الشَّمْس الَّتي صَهَرتْ أصَابِعَنَا حَتَّى النُضج تُوْشِكُ أنْ تَنْطَفئ ..
لمْ يَعُدْ مُمْكِنًا لِلْعُشْبِ النَامي فِي صَدْري إلاَّ التَوقّفَ عَنْ التَكَاثر ,
بَعْد أنْ أصبحَ الْحُلمُ وَاسِعًا عَلى كِلينَا وَ الْوَطنُ ضيّقًا عَليه.
مَازلتُ فِي هذَا التَيهِ الَّذي تَعْرفينهُ جَيَّدًا جِدًا , لمْ أفْعَلْ الْكَثير بَعدَكِ ,
فَالسَّراب الَّذي تَجلَّى وَأبْرزَ فِتْنَتَهُ لنَا وَ نَجَحَ فِي إغْوَاءِنَا لِنُخَالِف الْوَصَايَا وَ نَجْنحُ فِي تَعقُّبِهِ يَتَلاشَى ,
مَازالَ يُمْعِنُ فِي التَلاشِي , يَتجهُ إلى أنْ لا يَكون , صَار كَذلِك
عِنْدَمَا قَصُرت الْمَسَافَةُ جِدًا .
الْمَسَافة إيَّاهَا الَّتي عَانَدتْ أقْدَامَنَا وَ أوْجَعَتنَا كَثيرًا , التي أرْعَبَتْنَا مِثلَ حَكَايَا الْجَدات كُلَّمَا فَكَّرَنَا فِي أنْ نَقْطَعَهَا ؛ لِنَصِلَ إلى الْحُلمِ , وَ نَشْرَب ,
وَحَينَ تَجَاوَزنَا مُنْتَصَفَهَا أوْ هَكَذا ظَنننَا , إمْتَدَّت وَ تَضَاعَفتْ بِلاَ تَوَقّف كَ شيطان , لِنَسْقُطَ
عِندَ مُنْعَطفٍ كَالزُجَاجِ حَاد , لِنَخْسرَ الدَهشةَ وَالإيمَانَ معًا .
أمَا كانَ مِنْ الْمُمْكنِ أنْ تُحَاولي و لوْ قَليلاً مواصَلةَ السيرَ مَعي فِي هذَا التَيه ؟
لِيكونَ مُمتعًا بَهيجًا كَاحتِفَالِ أطْفَال , شَهيًا كَقَالِبِ حَلوَى , دونَ أنْ يَفْقِدَ الْحُزْنَ فِي اِسْمِه , وَ لكي لاَ أسقط عِنْدمَا أسْقُط :
مُتَحَسِّرًا عَلى رَغَيْفٍ لمْ نَأكُلْه مَعًا صَبَاحاً , وَ صَبَاحٍ يُوَظِّفُ كُلَّ شَيءٍ فِي كُلِّ شَيء
السَريرَ جِوَارَ الْبَاب , الطَاوِلَة عِندَ النَّافِذَةِ , الْقَلم فَوقَ الْوَرَقَةِ , الْقَهْوة فِي فِنْجَانِهَا , الرَّمْز فِي الْقَصيدة , أُغْنيَاتَ الْحَصادِ فِي الْحقولِ الْبَعَيْدةِ , وَ
جَسدكِ في المنامةِ الحريرية .
كُلّ شَيءٍ فِي مَكَانهِ مِنْ الْمَنْفَى وَالْوَقْتِ .
صَبَاحٌ كَالأنبياءِ فَاتِحًا , يَهبُّ بِشَّعْرِكِ الَّذي يُبْعَثرُني مِثلَ مَا يَفْعلُ هَواءٌ خَفَيْف , وَيَبْتَكِرُ لنَا رَائِحَةَ النَعْنَاع , وَطَقْطَقْةَ الْخَشَب , وَ تَلعثُم الدَّمِ فِي قَلْبَيْنَا ,
النَدَى عَلَى أزْهَارِكِ وَ الأَسْطُحِ الْمَصْقولَةِ وَكَأسَيْنَا .
عِنْدمَا أَسْقُط ..
عِنْدَمَا أسْقطُ وَحَيْدًا فِي هَذَا الْلَيْلِ بِلاَ قَمَر .