطَ ان يكونَ العضو سليماً و لا يؤثّرُ التّبرعُ بهِ على حياةِ المتبرّعِ أو يؤدّي إلى أذاهُ في وظائفِ جسمه .
بعدَ وفاتِهِ يستطيع الانسان التّبرّع بجميعِ أعضاءِ جسده , هذهِ الوفاة تسمّى طبيّاً بالوفاةِ الدّماغيّة , حيثُ تعملُ اعضاءُ الجسدِ بمساعدةِ الأجهزةِ الطبيّة المختلفة عدا دماغهُ الّذي يكونُ قد توقّفَ عن العمل و يتمُّ تحديدُ ذلكَ عن طريقِ الفحوصات المختلفة كالتخطيط الكهربائي للدماغ و فحص حدقة العين و التأكّد من أنَّ عملَ الدّماغ غير متأثّرٍ باصابةٍ أخرى , يمكنُ لهُ أن يعودَ للعملِ بعدَ أن يتمَّ رفعُ تلك الاصابة , كما أنَّ الموتَ الدّماغي يجبُ أن يتمَّ تشخيصهُ من قِبل طبيبين موثوقين على الاقلّ .
و تحدثُ الوفاةُ الدِّماغيّةُ غالباً نتيجةَ حوادثِ السّيرِ أو تلقّي ضربةٍ قاسيةٍ على الرأس تتسبّبُ بأذىً و نزيفٍ دماغيّ من الدّرجةِ المتقدّمة , أو قد تكونُ ناتجةً عن مرضٍ دماغيّ .
بالنّسبةِ للأعضاء التي يمكنُ التّبرعُ بها و نقلها إلى جسدٍ آخر فهي القلب , الرّئة , الكبد , الكليتين , البنكرياس , الأمعاء و أقسام من الجلد إضافةً إلى القرنيّة , العظيمات السمعيّة في الأذن الوسطى , دسامات القلب , أجزاء من الأوعية الدّموية ( الشرايين و الأوردة ) , السّحايا الدّماغيّة , خلايا عظميّة , خلايا غضروفيّة و أجزاء من الأوتار .
و اليوم يعيشُ عددٌ هائلٌ من النّاسِ في انتظارِ معجزةٍ تأتي لهم بعلاجٍ أو عضوٍ بديلٍ عن أعضائهم التّالفة , و يموتُ الكثيرونَ منهم لقلّة عددِ المتبرعين أو لعدمِ قدرتهم الماديّة على السّفرِ للخارج حيثُ يستطيعونَ الحصولَ على عضوٍ بديل , أو دفعِ سعر عضوٍ بديلٍ في سوقِ نخاسةِ الأعضاء الّذي تستغلّه مافيا الأعضاء معتمدةً بذلك على السّرقةِ و التّجارةِ و الخطفِ و القتل .
في أوروبا مثلاً جمعيّةٌ للتّبرعِ بالأعضاء , يقفُ فيها الكثيرُ من الناس على لائحة المحتاجين لعضو و يتمُّ ترتيبُ هذه اللائحة وفقَ معاييرٍ معيّنة كالعمر و مدى الحاجة و النّفع المرجوّ من النقل و البعد المكانيُّ للمتبرِّعِ عن المتبرَّعِ لهُ , و في بعضِ الدّولِ كالنّمسا مثلاً يُعتبرُ كلُّ ميّتٍ متبرعٌ بأعضائه مالم يتمَّ ابرازُ وثيقةٍ تُثبتُ أنّهُ أوصى بعدمِ أخذِ أعضائه من جسده و بهذه الطّريقة ازداد عدد الأعضاء المنقولة في السّنوات الأخيرة بشكلٍ ملحوظ .
إنَّ النّاظرَ للموضوعِ بعينِ الانسانِ السّليمِ الذي لا يحتاجُ لعضوٍ بديلٍ , قد يجدُ أنَّ الأمرَ برمّتهِ غيرُ معقولٍ أو مقبولٍ , و لكنّهُ حينَ يحتاجُ يوماً لذلك أو يرى شخصاً عزيزاً عليه محتاجاً لعضوٍ بديلٍ , فإنَّ نظرتهُ للأمرِ قد تتغيّر .
:
و أخيراً :
ما رأيكَ بالتّبرعُ بالأعضاء ؟ و هل أنتَ مستعّدٌ لفعلِ ذلك ؟ بأيّ أعضائكَ ستتبرّع ؟