قرن الله في سورة القلم القراءة باسميه الجليلين "الخالق ، والاكرم" فالله خلق الانسان من علق ، والعلقة شيء مهين في طور التخلق الاولي للإنسان بعد تجاوزه مرحلة الطين ، الى طور آخر ، متمثلا في العلقة ، فقال عز من قائل "اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم " .
فالأكرم عز وجل كرم الانسان الذي حين يرى تكوينه الأولي يجد ذاته مهين بلا كرامة لكن الله اكرمه رغم ما ينطوي عليه تكوينه المادي من مهانة حقيقية ، فهو من طين في بداية تكوين أبوه آدم ، ثم من نطفة من ماء هين ثم من علقة ثم من مضغة وكل عملية تكوينية ترافقها حالة مادية مهينة .
لكن هذا المهين اكرمه الله بأن نفخ فيه من روحه ، وعلمه ، والقراءة بعد نفخ الروح فيه وتعليمه الاسماء كلها واسجاد الملائكة له هي الحركة الفكرية والمادية التي تعمل على تحفيز الاستعدادات المعرفية والعلمية وتجسيدها الى واقع مادي وتنميتها ومن خلالها تتخذ كرامته بعدا متكاملا وقويا مستهديا باسم الله وتوحيده في قصد تعبدي له ..فالمعرفة لا تتحصل ابتداء الا عبر اداتي" القلم والقراءة "القلم كأداة مادية والقراءة كاداه فكرية يصيغها القلم على شكل حروف وكلمات مترابطة .
ولذلك فإن الله كرم الانسان بان علمه ما لم يعلم :وتحدى ملائكة قائلا "إني أعلم ما لا تعلمون " إذا فالطين يرتقي ، يرتقي بالعلم والمعرفة ، ويتخذ مسلكا مرتقيا نحو مدارج الكمال من خلال القراءة ،فإنسانية الانسان تتكامل من خلال المعرفة والمعرفة تنمي إيمان الانسان فيصبح بالعلم والمعرفة إنسانا متكاملا ، ولذلك فالمجتمعات التي تقرا مجتمعات تنشئ حضارة انسانية راقية ومتكاملة ومتوازنة ، لا تسفك الدماء ولا تمارس الظلم والتجبر ، والمجتمعات التي لا تقرا لا ترتقي في وعيها ولا تستطيع ان تحتضر وإن امتلكت المعرفة من خلال تجلياتها المادية ، لأن القراءة تستهدف بناء الانسان وتكامل انسانيته بتوازن ، فيكون الانسان هو المستهدف من عملية الارتقاء والترقي التي تتجه القراءة والمعرفة وأدواتها ، أما المعرفة المادية فهي تجعل الانسان سلعة وتستهدف تدمير قيمه وروحه وتحوله الى سلعة أو كائن متوحش وتعيق تكامله وتوازنه ، وتصنع الانحراف في ذاته ، وحين يتجذر الفساد في ذاته ينعكس على مظاهر الحياة والبيئة من حوله "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس "