ثَقَافَةُ الْمَنْع , وَ مَنْعُ الثَقَافَة

[أحمد الحربي]

تابع الكثيرون في الشارع السعودي مؤخرًا قضيّة الشاب مازن عبدالجواد , والتي بدأتْ تُعرَفْ بقضيّة المُجاهرِ بالمعصية , و هي من وجهة نظري المتواضعة جدًا , أول قضية رأي عام تتفق حولها آراء الجميع من جميع التيارات والتوجهات في المجتمع - رغم عدم إيماني بمثل هذه التصنيفات - وهو ما يبشّر بالتأكيد بوجود رأي عام جمعي قد يتفقُّ مستقبلاً حول قضايا أكثرُ أهميّة.
ورغم التجييش الكبير الذي تم ضد الشاب وقناة LBC , إلاّ أنَّ أحدًا لم يسأل ربما لماذا حدث ما حدث ؟
وما السبب الذي يجعل شخصًا يعترف بما فعل وعلى الملأ ؟
في رأيي أنَّ ما حدث هو نتيجةٌ طبيعيّة وحتميّة لثقافةِ المجتمعِ والتي تتخفّى خلف أقنعةٍ دينيّة بالمقام الأوّل وأخرى اجتماعيّة , مثل : العيب والحرام , فبينما يتحدث بعضُ الآباء في مجالسهم ودون حياءٍ أحيانًا عن العلاقات الجنسية حتى وإن كانت بين الرجل وزوجته , وهو الأمر المعروف تحريمه , في استعراضٍ خائبٍ لقدراتهم الجنسيّة , تجدهم يهملون أبناءهم من ناحية التثقيف الجنسي ويكملون بالتالي إغفال المناهج الدراسية وهي التي كان من الممكن من خلالها نشر ثقافة جنسيّة على جرعاتٍ خلال السنوات الدراسية الاثنتي عشر في التعليم العام وتكون هذه الثقافة مستمدة من الدين الإسلامي الحنيف والذي يزخر ب آياتٍ وأحاديث كثيرة تبيّن وبالتفصيل أحيانًا طبيعة العلاقة بين الجنسين , وهي الثقافةُ التي كان من الممكن تقديمها أيضًا في المساجد من خلال خطب الجُمعةُ والمحاضرات الدعويّة والدورات التثقيفية وهو مايجعلنا نستمع في كل برنامجٍ ديني لاستفتاء حول الأمور الجنسية وقد يتم التطرق من خلاله لشرح مُخجل وقد يكون مُقززًا أحيانًا كثيرة , ممايدل على غياب أو تغييب هذه الثقافة رغم أن القرآن والسنة بهما الكثير ما يبين مثل هذه الأمور , وسأورد هُنا حديثًا واحدًا فقط ك استدلال :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ) رواه مسلم .

كذلك ماحدث يُعتبر نتيجة لثقافةٍ دأبت منذُ سنواتٍ عديدة على تقييّد العلاقات بين الجنسين في كل مكانٍ بحجة : ’’درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح ’’ , وقد أفلحت في الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات والحدائق والأسواق , وحتى أماكن العمل ماعدا المستشفيات , حيثُ أصبحتْ صورةُ العلاقةِ بين الجنسين علاقةٌ جنسيّة فقط , دون علاقات الأخوّة , والزمالة والعمل , أو الصداقة أو الحب حتّى , وإن بدأ هذا الجيل بتجاوز هذا الفصل والعزل من خلال وسائل كثيرة ك الانترنت مثلاً .

وأيضًا ماحدث اعتبره نتيجة لتغييب وسائل الترفيّه والثقافة العامة كَ الفعاليات و الأنشطة الاجتماعية في الأحياء , و الأندية الثقافيّة وجميعات الثقافة والفنون , وغياب دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب واقتصار أو وقف الأندية التابعة لها على الرياضة فقط - رغم مايكتب على شعاراتها [ نادي اجتماعي - ثقافي - رياضي ] إلا أنها أيضًا فشلت في الرياضة في إحتواء الشباب والذين لهم توجهاتٌ مُختلفة أخرى غير الرياضة , وكذلك غياب مؤسسات المجتمع المدني, وكذلك التغييب المتعمّد لدور الفن الاجتماعي مثل : المسرح , ودُور السينما , وهي التي غُيبت قبل ذلك أكاديميًا , ومايمكن تقديمه من خلال هذه الوسائل من وعي عامٍ حول الكثير الكثير من القضايا , وذلكَ نتيجة لحربٍ يقودها فكرٌ أحادي , يحاربُ كُلَّ مايستجدَّ , وهو الفكر الذي حاربَ طوال سنواتٍ وأجيالٍ الكثير من الأدوات فمن تحريم الراديو مرورًا بالتلفزيون والمسرح والسينما والأندية الأدبيّة , وليس انتهاءً بتحريم الكتب والروايات وبعض القصائد , وبعض الملابس وجوالات الكاميرا , وتصويرها دومًا على إنها أدواتُ إفساد , والإفساد هُنا كما يراه الكثيرون منهم : هو العلاقات بين الجنسين , وهو الأمر الَّذي رسّخ مثل هذا الأفكار لدى أجيالٍ متلاحقة , مما نتجَ عنها نُشوء ثقافاتٍ وأفكارٍ أخرى نعلمها أو نعلمُ بعضها , وقد لا نعرفُ عنها شيئًا , ثقافاتٌ لا تنشأ إلا في الأماكن المجهولة : تنشأ في الظلام , في الشاليهات والاستراحات والشوارع الخلفية , ومقاطع البلوتوث التي توجد في جوالات الشباب من الجنسين وحتى الصغار أحيانًا أكبرُ دليلٌ على ذلك , ما أدّى بالتالي إلى ظهور هذا الشاب في مثل هذه القضيّة .
و ماتلى ذلك من أحداث ك القضيّة المرفوعة ضد الشاب وضد القناة والمطالبة بإغلاقها بتهمٍ كَالمجاهرةِ بالمعصيةِ والتشجيع على الفساد , والإساءة للوطن والمواطنين على الرغم من أنَّ التصرف في النهاية هو تصرّف شخص واحد وبالتالي فهو في نظر العقلاء لا يمثل سوى نفسه ولا يسيء سوى إليها .
و من ثم إغلاق مكاتب القناة بالسعودية, و تحويل العاملين في مكاتب القناة وعلى ما أظن أن كلهم سعوديين إلى عاطلين عن العمل ما يؤدي إلى خلق مشكلة أخرى , وهو مايؤكد أنَّنا مازلنا عاجزين عن مواجهة الفكر بالفكر , وأنَّنا لانجيد سوى المنع ,
المنع وَ المنع فقط .

السبت 15-8-2009