الصمت الذي ذبحنا مرتين

[أحمد رشاد]

الصمت الذي ذبحنا مرتين أحمد رشاد

يُفترض بنا بعد أنْ أوشكنا أنْ نأكل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن نكون على قدرٍ كبيرٍ من الوعي والمسؤولية وخاصة حين نزعم أننا نُمثل واجهة المثقفين ونحمل على عاتقنا عُهدة إعادة تشكيل وعي المجتمع و فتح أفاقٍ جديدةٍ للمعرفة , يفترض أن نكون أكثر صدقاً مع ذاتنا أولاً لكي نصدق مع الآخرين.

كثُرت مهرجاناتنا وتعددت ندواتنا وتنوعت أسابيعنا و مواسمنا الثقافية بحيث أنه لم يعد بمقدورنا إحصاء هذه الأنشطة التي نتزاحم على أبوابها بحثاً عما هو مفقود في غيرها.

فمن مهرجان الشعر إلى مهرجان الرواية إلى المهرجان المسرحي إلى... إلى.. إلى....

شكلت هذه الفعاليات الثقافية علامة فارقة لنا فأصبحنا نُعرف بأننا عاصمة المهرجانات وبالتأكيد هذا أمر حسن بل وإنجاز يشكر كل جهد بُذل من أجل تحقيقه., ودون أدنى أشك هناك مخلصون أردوا تقديم ما هو صالح وبحثوا عما هو أصلح كي يكون زاداً و (زوّادة) لهذه الفعاليات,

وهناك أيضا من حاول ويحاول دائماً العمل على مشروعه الفردي فيجعل من هذه الإنجازات العظيمة قفازاً يقبض به على الذي يفتح به أبواب مجده الضائع , عسى أن يلتقي على هامش ما يجري بعضاً من فتاتٍ يجعل منه شيئاً يذكر في يوماً ما.

غير أننا ضعنا بين من يبحث عن نوافذ المعرفة ويعمل على فتحها وبين من يبحث عن نافذة مجده الشخصي. نعم بين هذين التيارين تحولت كثير من المؤسسات الثقافية من منبر ثقافي تقدم ما هو راقي وأصيل وعميق إلى منابر لكل ما هو سطحي ضحل , منابر يعتليها المزيفون والأشباه , لدرجة بدأ الكثيرون يخلطون بين الغث والسمين و تعطلت الذائقة لدى معظمنا فرحنا نصفق لأصحاب المجد الشخصي مرتين الأولى حين حضرنا والثانية حين وافقنا على نتاج من قدم ونتائج الباحث عن أمجاده.

صمتنا طويلاً غير أن الصمت لم يجدي نفعاً بل على العكس تماماً, جعلهم يتجاوزون كل الحدود ويخرقون كل الأعراف ويأتون بما هو مخالف لم يفترض أن يكون.

لماذا يا سادة تصرون على تقديم ما هو سطحي بل أحياناً ما هو ساذج ؟

لماذا تصرون على إزاحة الأصيل و واغتصاب مكانه لصالح الطارئ الذي سيزول ؟

هل هي محاولة تسطيح فكر هذا الجيل ؟ هل هو عدم المعرفة بالفعل الثقافي؟

هل الجوائز للأشباه فقط ؟

هل يحق لنا أن نسأل من الذي يقرر من سيشارك ومن لا يشارك ؟

هل يستحق الجمهور ما قدم له أم أن ما قدم فوق مستوى وعيه؟

هل المنابر الثقافية ملكاً لزيد و لا يحق لعمرو أن يكون إلا متفرجاً سلبياً؟

هل علينا فقط أن نصفق لما يخططونه لنا ونبتسم ببلاهة لكل ما يفعلون ؟

هل ستأتي الساعة الذي يعرف فيها الباحثون عن أمجادهم الشخصية أنهم ذاهبون يوماً ما إلى ساحة المنسيين ويبقى القلم الأصيل ؟

هل لنا بعض موضع قدم في بلدنا لنقول فيه ما نشاء دون أن نتلمس رؤوسنا حين تطلع الشمس ؟

هل لنا الحق أن نذكر ما ذكرناه سابقاً ؟

في النهاية هذه وجهة نظر وليست أحكام قيمة