في أحد أرقى الفنادق كنت أنا و هي ..
رُتّبَ كل شيء من أجلي ..
عشاء فاخر .. لحن هاديء .. وضوء شمع خافت
ظَهرَتْ بكامل أناقتها لتضيف بجمالها على المكان شيء من السحر ..
كان ( كتابي الجديد ) على زاوية المنضدة تحمله وسادة حمراء ..
فقد كانت دعوة العشاء بمثابة هدية لي بمناسبة كتابي الجديد " الهندسة المعمارية " ~ والذي تنقصه صفحة الإهداء .. ليصبح جاهزاً للنشر
,’
طَلَبتْ منّي أن أشرع في كتابة الإهداء لنكمل بعدها السمر ~
,
شمرت ساعداي كتعبير عن حماسة ~ مسكت القلم وأنا لم أجهز بخاطري أي جملة ٍ بعد ..
نظرت إلى ساعة يدي تشير إلى 10:45 وبلا إدراكـ لمحت أثر ذلك الجرح المُعلّم في ذراعي اليمنى ..
شردت بأفكاري بعيداً جداً
إلى الوراء إلى الماضي البعيد ..
إلى شبح الطفولة
حيث ( نشأة الجرح ) .. !
أعشق العتمة ..
أشعر فيها بالمعنى الحقيقي للكسوة ~التي طالما تفننت الشمس في خلعها مني بكل عنفوان لتُمَزِّقَ ذلك الستر الدافيء مع كل اشراقة صباح .. !
تباً لـ ذلك العُرّي الإجباريّ .. !
في نهار فاضح ~ لفقرٍ برع في وشمِ تفاصيله بــ جسدي المتهالكـ
ليصبح أكثر ما يبرز في وجهي هالتي سواد بداخلها عينان غائرتان ..
,‘
أستوحش الاختلاط وآنس العزلة .؟
ففي الاختلاط كشف لخفايا أتقطع حياءاً من ظهورها , وفي العزلة ستر لها
أكره علامات الشفقة في وجوههم
عزيز نفس ٍأنا :
اعتاد فمي أن يتشبت بالسواكـ ..
لـ أوهمهم بالشبع .. أو بالأصح لأخفي عنهم رائحة الجوع النتنه ... !
,’
هكذا كنت طفل يتكلم بلغة الكبار ليس تميزاً..
بل إن من كان موشومٌ بالفقر ~ لابد له أن يختلف .. أن يتميز .. أن يتفرد بكيفية التفكير ,,
ليعيش صغيراً بمنطق ذا بعد كبير ..
بُعْد .. يريه ان استبدال رغيف خبز بقطعة حلوى يعد غلوّاً في التبذير ؟!!َ
كانت أمنيتي الوحيدة ~ أن أحيا بلا عقل
ليتسنى لي فعل ما أريد بدون قيود
لألعب بحرية بعيداً عن عقدة الضمير وتأنيبه الحاد
لأسرف في التبذير ..
وأتذوق الحلوى
!
,’
لطالما كرهت والدي لأنه أرهق طفولتي ~
ولطالما يصفعني ضمير الخير بصفعة موجعه في كل مرة أفكر فيها بكرهه ..
ليريني ذلك المُسن المتقوس الظهر .. وهو يكافح لأجلنا .. !
يكابد ويتحمل المشاق و العناء ~ فقط لنعيش ( لا أكثر) ..
ذلك الاسكافي .. الهزيل (شكلاً ) الجبار (طبعاً ) الذي لايكف عن تأديبي بأحد النُعُل في كل مرة أتذمر فيها.. !!
,
’
كان بنظري أب فاشل فكيف يجبرني على الاجتهاد إن كان هو أهلاً للفشل ؟!!
تدنّى مستواي الدراسي في إحدى سنوات الطيش..
تمرد في ضربي إلى أن أدمى جلدي وعلّم به ..( ! )
كيف له أن يقسو ؟! ..
كيف له أن يتجبّر ؟!
أيزيد بذلك بؤسي إلى بؤسين .. ؟!
أم هل ينقص جسدي الهزيل المزيد من العنُف ؟!
كفى
كفى
وكأنه يريد أن يتفادى : اخطائه في ابنه
فشله , فقره , عناءه , بؤسه
باختصار ..
أن يتفادى كل شيء مر بحياته ..
كل شيء
!
,’
_ حُبّي ~ " أيتطلب الإهداء كل هذا التفكير " ؟!
لم أتفوه بأي كلمة ..
مسكت القلم
وكتبت ببالغ الثقة :
لمن أتقن عمارة ابنه ~ بإتقانه لأساسها ..
لمن قال لي ذات يوم
بني .. لن يُبْتسر النجاح ~
بل سيلد في وقته
لاتستعجل قدومه
فقط كافح و انتظر
,’
لمهندس الذات ~
والدي
!
|