طابع بريد
اندحرَ الاحتلالُ الهمجيُّ الصهيوني , وانتصرنا !
أمـس احـتفـلنا بـنزعِ آخرِ لـُغـمٍ مـن تـرابِ الـوطـن ! غـنائـياتُ الشيخِ إمام ,مارسيل ,
وأشعارُ نـيرودا ، درويـش ، ومطـر ، وصـور راشـيـل كـوري , جـيفـارا والشيخ ياسين ،
كـانت تـملأُ الأجواء !
لم يعُد للجرحِ بقيةٌ . تنفس الكونُ و كـانـت الـجنـةُ قـريـبةً ، قـريـبة جـداً !
طـويـنا دفـاتـرَ المـقـاومـة . لـم نـعُـد جـائـعيـن أمام كـُرومـنا وبـيـاراتـنا، لـم تعد صـفـاراتُ
الإنذار تـُطاردنـُا فـي نـومِـنا . تـحررنـا مـن خـوفِـنا اليـومـي ، ومـن الجـري هـربـاً مـن
رصـاصـةٍ غـادرة ، أو غـارةٍ ، أو قصـفٍ ، أو اجـتيـاح. لم تعُد مدارسُنا تسُـجـِّل حـالاتِ
غـيـابٍ متكرر , خـوفُ أطفالِنا أصبحَ قـادراً علـى الـفـرارِ دون عـودة !
صـوتُ المـفرقعاتِ لا نسـمعه إلا في الأعراس! تـوقـفـت كـاتـربـَلَر عـن طـحـنِ كـرومِ
الـزيتـون ، وكـرامـتـِنا وأحلامِنا!
دخلنا جهراً شوارعَ الحياة ، وكانت وحدتُنا الوطنيةُ عُكازَنا . أعدنا تـرتـيبَ النـجـومِ
فـي السماء و اسـتعـاد الـعـدلُ مـيـزانـَه .
أخيرا استـقـامـت الـدنيـا ، واستـدارت الشـمس !
استراح دمُنا بعد ستين جرحا وخمس خيباتٍ , والنحسُ فرَّ من بياراتِنا , كـان إيمانُنا
بـعـدالـةِ قـضيـتنا كـبـيرا .
كالخيولِ المجنحةِ كنا ! و يـُقـال إن الشـهداءَ مـنذ بـدْءِ الـخـلقِ شـاركـوا مـعنا ،
كـطيـورِ الأبابيل كـانـوا, وصـدقـت نـبـوءُة شـجـر الغـرقـد .
تـضاريـسُ الأرضِ عـرفـتُـنا ، و الـرمـالُ والأمواجُ والـريحُ والـسمـاء.
تـعلـمُ جـيدا أن الـُحريـةَ لا تُـكتـبُ علـى عَـجـل . رسمناها بكامل حائِها تماماً كما أردناها !
سـاسـتـنا تـحولـوا لتـدريـس التـاريـخ . جـمعـياتُ حـقـوقِ الإنسانِ والهـلالِ الأحمرِ
لـم يـُعـد لـهم مـقـراتٌ لـديـنا !
فـضـائـيات الشـجـبِ والإدانةِ الـعـربـيةِ والـعالـميةِ التـي كـانـت تـقتـاتُ علـى أخبارِنا
لـملـمتْ مـُراسِليها وأقفلتْ مـكـاتـبـَها وغـادرتـنا !
لـم يعد بعضُنا يعيشُ فـي أنفاقٍ تـحت الأرض !
من شَـفَةِ النهار يقطرُ الأمان ، فأصبحَ طـُلابـنا والعـاملـون فـي الـجامـعاتِ يـصلون مقاصدَهم
فـي غـضـونِ نـصف سـاعـة . لم يـعـُد هـناك حـواجـزُ ونـقـاطُ تفــتيـش. لـم يـعـودوا
مـُضـطريـن لـلسـيـر عـلى الأقدام فـوق طـُرقـاتٍ طـينـيةٍ ومـواجـهةِ التـحرشِ والمـضايـقات ؛
فـقـد أُزيـلـت كـل الحـواجـز !
هـل تـذكـرُ يـوم قـلتُ لـك إن خـمـس سـاعـاتٍ هـو الـوقـت الـذي يـلـزمُ بـعضَـنا لـعبـورِ
حـاجـز قـلـنديـا ؟!!
لـك أن تـتصـور مـُعـانـاتـنا كـيف كـانـت ! وكـيف كـانـوا يـُجبروننا عـلى الـتعـرِّي
إمـعـانـاً في الإذلالِ عـلى حـواجـزهـم الـعسـكـرية بـحجـةِ الـتفـتـيش !
كـل هـذا لـم يـعـد قـائـمـاً ! لـم نـعُـد مـشـرديـن كـريـحِ الـجنـوب ، والأحبةُ الـذيـن
يـممـوا شـطـرَ شتاتِ الاغـتراب عـادوا !
الـمخيـم، وكـالـةُ الـغـوث ، الـمسـتـوطـناتُ ، جـدارُ الـفصـل،الأسلاكُ الشـائـكـة ،
الـمفـاوضـاتُ ، الاغـتيـالاتُ ، الـحصـارُ , كـل هـذه مـُصطـلحاتٌ لـم نـعُـد نـتداولـها .
ألـم أقـل لـك تـحـررنـا !!
غـزة ! الـتي قـال عـنها شـامـير يـومـا " لـو أنني أصحو فـأجـدُ الـبحـرَ ابتلعها ! هـذه
الـجـريـحـةُ تـعـافـت ! خضـّبْنا صمودَها بالحناء وأصبحت العـاصـمة الـفخـريـةَ لـفـلـسطـين.
الـجمـعـة الـماضـية صـليـنا فـي الـمـسجـد الأقصى ! الأعدادُ كـانـت كـبيـرةً، واسم اللهِ كـان
يـخـرجُ مـن أنفاسِنا فيـهـتزُّ الـمـكـان . الـعـدلُ أعتلى الــمـآذن . أطـلـنا الـسجـودَ علـى بـرِّ
الله حـتى و كـأن صـلاتـَنا كـلها سـجـود!
أرسلنا دعــواتٍ لــرابـطـةِ الكـُتابِ الأردنيين ولنقابةِ الفنانين التشكيليين ونقابةِ الصحفيين .
تعلم أننا وإياهم كعُروَتين في قميصٍ , دعوناهم ليـُطـرِّزوا مـعنا جـداريـةَ الـنصـرِ عـلى وجـهِ الـتاريـخ .
أدعـوك لـزيـارتـِنا أنتَ أيضا ، فـالـسنـابـلُ لـم تـعد خـاويـاتٍ ،والـكـرومُ ، وحـقـولُ اللـوزِ ،
ومـوسـمُ قـِطـافِ الـزيـتونِ ، وشـجـرُ الجـُمـيز الـذي يـُثمر سـبعَ مـراتٍ فــي السـنـة ،
كـل هـذا جـديـرٌ بـك أن تـراه .
الـيـوم مـاطـر ! وأنت تـعرفُ ضـعـفي حيالَ الـمطر ، وكأنه دمع الراحلين ...
تعال عبْرَ مطارنا الدولي , تعال لترى البرتقالَ وهو مبلولٌ ، وشـتـلة الـياسـمـين
الـمشتـركةَ مـع الـجيـران !
لترى الغيمَ يخرج من عينيّ أمي من سُعالها ، من صوتِها ، من رغيفِها , من شايِها المنعْنع ، من لفَّةِ الزعترِ الصباحي .
الله ! الله ! لا حـدَّ لـلسـمـاءِ حـين يـُصبـحُ الـوطـنُ وسـادةَ آمـان . عـندها يصبحُ
الـفجر في أيدينا ، ونـنامُ مـلءَ الـجـفـون.
أصبحت أمارسُ هـوايتـي مـؤخـرا فـي الـكتابـةِ ، وهـا أنا أكـتبُ إليك. سـأتَّبعُ وسائلَ أيامِ زمان ؛
سأضـعُ الـرسـالـة فـي مـُغلـفٍ ، وأُعـنـْوِنُـه :
(دولـةُ فـلسـطيـن – وعـاصـمتـُها الـقدس) ، وسأضـع طـابـعا بـريـديا عـلـيها.
ألـم أقـل لـك انتـصـرنـا ، وصـار لـنا طـابـع بـريـد ؟!!
[/CENTER]