"
"
ـــــ
المدخل...
قال أبو الطيب :
أريقك ، أم ماء الغمامة ، أم خمر
................... بفي برود وهو في كبدي جمر
أذا الغصن, أم ذا الدعص أم أنت فتنة
................... وذيا الذي قبلته.. البرق أم ثغر
رأت من أهوى بوجه عواذلي
............... فقلن نرى شمسا وما طلع الفجر
رأين التي للسحر في لحظاتها
................ سيوف ضباها من دمي أبدا حمر
تناهى سكون الحسن من حركاتها
................ فليس لرائي وجهها لم يمت عذر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدخل المدخل
يزعم ذلك الدكتور الذي يجلس خلف ذلك المكتب الفاره ذو الألوان المتناسقة مع عدم التناسق أن شعراء البلاط في عصور الأدب العربي شحاذون..
لم أكن أعرف في تلك الحقبة الذي ترمي إليه كلمات ذلك الدكتور( ال........) إلا أنني كنت أدرك أنه يغار مثلما تغار المر..... من بنات جنسها لأنه كان شاعرا مهمشا.... من قبل شعراء جيله...
ولشدة إعجابي بأبي الطيب كنت أحس أن الشتيمة له شتيمة لأبي لذلك كنت أغضب ولكن في قلبي لأنه دكتوري ومصير الطالب الأكاديمي لدينا تحت ذلك القلم المتهالك في يد ذلك الدكتور الفخري...
إلى .. أن قرأت وبإمعان قول أبو الطيب :
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى
.................. ولا تتقي حتى تكون ضواريا.
وعلمت أن الطوى هو الجوع عذرت ذلك الدكتور الذي لا أعلم أين قذفت به صروف الأيام...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التمهيد...
لماذا ينجح الشعراء الشحاذون أكثر من غيرهم ؟
هل أبو الطيب شاعر شحاذ؟
كيف وصل أبو الطيب إلى ما وصل إليه؟
..
..
..
كل هذه تساؤلات تترامى في أحضان إجابات من مرود التعبث بعقل القلم.. عفا..( الكيبورد...)تبحث عن إجابات مما تبقى من حروف أبي الطيب المتنبي...
فإلى حديقته التي كل ما ذبلت أوراقها بكت عليها سماء إبداعه كل سنة ..ليلة مقتله..
ــــــــــــــــــــــــ
الموضوع..
بدون الترتيب الممل لدى أساتذة النقد وبعفوية الطرح..
..
ربما تتناول الأعين هذا المقال بالهمز واللمز, ولكنني سأقطع ذلك من وريده..
سيدي القارئ.. لقد اخترت المتنبئ لأنه المتنبئ فليس في الشعر فصيح و ( شعبيه ) أفضل من المتنبئ بإجماع أفواه وأقلام النقاد الكبار..، أما فقاعات الصابون فليست إلا فقاعات صابون..
كيف أصبح المتنبئ شاعرا شحاذا ؟
لننظر إلى حياة أبي الطيب من أين بدأت وكيف سارت ..
ولد أبو الطيب المتنبئ..في الكوفة وكان علوي النسب سنة303هـ وأقام بها حتى صار فتى , في هذه الفترة كان يقول الشعر وبالرغم من ذلك لم تعرف عنه إلا بعض القصائد التي اعترف هو بها بعد ارتفاع قدره وسمو مكانته بين الشعراء..
خرج من الكوفة لما اشتد ساعده..وهنا بدأت قصة الشحاذة معه إذ.. ادعى أنه علوي النسب فقبض عليه وسجن.. وهذا كما يدعي ( محمود شاكر ) ما ينفي عن أبي الطيب تهمة التنبؤ التي ألصقت به.. لسنا هنا في مقام الدفاع عن تهمة ادعاء النبوة ولكن في مسألة شحاذته..
خرج من السجن ومكث في بلاد الشام هائما على وجهه يمتدح هذا ويطلب ذاك ويتهدد و... و... و... ثم عاد إلى الكوفة. ثم الشام وطريق السعد الذي أسقطه في يد أبي العشائر وسيف الدولة الحمداني ورحلة الإبداع لدى أبي الطيب المتنبي بحق الله لم يبدع شاعر مثل إبداعه وهو يستجدي سيف الدولة وسنأتي على بعض أبياته ..
حدث ما حدث وخرج أبو الطيب من عند سيف الدولة إلى كافور الإخشيدي وأخذ يتملق ويمتدح القن بما ليس فيه عله يجد بين يديه ما يرمي إليه..علم كافور نية هذا الشاعر المنافق فأخذ يماطله كل يوم بآخر إلى أن أراد قتله ففر أبو الطيب إلى الكوفة ومنع من دخولها وماتت جدته وهو على أبوابها فذهب إلى شيراز وعاد وقتل في الطريق..
حياة مليئة بالمفاجآت والكوارث والسجون والهم والغم والتملق والنفاق ومدح من يستحق ومن لا يستحق وهجاء من هو أعضم شأً ربما من المتنبي نفسه ؛ كل هذه الأمور كانت هي السبب الأكبر في أن يكون المتنبي شاعراً شحاذاً .. أي مبدعاً ..
وهكذا دواليك دواليك على بقية الشعراء الشحاذين.. لم يصعد قمة الإبداع شاعر إلا ارتشف الكأس من يد القدر الذي يملأ له الكأس على غير ما تشتهيه نفسه حتى تشعل جذوة الإبداع في صدره .. ويعمي دخانها عينيه فلا يرى إلا ما تريده نفسه من أكف الآخرين ..
وإلا كيف قول أبي الطيب..
جاد الأمير به لي في مواهبه
........... فزانها وكساني الدرع في الحلل
وأنظر إليه وهو يصف انتصار سيف الدولة على الروم ويدخل الدراهم والذهب ..في النص ..ربما كانت عفوية منه إلا أنها نوع من الشحاذة التي تمتزج بدم العفوية المصطنعة.. رغم أنّ الأصل عطاءٌ وليس أخذ .
نثرتهم فوق الأحيدب كله
.......... كما نثرت فوق العروس الدراهم..
أنظر إلى هذه الصورة وأسلوب الشاعر فيها...
وربما وصل التملق بالشاعر الشحاذ إلى درجة التجاوز .. لأجل أن يصل إلى مراده..
وقفت ومافي الموت شك لواقف
............... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
.................. ووجهك وضاح وثغرك باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى
................ إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
حتى وإن وصل هذا الممدوح في نظر الشاعر إلى هذه الدرجة من العظمة والقوة والإعجاب يجب أن يعلم أن ثمة أشياء يجب أن يقف أمامها المسلم وإلا ما فرقه عن غيره من الخلق.
لست هنا في مقام التحليل النقدي لما قاله أبو الطيب وما وقع فيه من أخطاء .. كل الذي أريده أن يدرك القارئ الكريم أن أبا الطيب هو الرمز للشعراء الشحاذين..
لقد عاش أبو الطيب متشردا بين كفوف الأمراء والكرماء يعيش برحمتهم ويكسر ضلوعه ليشعل لهم نار من قصائده يدفئ بها برد أذواقهم ..
طلب النسب المشرف فلم يحصل عليه فذهب يتسول العزة والرفعة في أحضان أمراء الدويلات الخارجة ربما حتى على حكم الخلافة الأم ..
مات الرجل الفحل الذي لم يتجرأ أن يمد به النسب لسيف الدولة رغم الحب الذي كان يقطع أنياط قلبه لخوله.
ويترك نفسه تغرق في حزنها وهو يرثيها ..
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
............... .فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه كذبا.
........... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي..
نقطة أخيرة..
لعمري لم ولن يأتي شاعر يستطيع الوصول إلى شيء مما وصل إليه أبو الطيب فليت شعراءنا الشحاذون اليوم في هذا الزمن الأغبر أن يتسولوا كأبي الطيب..
رحمك الله يا أحمد بن الحسين