][أرضٌ تحترف القداسة ][ ..
يا منارة الشرائع و روحي تلقائكِ ( مزمار حب ) لا يشيخ ،
كيف سأكتب الليلة عنكِ و أنتِ [ محروقة الأصابع ] ، أعي حجم [ وثيقة العتاب ] المحشورة في صدركِ فقد
أمضينا أعمارنا ( مبحوحي ) الصوت قسرًا / قهرًا ، سنصرخ و لن نرتضي أن يُكتب علينا يومًا ( الخرس التام ) ، و ثغر التأريخ الباسم
لن يصلب على صليب الكفر عاصمة لرواد الحرائق ممن يشوون الأبرياء كمن يشوي ( أكواز الذرة ) أو أدنى من ذلك !!
آه لو تعلمين ماذا يجول بخاطري و أنا أشاهد نشرة التاسعة تقصم ظهري و تقضم عمري ، و تدفع سبائك بصيرتي ( قرابينًا ) دسمة
لوحش التآكل .
بيرقكِ الوضيء تلقاء الريح ينطلق و عليه ظلال لدورية عليها جنود الغصب يضحكون ( بلا سبب ) يا للعجب !!
، سئل سائلٌ : أين الألعاب ؟ ، و أتبع
: أين الأولاد ؟!! إنها ليلة الميلاد ، قيل له : الحصار يندى له الجبين ، في الناحية الأخرى معركة بين رضيع و دبابتين ، سكت برهة
و صاح هنالك من يسرق الفواكه من السلال ، و هناك كلب خلف التلال مُزعج ( النباح ) أين سطوة السلطان ؟!! ، أجابته الأحاجي
منشطرة على دربه ، هذا عصر جديد لقد التصاريح أزهقت روح الرمَّان .
توجه إلي و أخذ يردد أسئلة عتيقة حميمية أنتجتها معامل تفكيره ، التقطته روحي بشغف سأل عن بائع خضرة جورجي كان
يفترش ساحات و أراضين القدس مع زوجة حمراء كالروبيان عشوائية المنظر كراقصات " البونجا بونجا " ، و أخذ يستجمع
ذاكرته و يسأل عن كهولٌ من مانهاتن العليا كانوا يفقهون فتية البولون في أحكام التوراة ، و بائعات الفجل ، و سياح من الإفرنج
شقرٌ كالتين المطبوخ ، سكت برهة ، تنهد ، و انهمر يسأل عن ليالٍ كان هلال القدس يبدو فيها أكثر تقوسًا كالجنين ، و قبة الصخرة
تلك القبة الذهبية العزيزة ، التي تتمحور كمرآة محدبة يُرى فيها ( ملخصًا لوجه السَّماء ) ، تلك الصخرة التي ما بينها و بين السماء
[ أثر لأقدام نبيّ ] ، أخذ يسألني و كأنه يأخذ بيدي في جولة لها نكهة التين ، و هوية الزيتون ، أكمل حديثه عن أعمدة الرخام
الداكنات و حجارة المباني ، و مآذن المساجد ، و أجراس الكنائس في أيام الآحاد ، وقتها أدركت أن ذاكرة هذا الرجل قد صدئت ، و
شاخت بل أيقنت أنه قد ( أصابها الخرف ) ببلاغة ، و رصد نفسه فيها بعناية فائقة .
لم يعلم أنه الآن و عند القباب تكتب آيات دخانية تمهيدًا للإغتراب ، و الخراب لم يكفّ عن المجيدة ، و نار الخطوب لم تنطفئ ، و لم
تتوقف المكيدة ، القدس اليوم ( نسخة مهزوزة ) فالغاصب استعار الثوب قسرًا و استن القذارة ، فلم يعد هنالك مكان للعهد الأصيل ،
و لا مجالا للإيلاف الثمين ، بل إن الروائح التي كانت تختصر بابلا ، و الهند من دكاكين العطارين بخان الزيت استبدلت و يا للأسف
بروائح مقرفة لـ [ قنابل مسيلة للدموع ] .
قبل أن يرحل ذاك الشيخ الهرم صافحته بعمق و كأني ألامس بناية قدسية عتيقة ، ذهب و ترك على يدي قصيدة منقوشة بأزهار تشق
مسامات المواسم فيّ بعطر الليمون الفلسطيني المنعش ، كان الشطر الأخير منها يصدح من دوح مأهول بالحنين : لا بأس يا قدس ،
فالأرض ما زالت تعرف أهلها !!..