صباح الدم - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 327 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8216 - )           »          ( كان لا مكان ) (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 586 - )           »          شطحات وأمل (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 3411 - )           »          العين (الكاتـب : عبدالإله المالك - آخر مشاركة : حمد الدوسري - مشاركات : 15 - )           »          مِن ميّ إلى جُبران ... (الكاتـب : نازك - مشاركات : 878 - )           »          الزمن بوّار (الكاتـب : عادل الدوسري - آخر مشاركة : عبدالإله المالك - مشاركات : 3 - )           »          تعجبني ! (الكاتـب : حمد الدوسري - آخر مشاركة : عبدالإله المالك - مشاركات : 2 - )           »          تجاربك . . . خبراتك . . . فائدتك (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 1491 - )           »          اقرأ الصورة بمِدادٍ من حبر (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 2783 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-24-2012, 04:38 AM   #1
مريم الضاني
( أديبة )

الصورة الرمزية مريم الضاني

 






 

 مواضيع العضو
 
0 على مئذنة
0 بين يديك
0 وداع
0 على بابِـــــه

معدل تقييم المستوى: 13

مريم الضاني غير متواجد حاليا

افتراضي صباح الدم


[size="5"]

أتأملك يا أبي من وراء فرجة باب حجرة نومي ، صبيحة ليلة عرسي . أتيتَ مبكرا كعادتك عندما تزور بناتك في مثل هذه المناسبة .
أتيتَ خائر القوى ، جاف الحلق ، زائغ النظرات . يلوح على وجهك ذلك الانكسار الحاد العميق الذي غدا جزءً من ملامحك ، و تطوّق عنقك أغلال سوداء ثقيلة لا يراها أحد سواي . لم يعد هناك إنسان يهددك بعد أن تزوجت شقيقاتي كلهن غيري يا أبي ، أنا ابنتك التي لم يأتها نصيبها إلا عندما شارفت على الأربعين من العمر .
كانت شقيقاتي يصفن حالتك في صباحيّاتهن ، وكيف كان أزواجهن يعطونك ملاءة السرير البيضاء الملوثة بالدم وهم يهنئونك قائلين :
بيّض الله وجهك يا عمي !.
عندئذ تنفرج أساريرك ، وتسترد أنفاسك ، وتحسو حسوات من الماء البارد لتطفئ الحرائق المستعرة في جوفك . لطالما تمنيتُ وأنا أصغي إلى أحاديثهن تلك أن لا أتزوج أبدا لكيلا أرى وجهك في ذلك الموقف العصيب ، ونمَت تلك الأمنية في نفسي بعد أن تزوجَت ابنة عمي اليتيمة؛ وجهها الشاحب المذعور ووجه الطبيب الذي فحصها مسماران مغروسان في قلبي . كان الطبيب يحاول سدى أن يمتص غضبك العارم وهويشرح لك حالتها :
إنها عذراء ، ولكنها من الحالات الشاذة التي لا تنزف .
وعندما هممنا بمغادرة العيادة ألقيت بعبارتك في وجهه:
هراء ! . الدم هو الدليل الوحيد على عفة الفتاة . الله لا يبتليني ... أنا أبو بنات . الله يستر عليها وعلينا .
حين سمعتُ عبارتك تلك هوى قلبي في جبّ لا قرار لها وهاجت في نفسي عواصف التوجس:
ماذا لو كنتُ مثلها يا أبي ؟ ! .
أي أرض ستقلّني وأي سماء ستظلّ ني ؟ .
أين المفر منك آنذاك ؟ .
ألوذ بسريري ، أتأمل الضوء الشحيح المنبعث من وراء الستائر الداكنة ، و الهواء يعبث بباب حجرتي . تبدو وأنت جالس في زاوية الصالة كالسجناء المحكوم عليهم بالإعدام في لحظاتهم الأخيرة ، حين يصغون إلى وقع أقدام جلاديهم وهي تدنو منهم.
كنت تختلس النظر إلى باب حجرتي ومن حين لآخر تنظر إلى الساعة مستبطئا مرور الوقت ، وتطلق زفرة كأنها نفس من أنفاس جهنم .
حدقتُ في عينيك المتقدتين وأبحرتُ في ذهنك الذي تتلاطم فيه أمواج الريبة والخوف ، وقرأتُ أفكارك :
لماذا تأخر زوجها عن الخروج من الحجرة ؟ .
لا بد أن هناك خطبا ما ! .
لا .. لا ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ابنتي فتاة شريفة ، أثق بها . ابنتي الكبرى العاقلة ، أنا ربيتها فأحسنتُ تربيتها ، وأخواتها اللاتي تزوجن قبلها لسن أفضل منها خلقاً وتديناً ، ولكن من يدري ؟ لعل شيئا ما قد حدث لها عندما كانت طفلة ! .
ما أشد تلهفك على رؤية وجه زوجي يا أبتِ !.
أجزم أن ضغطك الآن قد حاذى حدوده القصوى . كل شيء فيك يحترق في أتون الانتظار ، يكاد الدم ينبجس من مسامك ، يتفصد العرق من جبينك غزيراً ، تتحد قطراته وتجري في أخاديد وجهك ثم تنزلق باتجاه ذقنك . غدا وجهك قطعة رمادية باهتة بلون شعرك وأنت ترشف رشفة من العصير ، أخالها تسيل في حلقك كحمم البراكين .
أغمضتُ عينيّ وهربتُ إلى الزقاق القديم ، أركض فيه طفلة صغيرة تطير ورائي جديلتي وكشاكش فستاني الواسع ،.أدسّ جسدي النحيل بين أجساد الصبية وهم يلعبون ، ثم يهرب أحدنا فننطلق على أثره كأسراب الطيور. كانوا يختبئون فوق الأسطح الترابية وكنت أختبئ في صندقتي المهجورة التي لا تعرف مكانها يا أبي .
مازال قطار الزمن متوقفاً عند باب حجرتي ، وأنت منهمك في تجفيف عرقك المتصبب ، بينما يرتدي زوجي ثيابه بتؤدة ثم يخرج ملاءة السرير من سلة الملابس المتسخة ، وعندما خرج إليك سحبتُ اللحاف على جسدي المتعرق المرتعش و دفنت رأسي تحت الوسادة .استسلمت لرحى اللحظة الحاسمة التي تسحقني فأتطاير في الهواء كالغبار .
تفتحت كل جراحي القديمة ، يتدفق منها الدم حاراً لزجا ًغزيراً ، أشم رائحته التي تبعث الخدر في أوصالي وتصيبني بالدوار . بقع الدم تتناسل حولي وتلطخ الجدران والأثاث والسماء البادية من الفرجة الصغيرة للنافذة. تصطخب في أغواري رؤىً متداخلة وتطل عليّ برؤوسها كالعناكب : يوم أن بلغتُ وأصبحتُ امرأة ، بيتنا الذي يعج بالتفاصيل الأنثوية ، صراخ أمي وهي تضع في المستشفى ، و وجهك المُسوَد وأنت واقف عند باب حجرتها ، ممتطياً صهوة الأماني ،وسرعان ما تهوي على صخرة الكلمة التي تنطقها الممرضة في حرج :
بنت ! .
وضعتُ إصبعيّ في أذنيّ لكيلا أسمع صوتك ، ولكن قهقهتك دوت في حجرات البيت كطلقات مدافع العيد .هائجاً كنتَ ، تصيح تارة وتهذي تارة ، ثم تردد بصوت متحشرج :
الحمد لله .. الحمد لله . ألف مبروك ... ألف مبروك.
ناديتني فلم أقو على الرد ولا على الوقوف على قدميّ ، فاقتحمتَ حجرتي ماداً ذراعيك لتحتضنني .
كان وجهك مشرقاً مبتهجاً كشمس الصباح حين قبّلتَ رأسي ووضعتَ في يدي نقودا ، مردداً بصوت خنقته العبرة :
بيّض الله وجهك يا ابنتي كما بيّضتِ وجهي !.
تحاملتُ على نفسي ووقفتُ على النافذة أراقبك وأنت تتجه صوب سيارتك بخطىً رشيقة . لم تكن تتكئ على عكازك ، بل كنت تلوّح به في الهواء ، وأنت ترقص وتدور حول نفسك. كان ظهرك منتصباً على غير عادته ، ورأسك شامخاً كالجبال حين ركبتَ سيارتك وانطلقتَ بها تسابق الرياح.[/
size]
.......................................
من مجموعتي القصصية ( سرداب التاجوري )

 

مريم الضاني غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[ صباح الـ..!!أيش؟! بَين أبعاد اللون 10 05-15-2012 09:49 AM
كذا يبدا صباح الآه؟ منتهى القريش أبعاد الشعر الشعبي 44 04-05-2012 09:21 AM
على أبوابك يا صباح سلمى الغانمي أبعاد النثر الأدبي 15 03-12-2012 12:07 AM
[ ضد التيار ] غدير المشاعر أبعاد الهدوء 18 01-25-2012 09:51 PM
عشق الغيد / جديدي لكم احمد المنتشري أبعاد الشعر الشعبي 7 12-12-2011 09:52 AM


الساعة الآن 07:16 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.