بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
___
مُشكلة وجود الشر بالعالم ( Problem of Evil ) من اكثر المواضيع التي تناقش في الحوارات الإلحادية- الإلحادية و الإلحادية- الإيمانية ،و كثيرًا ما يُستدل بها و تقديمها من قبل ملاحدة و لا أدريين مرهفي الحس بنظري على أنها الدليل القاطع على عدم وجود خالق للكون بدون اسنادها بأي دليل منطقي او علمي، ناهيك عن تجاهل كثير من الأدلة على وجود خالق ابسطها ان الكون حادث له عمر! و الواقع ان هذا الربط هو ربط عاطفي اختياري لحد ما يعكس حاله من كره الله و الحقد عليه و لومه أكثر منه دليل عقلي مبني على مقدمات و نتائج سليمة، و شخصيًا اراه اقرب لل Misotheism - كره الله مع الإيمان بوجوده – من قربه للإلحاد المادي، فافراد هذا النوع بالرغم من انكارهم الظاهري لوجود الله الا انهم لا ينفكون يلومونه على كل ما يحدث من سوء بحياتهم و بطريقةً ما ينتقمون منه عن طريق انكاره، فهي أقرب لأن تكون حالة نفسية من الاحباط المتقنع بقناع فكري.
و هذا الجدل حول مشكلة الشر ليس حديثًا رغم انه لم يكتس هذا الثوب الالحادي البحت الا بعصرنا الحالي او قريبًا منه، فأقدم من أُخذت عنه هذه الفكرة هو ابيقور Epicurus الفيلسوف الشهير صاحب مذهب اللذة الذي ينسجم بشكل غير مفاجئ مع مفاهيم الالحاد المعاصرة، بعبارة الشهيرة التي نقلها لعالمنا العربي عبد الله القصيمي بعد الحاده ” هل الله يعلم بوجود الشر و لا يغيره…الخ” محاولاً خلق تعارض بين صفات العلم و الخير و القدرة لله و بين وجود الشر بالعالم و هو امر سنناقشه لاحقًا، مشكلة الشر هذه لا تتعلق بوجود الله بقدر ما تتعلق به: صفاته\ هدفه من خلقنا، لهذا فهي لا تصلح باي حال من الاحوال كدليل على وجود هذا الكون من غير مُوجد فقد يُقال ان الله موجود و غير مُبال بنا او شرير..، تعالى الله عما يصفون، او يقال بشكل ابسط: ما علاقة وجود خالق للكون بكسر قدمك الاسبوع الماضي؟..و بالطبع صفات الجهل و عدم القدرة هي صفات نقص لا توصف بتام قدرة و علم فلا يوصف بها خالق، هذه المشكلة عادت الى السطح بقوة بأوربا لأنها تعارض و تَصدع المفهوم المسيحي حول الله و صفاته، فالمسيحية دين عاطفي بحت يصور للمؤمن به ان الله يحب المؤمنين به – المسيحين – كأبنائه لدرجة انه ضحى بابنه الوحيد كي ينقذهم من خطاياهم و سيدخلهم الجنة من غير حساب، و الله يحب المسيحيين و غير المسيحيين جميعًا لكنه رغم هذا سيلقي بغير المسيحيين بجهنم! لا تقدم اي فكرة او تلميح عن الاختبار الدنيوي و عن العقاب و الحساب و الابتلاء او عن عدل الله، لهذا فهي بهذا المفهوم المغرق بالعاطفية عاجزه عن الاجابة الوافية عن هذه الاسئلة فلم يوجد الشر و نتعذب ان كان يحبنا؟ و ان حاول قسٍ ما التذاكي و استعارة مفهوم الابتلاء و الاختبار فمن السهل الرد عليه بأن المسيحي سيدخل الجنة دون حساب و كل الطرق تؤدي لروما فلم العذاب من رب يعتبرنا ابنائه؟بينما لو نظرنا للأمر من الزاوية الإسلامية، فسنجد مفهومين أخريين اضيفا للمعادلة و هما العدل و الاختبار\الابتلاء، فبالنسبة للمسلم الدنيا إمتحان و اختبار و دار ابتلاء يُبتلى بها و يختبر، فلا تعارض بين ان يُبتلى رجلٌ بموت طفله و بين ان يكون الله موجودًا طيبًا عادلاً، و الشر و الابتلاء قد يكونا تحذيرًا او تطهيرًا – و الالم مرتبط دومًا بالتطهير – كقول الله لملائكته في الحديث القدسي انه يبتلي عبده كي يُكثر عبده دعائه و استغفاره، الى بقية التفسيرات التي تستند على هاذين المفهومين بشكل لا يدع مجالاً للحيرة الإشكالية بهذا الموضوع، الى قول شيخنا ابن الجوزي عن ما يُشكل بغياب حكمته الظاهرية عنا من الابتلاءات انه من جنس ما يذعن له العقل كما يَذعن الجسد بالعبادة، دون ان يفشل في تقديم جوابٍ شامل عن هذه.
و لو أردنا نقاش منكري الله إعتمادًا او إستنادًا على هذا الاشكال العاطفي، فسنقول ان لا رابط بين وجود خالق للكون و بين وجود الشر بالعالم، لا رابط منطقي يجبرك ان تنفي وجود خالق للكون استنادًا على هذا الا اذا افترضت انت خالقًا لا يُعاقب و لا يبتلي و كل حِكمه معروفة لعبيده ، عندها ستكون مُجبرًا على ان تنفي خالقك الذي افترضته لا ان تنفي وجود خالق بالمرة، لأن وجود الله ليس مرتبطًا بالضرورة بأحوال البشر فقد يكون الله لا مُباليًا او شريرًا؟ – تعالى الله عما يصفون -و لهذا نجد كبار الملاحدة يرفضون اعتبار هذا دليلاً على عدم وجود الله، و ان اردنا مسايرة من يعتبر الشر دليلاً على ان الله شرير فسنقول له: عرف الخالق؟ سيرد بانه خالق كل شيء و خالقنا و مسيرنا، فنقول: فهو خالق المفاهيم العقلية التي نفهمها ولا نلمسها كالعدل مثلاً؟سيقول : نعم! فنقول : فبأي شيء ادركت الخير؟ و ان كان ربك فاقدًا للخير غير مريدٍ له فلم خلقه؟ و ان قلت انه لم يخلقه فكيف ادركت شيئًا لم يُخلق؟ فان قال: خلقه ليعذبنا بغيابه ،قلنا: كان يكفيه خلق الالم و الشر و العذاب و المرض، بل سنقول لم الشر ينقطع في عالمنا و لا يصيبنا الا هنيه و يرحل و لا يصيب الابتلاء العظيم من كوارث و حروب الا قلةً منا، لم لا تكون حياتنا جحيمًا مستعرًا كما في جهنم بدل ان يخلق لنا عالمًا جميلاً فيه فنون و موسيقى و حب و عائلة و جمال و اهل و اصدقاء لا يصيب الابتلاء العظيم فيه الا قلة و لا نألم فيه الا قليلاً؟ فان قال ان الله لا يبالي بنا قلنا له، فان كان لا يبالي بنا فلم خلقنا؟ و لم خَلق هذا الكون المعقد المتشابك الجميل لنا ثم وضعنا به؟ و لم انزل علينا رُسلاً و اديانًا؟.. و العبث صفةً لا تُلمس في الله بتأمل صفاته، و من تأمل المصنوع عرف الصانع و نحن صنيعته و لا نجد بعالمنا شيئًا موجودًا بغير حكمة او غاية الا ما خفي عنا ثم يظهره الله بعد حين، فان اصر ان العبث سمة للخالق قلنا بطل عقلك و استدلالك و علوم الطبيعة كلها، القائمة على تلمس هذه الغاية في المصنوعات و البحث عنها و الاستفادة منها،…، فاقصى ما ستناله من البحث في هذه المسألة لا أن الله شرير او غير موجود، بل اللاشيء!
فمن اراد تلمس الطريق السليم بهذه قلنا له ان يحدد الإطار السليم و المنهجية الصحيحة للتفكير، فيتأكد من وجود الله اولاً ثم من بعثه للرسل، ثم بعدها يبحث بمسائل كهذه لا يضره ان جهل بعض تفاصيلها بعد ان يقف على اساس سليم، و الجهل بالفرعيات مع اليقين بالاساس لا يضر عاقلاً، هذا و الجواب موجود.
___
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته