[ حكم .. قراقوش ]

[إغفاءة حلم]

في برد الشتاء .. ورائحة المطر ..
دائماً تكون الذكريات الدافئة هي ملجأنا الوحيد ..

قادني .. بحثي عن الدفء .. في التقليب ..
حيث دفاتر الدراسة .. وكتبها ...

حيثُ كان هُناك بين سطورها .. تعيش ألف حكاية وحكاية ..
فيها خبأت الكثير من وجه صديقاتي .. وأدق تفاصيلهن ...

في سنة أولى كلية .. أتذكر أنه درسنا عن حكم قراقوش ...
وكان الدكتور قد أعطانا جُزئية .. بسيطة ولم يُسهب في حكمه ...
لإضطراره لأن المحاضرة كانت على آخر أيام السنة الدراسية ...
فأعطانا الجزء الذي يريده فقط .. وقال من تريد أن تتوسع ... فلتبحث ...

ومنذ ذاك اليوم وأنا قررت أن اتوسع في حكمه .. لكن بعد ماتنتهي الإختبارات.. بسلام
مرت السنون .. وقراري وقف التنفيذ .. اليوم فقط تذكرت هذا القرار ...
اي بعد خمس سنوات ونصف ..

ـــــــــــــــــــ

درسنا في التاريخ .. أنه إذا أردت أن تعرف تاريخ قوم .. فانظر إلى أدبهم ...
فهو المرآة الحقيقية .. لحال الأمة ...
ودرسنا أنه يجب على الناقد التاريخي .. لايجعل أي موثوقة تمر من تحت يده ...
دون أن يتفحصها بعين العقل والوعي ...


سؤال يدور في ذهني ...؟!
تُرى هل دائماً مرآة الأدب صادقة ..؟!
وهل كل كذبة تُحاك بالأدب يمكنها .. أن تعيش كحقيقة ..؟!

نعم هذا .. ماحصل مع قراقوش ..
فحكم قراقوش ... الذي نتداوله كمثل .. في الظلم ..
لم تكن سوى كذبة .. ألّفها ابن المماتي .. وتداولها الناس كحقيقة ...
هكذا كان سلاح القلم .. يفتك .. بحقيقة .. هذا الحاكم ..

ووحدهم التاريخيون .. الحق .. من يستطيعون ... انتقاء الحقيقة ..
وتخليصها ممايشوبها من تلفيق ... من خلال أدق التفاصيل التاريخية ...
التي عرفوها عن أي عصر ...

فماالذي يجعل حاكم وقائد كبير كصلاح الدين الأيوبي يختار ...
شخص كقرقوش ... لا يُتقن الحُكم .. ليُعينه .. حكماً على احد أملاكه ...

من هو قراقوش الحقيقي ..؟!

هو أحد قواد بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي كان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه
وكان قائداً مظفراً وكان جندياً أميناً وكان مهندساً حربياً منقطع النظير .

وكان مثالاً كاملاً للرجل العسكري إذا تلقى أمراً أطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير ،
وإن أمر أمراً لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة بلا اعتراض أو تأخير أو نظر .

وكان أعجوبة في أمانته ، لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر ويحملون منها ما يخف حمله ، ويغلو ثمنه ،
وكان القصر مدينة صغيرة كدس فيها الخلفاء الفاطميون خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس مالا يحصيه العد ،
ولو ان عشرة لصوص اخذو منه ما تخفيه الثياب لخرج كل منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد .

فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر
فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكؤوس والبسط المنسوجة بخيوط الذهب ما لامثيل له في الدنيا ،
هذا فضلا عن العرش الفاطمي الذي كان من أرطال الذهب ومن نوادر اليواقيت والجواهر ومن الصنعة العجيبة ما لا يُقوم بثمن

وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات والمئات من الجواري المتحدرات من كل أمم الأرض ما يفتن العابد ،
فلا فتنه الجمال ولا أغواه المال ، وفّى الأمانة حقها ولم يأخذ لنفسه شيئا ولم يدع أحداً يأخذ منها شيئا .

وهو الذي اقام اعظم المنشئات الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين،
وإذا ذهبتم إلى مصر وزرتم القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة
فاعلموا أن هذه القلعة بل المدينة العسكرية اثر من آثار قراقوش .

وإذا رأيتم سور القاهرة الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش العين فاعلموا أن الذي بنى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش .

ولما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت تقع بينهم الحرب ما كفهم ولا ردهم إلا قراقوش .

ولما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيا في التاسعة جعل الوصي عليه قراقوش ،
فكان الحاكم العادل والأمير الحازم أصلح البلاد وأرضى العباد .


ويُقال أنه لشدة حزمه ... وعدم تهاونه .. ثار عليه .. ابن المماتي ...
فكان الكُل يخشى قلم ابن المماتي .. عدا .. قراقوش ...
مما جعل .. ابن المماتي يستغل .. غضب الناس .. على حزم حكم قراقوش ...
ويقوم بتأليف .. كتاب .. [ الفافوش في أحكام قراقوش ]...
وهو عبارة عن قصص .. ساخرة .. بحكم قراقوش ...
مُبالغ بها ... لاتمت للحقيقة بصلة ...
والحقيقة تكمن فقط في قصة
[يحكى أن رجلا جاء يشتكي لقراقوش ان لصآ سرق دجاجته واحضر شاهدا على ذلك .. فأمر قراقوش بسجن السارق لثبوت التهمة عليه ..
وأمر بسجن المسروق أيضاً لأنه لم يحرس دجاجته جيدا حيث وجد أنه كان متهاوناً جداً ]
وكان جُلّ غرضه من ذلك أن يلفت الناس بعين الجد لوضع الحروب المشتعلة ...

هذه القصة الحقيقية .. استغلها ابن المماتي ... وألف عليها الكثير من القصص الساخرة ...
وكان صنيع قراقوش الحازم هنا .. قد فتح منفذ لسُخرية ابن المماتي ...
وباب لأن يجد الشعب فيه متنفس .. بعيداً عن حزمه ... فأخذوا بتداول تلك .. القصص الساخرة
التي لاتُنصف .. قراقوش وسياسة الحزم التي اتبعها وقت الحروب المشتعلة آنذاك ...


هكذا .. استطاعت كتب الأدب .. التي كان يظنها .. البعض مرآة صادقة ...
لايعتريها الكذب لا من خلفها ولا من أمامها .. في نظرهم ومعتقداتهم ...
بأن تجعل شخصية قراقوش ..الكاذبة .. حقيقة ..
وطُمست .. شخصيته الحقيقية كقائد ... وذهبت أدراج الريح ....

وها انا أُكرر السؤال ...


تُرى هل دائماً مرآة الأدب صادقة ..؟!
وهل كل كذبة تُحاك بالأدب يمكنها .. أن تعيش كحقيقة ..؟!
تُرى كم حقيقة بشعة تسكن صاحب القلم ..
نامت بسلام خلف ستار الحروف ؟!
هنا لاأُشير بأصبع الإتهام .. لكل حرف ..
ولكن إلى متى نبقى .. نظن ان كل حامل قلم ..
هو حامل رسالة .. صادقة ...
إلى متى نظل .. نحمل بعقلونا .. محكمة ..
قراقوش .. الظالمة ...
دون أن نجعل للحق والباطل ...
طريقان مختلفان يُميزهما العقل ..
دون أن نخضع .. لإعتقاد بالي وهرء.. لمرآة الأدب الصادقة .. التي لاتكذب أبداً

ــــــــــــــــــ
هي أول محاولة لكتابة مقال تدخل طور التنفيذ .. بالنسبة لأفكاري التي ولدت ودُفنت في وقتها