ولد الشاعر في العام 1922 وتوفاه الله في العام 1980 رحمه الله
فهو شاعر عز نظيره في تلك الفترة وحتى الأحقين
فهو مختلف في كل شيء فأن كان قيس بن الملوح قتيل عشق الأزمنة الغابرة فهو قتيل عشق القرن العشرين
هو شاعر الحب والجمال بلا منازع
عشق بنت الحي وهو إنسان فقير فلم يزوجوه بها فكانت صدمة عليه فلم يتزوج طيلة حياته
عاش معلم للغة العربية وكان يحمل في دواخل نفسه تلك الصدمة حتى اصابه الجنون قبل بلوغ سن الخمسين وتوفى وعمره 58 وهو في مشفى الطب النفسي رحمه الله
وكا عادة الإعلام العربي لا يتعامل إلا مع أصحاب الذوات أو اصحاب المال لم يذكر الإعلام العربي حتى وفاته
أكثر أنتاجه لم يعثر عليه وقد جمعوا محبيه بعض قصائده ونشرت في ديوان بعد وفاته باربعة اعوام وكذلك اختفى هذا الديوان في ايد المعجبين به ولم تعاد طباعته فلم يتبقى له أثر للأسف
انه شاعر من طراز مختلف شاعر رقيق مرهف الأحساس شاعر يحسس القارئ بأنه من يكتبه
يمتلك ملكة شعرية مختلفه ومقّدره جبارة
فهو في هذا المقطع من قصيدة طويلة كانت كلها على نفس النهج لم يتبقى منها إلا هذا المقطع
فهي غريبة الأطوار تقرأ القصيدة عموديه وتقرأ افقية وتعطيك نفس الناتج والمعنى أما قلت لكم أنه شاعر مختلف ؟!
ألوم حبيبى وهذا محال
حبيبى افيك الكلام يقال
وهذا الكلام غداة الجمال
محال يقال الجمال محال
وهنا له ندب للحظ عجيب ربما قراه البعض ولكنه لا يعرف من كاتبه
إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح: اجمعوه
صعُب الأمرعليهم.. قال قوم أتركوه
إن من أشقاه ربي.. كيف أنتم تسعدوه؟
وكذلك من روائعة مع أننا لم نعثر إلا على القليل جدا جدا
أمسيت أصداء وذكرى يا لحظة بالخلد أحرى
ماكنت إلا صفحة فاضت علي سني وبشرا
نضحت كعاطرة الورود وقصرت عن تلك عمرا
ضاعت ولكن خلفت نفسا علي الايام حسري
لك يا قضارف روعة تركت شعاب النفس سكرى
قامت حواليك الهضاب فأظهرت تيهاً.. وكبرا
زفت من الافق البعيد لأعين الرواد بشرى
زرقاء تحسب أنها غيم تجمع بعد مسرى
حتي إذا انحسر القناع تجسمت للعين صخرا
جئنا وأطيار الخريف صوادح يبنين وكرا
والصيف آذان بالرحيل فودع الايام...سرا
والارض حالمة تخبىء للخريف ندي وعطرا
حتي إذا حيا غدا واختال بين رباك نضرا
أفضي الي مجري السراب فرده للماء مجري
وتفتقت بين المروج حياته عشباً وزهرا
كانت حياتى كالربى في الصيف قاحلة وحرّى
واليوم صرت خريفها فاخضر منها ما تعرى
وهنا قصيدة الجمال الرائعة التي تحمل الإبداع
أعلى الجمال تغار منّا
ماذا عليك إذا نـــظرنا
هي نظرة تنسي الوقار
وتسعد الروح المعنّى
دنياي أنت وفرحتي
ومنى الفؤاد إذا تمنّى
أنت السماء بدت لنا
واستعصمت بالبعد عنّا
هلا رحمت متيماً
عصفت به الأشواق وهنّا
وهفت به الذكري
وطاف مع الدُجى مغناً فمغنا
هزته منك محاسن
غنّى بها لما تغنّى
آنست فيك قداسة
ولمست فيك اشراقاً وفنّا
ونظرت في عينيك
آفاقاً وأسراراً ومعنى
وسمعت سحرياً يذوب
صداه في الأسماع لحنا
نلت السعادة في الهوي
ورشفتها دنّاً فدنّا
وهنا رائعة ربيع الحب
فى ربيع الحب كنا نتساقى ونغنى
نتناجى ونناجى الطير من غصن لغصن
ثم ضاع الأمس منى
وانطوى بالقلب حسرة
اننا طيفان فى حلم سماوى سرينا
واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا
انه الحب فلا تسأل ولا تعتب علينا
كانت الجنة مأوانا فضاعت من يدينا
ثم ضاع الامس منى
وانطوى بالقلب حسرة
أطلقت روحى من الأشجان ما كان سجينا
أنا ذوبت فؤادى لك لحنا وأنينا
فارحم العود اذا غنوا به لحنا حزينا
ثم ضاع الامس منى
وانطوى بالقلب حسرة
ليس لى غير إبتساماتك من زاد وخمر
بسمة منك تشع النور فى ظلمات دهرى
وتعيد الماء والأزهار فى صحراء عمرى
ثم ضاع الامس منى
وانطوى بالقلب حسرة
وهنا نصّ إبداعي كأنه يتحدث عن نفسه
ماله أيقظ الشجون فقاست وحشة الليل واستثار الخيالا
ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي أشباحه والظلالا
هين تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الأجيــالا
حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شيء جمالا
خُلقت طينة الأسى وغشتها نار وجد فأصبحت صلصالا
ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة الأسى شاعرا مثّالا
يتغنى مع الرياح إذا غنت فيشجي خميله والتــلالا
صاغ من كل ربوة منبرا يسكن في سمعه الشجون الطوالا
هو طفل شاد الرمال قصورا هي آماله ودك الرمالا
كالعود ينفخ العطر للناس ويفنى تحرقا واشتعـالا
وهنا مساند للجهاد في الجزائر أبّان ثورة التحرير الجزائرية
صوت الجزائر
يهتزُ وقعك في المشاعر
يا صوت أحرار الجزائر
لحن إذا مس الشعور
فكل من في الأرض شاعر
صوت تجمع في انبعاث
دويه صوت الضمائر
هيهات للمحتل
أن ينزاح إلا وهو صاغر
وهنا قصيدة النيل
النيلُ من نشوة الصهباءِ سَلْسلُهُ
وساكنو النيلِ سُمّار ونُدْمانُ
وخفقةُ الموجِ أشجانٌ تُجاوبها
من القلوب التفاتاتٌ وأشجان
كلُّ الحياةِ ربيعٌ مشرق نَضِرٌ
في جانبيه وكلُّ العمرِ رَيْعان
تمشي الأصائلُ في واديه حالمةً
يحفّها موكبٌ بالعطر ريّان
وللخمائل شدوٌ في جوانبهِ
له صدىً في رحاب النفسِ رنّان
إذا العنادلُ حيّا النيلَ صادحُها
والليلُ ساجٍ، فصمتُ الليلِ آذان
حتى إذا ابتسم الفجرُ النضيرُ لها
وباكرتْه أهازيجٌ وألحان
تحدّر النورُ من آفاقه طَرِباً
واستقبلتْه الروابي وَهْو نشوان
****
تدافع النيلُ من علياء ربوتهِ
يحدو ركابَ الليالي وَهْوَ عجلان
ما ملَّ طُولَ السُّرى يوماً وقد دُفنِتْ
على المدارج أزمانٌ وأزمان
ينساب من ربوة عذراءَ ضاحكةٍ
في كلّ مغنًى بها للسحر إيوان
حيث الطبيعةُ في شرخ الصِّبا ولها
من المفاتن أترابٌ وأقران
وِشاحُها الشَّفقُ الزاهي وملعبُها
سهلٌ نضيرٌ وآكامٌ وقيعان
وربَّ وادٍ كساه النورُ ليس لهُ
غيرُ الأوابدِ سُمّارٌ وجيران
وربّ سهلٍ من الماء استقرَّ بهِ
من وافد الطيرِ أسرابٌ وَوُحْدان
ترى الكواكبَ في زرقاء صفحتهِ
ليلاً إذا انطبقتْ للزهر أجفان
****
وفي حِمى جبل الرجّافِ مُختلَبٌ
للناظرين وللأهوال ميدان
إذا صحا الجبلُ المرهوبُ رِيعَ لهُ
قلبُ الثرى وبدتْ للذعر ألوان
فالوحشُ ما بين مذهولٍ يُصفّدهُ
يأسٌ وآخرُ يعدو وَهْوَ حيران
ماذا دهى جبلَ الرجّافِ فاصطرعتْ
في جوفه حُرَقٌ وارتجّ صَوّان
هل ثار حين رأى قيداً يكبّلُهُ
على الثرى فتمشّتْ فيه نِيران
****
والنيلُ مُندفِعٌ كاللحن أرسلَهُ
من المزامير إحساسٌ ووجدان
حتى إذا أبصر «الخرطومَ» مُونقةً
وخالجتْه اهتزازاتٌ وأشجان
وردّد الموجُ في الشطّين أغنيةً
فيها اصطفاقٌ وآهات وحرمان
وعربد الأزرقُ الدفّاق وامتزجا
روحاً كما مزج الصهباءَ نشوان
وظلَّ يضرب في الصحراء مُنْسرباً
وحولَه من سكون الرملِ طُوفان
سارٍ على البِيد لم يأبه لوحشتها
وقد ثوتْ تحت سترِ الليلِ أكوان
والغيمُ مَدَّ على الآفاق أجنحةً
ونام في الشطّ أحقافٌ وغُدران
والليلُ في وحشة الصحراءِ صومعةٌ
مَهيبةٌ وتلالُ البيدِ رهبان
****
إذا الجنادلُ قامتْ دون مسربهِ
أرغى وأزبد فيها وَهْوَ غضبان
ونشّرَ الهولَ في الآفاق مُحتدِماً
جمَّ الهياجِ كأنّ الماءَ بركان
وحوَّل الصخرَ ذَرّاً في مساربهِ
فبات وَهْو على الشطّين كُثبان
عزيمةُ النيلِ تُفني الصخرَ فورتُها
فكيف إن مسّه بالضيم إنسان
وانساب يحلم في وادٍ يُظلّلهُ
نخلٌ تهدّل في الشطّين فَيْنان
بادي المهابةِ شمّاخٌ بمفرقهِ
كأنما هو للعلياء عنوان
وقصيدة القاهرة
أألقاكِ في سحركِ الساحرِ
مُنًى طالما عِشْنَ في خاطري ؟
أحقّاً أراكِ فأروي الشعورَ
وأسبحَ في نشوةِ الساكرِ ؟
وتخضلَّ نفسي بمثل الندى
تَحدّرَ من فجركِ الناضر
تُخايلني صورٌ من سناكِ
فأمرحُ في خفّة الطائر
تُخايلني خطرةً خطرةً
فما هيَ بالحُلُم العابر
ويحملني زورقُ الذكرياتِ
إلى شاطئٍ بالرؤى عامر
****
غدًا نلتقي وغدًا أجتلي
مباهجَ من حُسنكِ الشاعري
وأُصغي فأسمع لحنَ الحياةِ
في الروض في فرحة الزائر
وفي ضجّة الحيِّ في زحمة الطْـ
ـطَريقِ وفي المركب العابر
وفي القمر المستضامِ الوحيدِ
تُخطّئه لمحةُ الناظر
تطالعني بين سحر الجديدِ
تهاويلُ من أمسكِ الغابر
وتبدو خلاصةُ هذا الوجودِ
من عهد «مينا» إلى الحاضر
****
سألقاكِ في بسمةٍ كالربيعِ
وما شاء من حُسنه الآسر
يُقسّم بهجتَه في النفوسِ
ويُطلق أجنحةَ الشاعر
وينفخ من روحه جذوةً
تَشعّعُ في مُجتلى الناظر
ويُسمعني نبضاتِ الحياةِ
في الطَلّ في الورق الثائر
صنعتُ البشاشةَ من روضكَ الْـ
بهيجِ ومن نفحه العاطر
وصُغتُ من الزهر من طيبهِ
سجايا من الخُلُق الطاهر
شبابٌ شمائلُه كالمدامِ
تَوقّدُ في القدح الدائر
وتكمن في روحه قُوّةٌ
كمونَ التوثُّبِ في الخادر
****
تمايلَ من طربٍ مركبي
وجاشت مُنى قلبِه الزاخر
وقد جدّ يطوي إليكِ السهولَ
ويعلو وينصبّ من حادر
يسير وطيفُكِ في خاطري
يُقصّر من ليله الساهر
وبي فيه من لفحات الحَنِينِ
كما فيه من لهبٍ مائر
يسايرني النيلُ إلا لماماً
فيفلت من بصرٍ حائر
ولكنْ مع النيلِ يجري شعوري
ويطفح في موجه الفائر
وتهزج روحي له ساجياً
وتعنو لتيّاره الهادر
رحمه الله رحمة واسعة
أنه الشاعر والأديب السوداني
إدريس جماع