أول خطيئة هي الحسد ، فقد حسد الشيطان والعياذ بالله منه آدم عليه السلام ، وقد حسد قابيل أخيه على ما آتاه الله من فضله فقتله ، فانظر كيف يؤدي الحسد في النهاية للقتل ، وإن كان القتل في قصة ابني آدم حقيقة ، فالقتل المعنوي للحاسد حقيقة أخرى ، وانظر إذا أردت للحسد في قلب الكافر على المسلم في قوله تعالى: " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ماتبين لهم الحق... الآية " ، ومافعلوه أخوة يوسف عليه السلام بأخيهم وحسدهم له بمكانته عند أبيهم حتى فعلوا ما فعلوه يريدون أن يغيب عن ناظر والدهم يعقوب سلام الله عليه فتعاونوا على الإثم والعدوان قال تعالى : " إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ، إن أبانا لفي ضلال مبين ، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم " فكيف أن هذه الصفة تعلقت بالشيطان ثم بقتل ابن آدم لأخية ومن ثم بقلوب الكفار الصدئة الحاقدة في رد المؤمنين عن إيمانهم ليكونا كفارا مثلهم ، فمن شيطان كافر ، لنفس أوصلها الحسد للقتل ، ثم لصفة كفار استسلموا لنفوسهم الخبيثة فلم يُسلموا لتغلغل الحسد وتمكنه من نفوسهم ، إلى أخوة ظلموا أخاهم حسدا ومباغضة كي لايرى والدهم سواهم فيجعل الحب لهم دون غيرهم ، أنا هنا لا أتكلم عن العين الحاسدة التي تصيب بالضرر جرّاء نظرة شيطانية لم يبارك صاحبها الله فيها لأخيه المسلم ، ولكني أقصد تلك النفس الحاقدة على كل من آتاه الله من فضله ، فتجد الحاسد – نسأل الله العافية والسلامة – ينظر لما عند غيره نظرة حسرة وتمني زوال تلك النعمة من الآخر ، فنفسه تتزايد آلامها بسبب النعم التي يراها على الآخرين ، وبدلا من أن يسعى ليعرف كيف بلغ هذا أو ذاك هذه النعم ليفعل مثله متوكلا على الله ، فلن يموت أحدنا حتى ينال ما كتبه الله له من رزق غير منقوص ، ولكن للأسف فالبعض لايريد العمل حتى لتحسين أخلاقه فتجده يعيب على الآخرين أخلاقهم الطيبة وبداخله يحسدهم على محبة الناس لهم ، فيتمنى أن يبغضوا الناس ذلك الإنسان لأنه لم يصل لتلك المحبة ، وكان الأجدر أن يفكر في أن محبة الله أعظم من محبة المخلوقين ، وأن التقرب لله بصدق أجدى من أن يحسد فلانا وعلانا على ما آتاهم الله من فضله .
و من أسباب الحسد الأخرى ألا وهو الحقد الناشئ من الغضب العارم على المحسود ، ومن تبعات ذلك الحسد على إيمان المسلم وعمله هو قول رسول الحق صلوات ربي وسلامه عليه : " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " فأي وعيد من الله لذلك الحاسد الذي لو تمادي في حسده وطغت هذه الصفة في مجتمع لانتشرت الفتن والكراهية والتباغض بين الناس ، قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث لا ينجو منهن أحد ( وفي رواية لا ينجو منهن أحد وقل من ينجو منهن ) : الظن والطيرة والحسد ، وسأحدثكم بالمخرج من ذلك ، إذا ظننت فلا تتحقق ، وإذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغِ " رواه الترمذي . وقد قال معاوية : " كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فلا يرضيه إلا زوالها ، ولذلك قيل :
كل العداوات قد ترجى أمانتها ......إلا عداوة من عاداك من حسد"
وقيل أيضًا :
تضفو على المحسود نعمة ربه ....ويذوب من كمدٍ فؤاد ُ الحاسد
وقال سبحانه وتعالى : "و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ".
ولكن هناك نوع من تمني نعمة الغير وهو أن تتمنى مثل ما عند غيرك من خير مع تمنيك الصادق ببقاء تلك النعمة على صاحبها ، وهذا مايعرف بـ(الغبطة) ، ويبين ذلك قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل أتاه الله تعالى علما فهو يعمل به ويعلمه الناس " وهذا النوع المحمود وياليت مثله يكثر بيننا ليعم التنافس في أمور الخير ، وليكثر المبدعون ومن يبتغون رضا الله فيما يقومون به ، وقد قال سبحانه عن المنافسة في الخيرات وإباحتها دون تحاسد أو تباغض : " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " .
نحمد الله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من عباده ، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا
أسأل الله أن ينقي قلوبنا من النفاق والحسد ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم
إنه سميع مجيب .. آمين يارب العالمين