للعبارة وقعٌ عجيب، ونشوةٌ لذيذة حينما تصرخ بها الذات خاصةً، تتخيل الذات حينها بأنّها تمشي على الماء بزهوّ.
هكذا هو إبليس حين يُرضي غروره، ويشعرُ بأنّهُ اعتلى العرش من جديد، واهمٌ ليسَ إلا، ربما علمَ بوهمهِ، إلا أنّهُ لن يفلت لحظة شعور عامرة كهذه، تُبرئ للحظات زائفة غروره المُتعطش للبقاء في الأعلى دائماً.
أليسَ مما قالهُ إبليس ” أنا خيرٌ منه “ إنّها جملتهُ التي خُلّدت حتى أنزلَ الله بها قرآناً يُتلى إلى يومِ الدين، وإشارةً بأنَّ الناطقينَ بها هم أمثاله بلا ريب أو تعليل، إنّها منحت لأولئكَ ممن أُصيب بداء العظمة وعلو الذات.
انتشرت هذه العبارة على ألسن من كانَ قبلنا، كانت صريحةً حينذاك أما الأن فبدلت مع تبديل المُسميّات، كالخمر والميسر حينما بُدلّت مسمياتهما، إذ نسمع بأن الخمر صارَ مشروباً روحاني، والميسر لُعبة يُتقن جولاتها عليّة القوم، ممن ينغمسون في ملذّات زائفة، كغنىً فاحش الذكرِ، وشهرةً قُدّت من قُبلٍ.
هؤلاء عمالقة الجحيم، ينفثونُ ناراً تلظى على الدوام، ينافثونها تحت أقدامهم وهم لا يُدركون.
وما أزكى من يزكي نفسهُ بنعيم، ينأى بها عن التعاظمِ ويتواضع بابتسامة الرضى، والمأثورِ عنهم بأنهم يقولون ” حمداً لله على منته، وعلى ما أصبغه علينا من نعيم “ يبتغونَ مرضات الله ولا يتعاظمون بدنيا راحلة، لا تترك لنا إلا التراب، وأعمالاً صالحة تصحبهم مع السلامة التي حظوا بها رحمةً من ربهم يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.
المتعاظمون كالذرّ يبعثون يومَ القيامة، تدوسهم الأقدام ولا يُسمع لهم استجداءً يُنادون به، أصواتهم ترنو إلى أذانيهم وهم يسمعون، لا تُفارقهم مهما أبدوا من قوّة وجسارة.
المتعاظمون كالراقدينَ على الأشواك، لا يهنأ لهم بال ما دامت الأشواكُ تُدمي، ومع هذا لا يظهرون هذا الألم، يتربصون بالسعداء البسطاء حتى يجرّوهم إلى هذه الأشواك بطريقةٍ أو أخرى، ألا ساءَ ما كانوا يعملون.