عندما تتكسر الأشياء في دواخلنا , تبدأ اللغة بعزف أوتار الحياة على ذلك الخط الفاصل بين الجنون والعقل , بين الأشياء واللا أشياء , في محاولة للبحث عن ذواتنا في عيون الآخرين .
الإبداع ليست له هوية , ولا يخضع لمفهوم الجنس , الإبداع لا يؤمن إلا بالقيمة الفنية للعمل المطروح .
أعتقد أن كثيرًا من المهتمين بالأدب لا يتناولون موضوع المرأة الشاعرة , إلا من خلال المجاملة والإستلطاف , أو تصيّد مواقف الإعجاب .
العالم بأسره يتعاطف مع الضعيف , ويبكي لبكاء الضحية , لكنه في المقابل يحترم القويّ , ويخضع لإرادة المتسلط , والقويّ والمتسلط هنا , هو المبدع الخالق للإبداع . وما دام الحديث يدور حول الإبداع في الشعر , فالمبدع ليست له هوية " جنسية " محددة , لذا ــ حقيقة ــ أستغرب من الذين يتخبطون في الحديث عن الجمال الفني , ويفصلون بين الشعر والشعر , ويقولون هذا شعر نسائي , وهذا شعر رجالي , فالجميل لا يمكن إلا أن يكون جميلا , والجمال ليست له هويات متعددة .
وللأمانة والإنصاف , الرجل هو الأساس في في العملية الشعرية مع احترامي الشديد لتجارب النساء الشعرية " كَمُل من الرجال كثير وكَمُلت من النساء أربع " هذه المقولة التي أعتقد أنها حديث نبوي شريف أو قول مأثور , يدعم هذا الرأي بقوة , فالشعراء كثيرون في السابق وتقف بينهم الخنساء بمفردها , وفي مجال الشعر الشعبي لا نكاد نعدّ اسمين أو ثلاثة أسماء نسائية , ثم يقف جهاز العداد عن الحركة , بينما الرجال يملئون الفضاء وتضجّ من كثرتهم الأرض , وهنا لم أقل هذا شعر نسائي وهذا شعر رجالي , لأن الشعر واحد . وقديمًا لم يضع ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء , رغم سعيه للإنصاف وتحريه المنهجية العلمية في البحث والتدقيق , لم يضع أي امرأة في هذا الكتاب , لأن الفحولة صفة لا تتناغم مع سجية المرأة وطبيعتها الأنثوية .
المرأة تبقى امرأة مهما حاولت أن تقول عن نفسها ما تقول , هناك حاجز نفسي أو خيط لا مرئي يحول بينها وبين ما تريد قوله . فنزار قباني ــ على سبيل المثال ــ عُرف بشاعر المرأة , بينما لم نسمع عن امرأة تلقب بــ " شاعرة الرجل " . وكذلك فهد عافت في نصه " معجبة " قال على لسان المرأة ما تتمنى قوله للرجل , ويمكن الرجوع لِما قدمته عنه في موضوع " الحذاقة الجنسية عند فهد عافت " . غير أن الرواسب " الحرمْلكيّة " تقف حاجزًا بين المرأة وبين ما تنوي التصريح به للرجل أو عن الرجل , والحديث بنفس الثقة التي يتحدث بها الرجل عن الطرف الآخر له .
نعم هناك نصوص شعرية جميلة تجاوزت أو حاولت تجاوز هذا الخيط الرفيع , وهي منشورة في العديد من المنتديات , موقعة بأسماء نسائبة أو أسماء نسوية مستعارة , وحينما يدقق المتفحص أو شبه المتفحص النظر بها , يكاد يلامس المرء " شوارب " صاحبها الأصلي من خلال الكيبورد , أو تطل عليه من خلف الشاشة .
كتابة الرجل عن المرأة سفر بالذاكرة إلى ما وراء الذاكرة , بينما كتابة المرأة عن الرجل أشبه ما تكون بمحاولة تسلق الجدران الأسمنتية الملساء , لأنها تتعامل مع هذا الموضوع تعامل فاضل ينمّ عن تهذيب دافعه الخوف , والشعر كما وصفه الأصمعي "| باب من أبواب الشر " لهذا استطاع الرجل الاستفادة من المرأة إحتوائها وتجاوزها , أما المرأة , لم تستطع مغادرة محيطها الضيّق .
أعلم أن الحديث عن هذا الموضوع سلاح ذو حدين , فلو نظرنا إلى ماهيّة الشيء , وهو الشعر أو الإبداع الشعري , رأينا كفة الميزان تميل لحساب الرجل ضد المرأة , فمكونات أي نص شعري , وأقصد بالمكونات هنا المكونات الخارجية , هي " شعر ــ قصيدة ــ بيت ــ وزن ــ قافية " أي ثلاث كلمات ذكورية مقابل كلمتين لصالح الجانب الأنثوي , فالكلمتان الذكوريتان " بيت ــ وزن " هما الدعامة الأساسية لأي عمل شعري , إذا تجنبنا المحتوى العام " الشعر والقصيدة " أما القافية , فهي هامشية من الممكن تغييرها أو التلاعب بها , أو التخلي عنها كما في شعر التفعيلة , بينما تغيّر وجه البيت الشعري , وتحول من مفهومه التراثي القديم ثنائي الشطر من صدر وعجز إلى حالة جديدة مع الشكل الشعري الجديد المستحدث , وهو شعر التفعيلة . ولو ذهبنا إلى عالم اللغة والأدب , لرأينا أن أصابع الأفضلية تميل لصالح الرجل مقابل المرأة , وأن أعظم القصائد وأجلّ الأعمال الأدبية كانت لرجال , والعنصر الرجالي هو المستبد المتسيّد في هذا المجال , فلو أردنا الجمع بين الأب والأم او الوالد والوالدة , لقلنا على التوالي : الأبَوَان والوالدان , وكذلك الحال لو أردنا الجمع بين الشمس والقمر , لقلنا : القَمَران ... وهكذا دواليك .
الرجل متقدم على المرأة لأنه قادر على عَقْلنة العاطفة في الوقت الذي تتحدث فيه المرأة عن العاطفة بأحاسيس مرهفة , وهي كمن يفسر الماء بالماء , لهذا نحاول إيجاد بعض العذر أو يمكننا تفهم إعراض بعض المهتمين سواء بشكل علني أو على استحياء عن شعر المرأة , والنظر إليه نظرة أقل من شعر الرجل ــ رغم عدم اقتناعي بهذه التسمية لأن الشعر لا يجزّأ ــ لأن المرأة تجمع بين السالب " العاطفة " والسالب الآخر " الإحساس " بينما الرجل قادر على المزج بين المتضادين السالب " العاطفة " والموجب " العقل " ــ وإن اختلفت درجات المزج بين الرجال ــ وعلى هذا الأساس يمكننا تفهم حالات الهمهمة واللقط الدائر بين الشعراء حول هذا الجانب من الشعر , وأنا حقيقة أعتبر القضية معلقة وأن لا متهم في هذا المجال إلا بأدلة , ولا أميل كل الميل مع هذا التيار , وإن كان " في النفس شيءٌ من حتى " كما يُقال , ولا أحبذ إلقاء التهم جزافًا في استخفاف فاضح لمشاعر الآخرين