( الساحل )
على المرفأ بقى المركب حزين وخاطره مكسور
تمسّك في حبال المرفأ....ووْخوفه تراتيله
واشوف البحر يصرخ ، والنوارس حالها مذعور
تقبّل وجنته مرّه...ومـرّه تـنـدب الحيله
حزين الصبح والساحل تنهّد عادته مسرور !!
وش اللي صار للساحل تسابق للحزن خيله؟!
ذهولي دهشتي غابت صباحات الأمل والنور؟؟
إذا هذا الصباح ، الله يستر وش هي الليله؟!
ومديت النظر نحو السماء وصوتها المأسور
ابـاتأمل...ولكن البحـر زادت مواويله!
جرحت البحر بالنظره؟ سؤال بداخلي ، ويدور
قبل ماانطق سؤالي ...حارسه جاني بتأويله
وباح الساحل الوافي وبيّن خافي المستور
وانا حزني يسافر بي ....وانا حزني أناديله
جريح البحر من حربة سحاب أقفى وهو معذور
بعـد ماآمنه خـان الـسحاب وبان تنكيله
تخيّل كثر مامد البحر من كفّه الميسور
كثر ملحه أخذ منْه السحاب أعذب تفاصيله
عطاه العذْب يحسب هالسحاب يْقول له مشكوور
ويعطـيه الغـلا لاجار وقـته في مقابيله
ولكن السحاب أقفى بقى بحر العطى مقهور
يشيل الملح في جوفه..ضـمـاه اغـلى محاصيله
يسولف للمراكب عن حكايات الألم والجور
عن كفوف الأمـاني يـومها صـلّت وتدعيله
وانا ماغير اضمّه واتنهّد ، وابكي المغدور
واسولف للمرافئ عـن حـكاياته ...وتـبـكـيله
عرفت الحين ليه المركب اللي باقي ٍ (مكسور) ؟
عرفت الحـين ليه البحـر وامـواجـه تراتيله؟
أتمتم بالإجابه وانحنى راسي بدون شعور
مشـيت وقلت ابـاصل قـبل مـاتاصـل لـك الليله
( عبدالله العويمر )
يتسم البناء النصي عند الشاعر عبدالله بالإيحاء والترميز ويبتعد عن الوضوح
والمباشرة وذلك للتكائه على تقنيات أسلوبية ودلالية جديدة والمتضمنة الإزاحة
والتحويل الأسلوبي وتوظيفه للبعد ألزماني والمكاني والصورة الشعرية الترميزية
والكنائية والإستعارية حاملة عناصر غيابية فالدال يدل على المدلول وعناصر
حضورية من حيث التشكيل والبناء ( بتعبير تزفطان طودوروف) ، فكان لعنوان
النص مدخل موفق من قبل الشاعر حيث عتبة النص التي يهيئ الشاعر الجو
المناسب للمتلقي و يرى الناقد " رولان بارت" أن للعنوان وظيفة إغرائية إذ أنه
يفتح شهية المتلقي للقراءة ,وكما نلاحظ تآزر عنوان هذا النص مع الرؤية والرؤيا
التي أراد العويمر إيصالها للمتلقي ونجده هنا يتكئ علىخمس شخصيات داخلية"
المركب /المراكب ( كل ما يدور في عالم الشاعر من علاقات اجتماعية سواء
سلبية أو إيجابية ، " أما المحور الثاني ( الساحل / أضلعه ، روحه ) أما الثالثة"
البحر / قلبه المكلوم اما المحور الرابع " السحاب / الطرف الآخر " والمحور
الخامس " النوارس / الأصدقاء والناس الطيبين ) وللشاعر قدرة بارعة في التعامل
مع الصورة الشعرية الحسية والحدسية ذات الأبعاد الشعورية لتنقلنا إلى ما وراء
الواقع عبر أفق مشحون بطاقات واحتمالات لا تنتهي ومن الأمثلة على الصور
الشعرية المبتكرة : ( على المرفأ بقى المركب حزين وخاطره مكسور
تمسّك في حبال المرفأ....ووْخوفه تراتيله )
وكذلك : ( تخيّل كثر مامد البحر من كفّه الميسور
..كثر ملحه أخذ منْه السحاب أعذب تفاصيله) ، ( ...عن كفوف الأمـاني يـومها
صـلّت وتدعيله) ففكرة النص تدور حول البوح عن طريق التفريغ الداخلي
للطبيعة والتي وفق الشاعر إلا حد كبير في اختيار تلك العناصر " البحر، الساحل
،السماء، السحاب ،المراكب، المر فاء، النوارس " كمعطيات للبناء الداخلي للنص
وما يتوافق مع الرؤية والرؤيا العامة للشعور الذي ينتابه ونستطيع أن نتلمس
همومه من خلال الأبيات الذي رسمها لنا ( واشوف البحر يصرخ ، ..وانا حزني
يسافر بي وانا حزني أناديله)
ولو أردنا أن نصل لسبب هذه المعاناة والثيمة التي يتمركز عليها النص فسنجدها
من خلال هذا البيت: (
جريح البحر من حربة سحاب أقفى وهو معذور بعـد ماآمنه خـان الـسحاب
وبان تنكيله ) فقد أعتمد تقديم لفظ " آمنه " أي وثق به كردة فعل من هول
الصدمة التي تلقها من السحاب " الطرف الآخر "
ولكن للأسف لم يجد البحر من السحاب إلا ( الظماء ) ..القهر والغدر والخديعة
واستطاع الشاعر الهروب من سطوة اللغة ونسقها المعجمي التقليدي إلى فضاء
رحب من خلال التركيب اللغوي ودلالته ومفرداته التي يتميز بها قاموسه اللفظي
مبتعدا عن المفردات الحادة والوحشية الغريبة فتجد المفردة منسابة ومتدفقة ومتوافقة
مع الرؤية التي يريد إيصالها للمتلقي عبر نسيجه النصي الذي تشكل من تعدد
الأصوات والشخوص في أسلوبه الحواري وتنمية ضمائر السرد داخل المشهد
الشعري فنجد اللغة عند عبدالله العويمر متشظية ومتفجرة متكئا على الطابع
السردي في بناء المشهد الشعري مما يضفي على دينامكية النص بعدا آخر فالنسق
اللغوي لديه بسيطا محببا وذلك لبعدها عن الغرابة والتعقيد في اختياره للمفردة
التي يُظهر فيها انفعالاتها ورؤاها بعمق واعي ، وبإسقاط لفظي رائع يضفي على دينامكية القصيدة بعدا جماليا
ونلاحظ الشاعر استخدم ضمير المتكلم بشكل واضح والذي يقوم على استعادة
الماضي بوعي الحاضر عن طريق الذاكرة من خلال تقنية الحكاية للتعبير عن ذاته
ومشاعره وأحاسيسه في بناء تصاعدي ليخفف من وطئة المعاناة والتوتر في محيطه
الداخلي (ذهوليدهشتي غابت صباحات الأمل والنور؟؟..إذا هذا الصباح ، الله يستر
وش هي الليله؟! ) ، بل تجده يخاطب نفسه ويحاورها في آن واحد وذلك في قوله
مشـيت وقلت ابـاصل قـبل مـاتاصـل لـك الليله ) كتعبير عن الوحدة والعزلة
التي يعيشها فالشاعر عبدالله العويمر بلا شك متمكنا من ادواته الشعرية ومنسجما
في أنساقه وسياقاته مع الحالة العامة للنص وأن كان لتعدد الخطاب الشعري مره
على لسان الشاعر ومرة على لسان الساحل وأخرى على لسان البحر ( اللقب)
يؤدي لنوعا من الربكة والتشتت لدى المتلقي حيث يفقد من حرارة النص ودهشته
أما من حيث النسق الزمني فيتضح الإحالة الزمنية ( الصبح ) واالذي دارت به
أحداث النص ( حزين الصبح) وفي قوله : ( إذا هذا الصباح ، الله يستر وش هي الليله؟! )
وختار الصبح كناية الأفاقة على الخديعة عبر قوله:
وانا ماغير اضمّه واتنهّد ، وابكي المغدور
..واسولف للمرافئ عـن حـكاياته ...وتـبـكـيله
أما النسق المكاني فنجده متواجدا منذ البداية في عنوان النص ( الساحل ) وذلك
لقربه المعنوي من ذات الشاعر " الروح / الضلوع " ومن ثم يأتي بالمرفاء
والبحر كما يمتلك الشاعر بصفة عامة ذائقة عذبة ودقة في طرح المفردة الملائمة
للمعنى والصورة مرتكزة على خيال خصب أهلته وسهلت له خلق تجربة منفردة
وأسلوب متميز وبصمة ذات طابع خصوصي ..محققا اتساق وتماسكا للبناء
الداخلي و متعمق بجسد القصيدة والتشبث في الخيال مرتكزا على ( الأنا )
كضمير متكلم للتعبير عن ذاته ومشاعره وذلك في تكثيف زمني عبر أنساق
السياق منكفئا إلى عالمه الداخلي وذكرياته القديمة شوقا وألما جرحا وحنينا و الذي
يستمد منها تركيباته و دلالاته الشعرية في بناء تصاعدي ، وأن كان الشاعر
يحاول عدم الإفصاح عن مباشرة الحدث إلا أنه ترك بصمه واضحة لمناسبة النص
من خلال الانزياحات اللفظية والاستعارية.
مجلة الفرسان / يناير 2008 - العدد السادس