البلاك بيري و نفس الحرية !!
عرف الشعب المصري بخفة الدم وروح النكتة الطريفة والسخرية , حتى باتت تلك الصفات تطبع في أذهاننا ونكشف به هوية الرجل من حديثه وكلامه دون أن يصرح بهويته الجنسية . والشاهد على ذلك كمية المسلسلات والبرامج الكوميدية التي أتحف الشعب المصري فضائنا الإعلامي فيها وغيرها كثير . كنت أدين بهذه النظرة قبيل ظهور التقنية الحديثة التي جعلتنا أقرب تواصلا مع أبناء شعبنا والشعوب الآخرة.
فبعد ظهور أجهزة (البلاك بيري) وبرامج التواصل الاجتماعية وجدت شيء لم أكن أرى أثرا من ملامحه قبل ذلك , وإن وجد فهو ضئيل جدا ولا روح له , تلك البرامج جعلت الجميع يكتب بكل انبساطية دون خوف من مقص الرقيب أو عذل الآخر له ومحاسبته أو تهكمه عليه . فأصبح الشعب لا يخاف من شيء ولا يلوي على شيء غير إظهار وكشف ما يريد, لم نكن نعلم عنها كما هي الآن.
فإن كنا نحسب إن الشعب المصري هو أستاذ الكوميديا بين شعوب العالم فإننا نجانب الصواب مغفلين شعوبنا وما تنطوي في أفئدتهم الخفة بجانب الجدة بحيث لا تطغ جانب على آخر ولكل مقام مقال .
قد نصادف من أبنائنا من هو صاحب حكمة في القول ورزانة في المظهر ومنطق في الفكر في الوقت الذي يكون ذلك الأنسب له ومطلب مهم وترى ذاته في موطن آخر صاحب نكتة و ظرافه وضحكة جميلة في موطن المزح والدعابة
الشعب السعودي شعب تتدفق الحياة بين جوانحه حبا لها وكرامة . لا يرضى الإهانة . يشمخ بنفسه عن كل ما يدنس كرامته أو يسئ لها ولا يرضى بان يفقد كرامته بكلمة أو بفعل .لا أقلل من قيمة الشعوب الآخرة ولكني أتكلم بما رأيت وشاهدت من أبناء شعبي رجال ونساء .كبارا وأطفال.
تتحفنا البرامج الحديثة كأجهزة ( البلاك بيري ) اليوم بالعديد من الرسائل النصية أو ما تعرف ب (البرود كاست ) بنكت ومواقف مضحكة أو تعليقات ساخرة متهكمة . أستطاع الشعب السعودي بقدراته وأسلوبه أن يتعالى على الضيم الذي يحيق به أو يتغلب عن الآمة برسائل مغلفه بتهكم وسخرية . يتعالى بها عما يشعر به أو يوصل بها رسائله كما يريد أن تقع في قلب وأذهان أصحابه ولا تخفى عنه الروح الجميلة التي تتغلب حتى على الآمه وأحزانه .
كلنا سمعنا أو تابعنا أو قرأنا وعاشرنا ما لاقاه المواطنون من بعض الشروط المجحفة والتأخر الغير مقبول في صرف المكرمة كاإعانه للشعب!! .. في الوقت الذي أنشرح البعض بتحقيق طموحاته أو تسديد ديونه أو حتى التغلب على أوضاع المعيشة الصعبة التي هي بكل تأكيد لن يشعر بها غير أصحابها والمتضررين بها والمنكوبين ظلما وغبناً تحت نيرها نشاهد الإعلام يظهر لنا بتصريحات أصحابه الذين لا يعيشون كما يعيش شعوبهم ولا يربطهم بهم إلا الوطنية لا غيره .
لم أتمالك نفسي من الضحك حين قرأت مؤخرا هذه الرسالة وقد كنت من قبل وقفت على معاناة الشعب نفسه لحظة بلحظة
:
والله ونااااسه حاااااااافز نزل معاشه
نبي نروح للسووووق نصرفه كله
العساف بكى بكى بكى
والعساف بكى بكى بكى
اختي بعد قالت نبي نروح السوق تبي لها اغراض تبي لها هدوم
وأمي بعد قالت تبي تروح المول تبي لها قدور تبي لها صحون
تبي شنطة
تبي عطر
تبي تسافر إلى قطر
يخلي لنا إياك يا حافز
أهم شيء العساف بكى بكى بكى
((هذه أغنية الطفلة البحرينية (حلا الترك ..بابا نزل معاشه ) صيغت مرة آخرة .وقد تكررت الرسائل في ذات الهدف مره ذما ومره تهكما ومره فرحا واستبشارا بقرب وقت صرفها وتحقيقها كما صرح بذلك. ولن يفهم لها سوى المعنيين لها وما تربطهم بها صلة ))
هذا غيض من فيض والمتتبع للرسائل التي تتناقل بين أصحاب البلاك على مدار اليوم والليلة لا يستطيع إلا أن يشهد على قولي هذا ..
فهل كان شعبنا يعاني من كتمان مواهبه أو كبت في التعبير عن مشاعره قبل وجود هذه التقنيات وشيوعها بين أبناء الشعب , وتناولها في أيدي الصغير قبل الكبير .
والسؤال الذي يلح بقوة وبعمق . ماذا يختبئ بعد لدينا لم تنجبه أو تفرزه التقنية الحديثة . وهل يحق لي أن أتأمل أن القادم سيشهد طفرة كبيرة ستكون بداية حياة جديدة ,ومتنفس أكبر وأعمق وأكثر وغورا في ذوات أبنائنا .. ستكشف لنا بعد هذا
إننا لا نقل عن الشعب الآخر سوى في افتقاد مساحة الحرية المناسبة لانبثاق كل الطاقات المكنونة داخلنا .
سماح عادل ,
1/2/1433