التماثل و الظلال - الجزء الثالت و الأخير - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
ما يكتُبُهُ العضو بالعُضْو : (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 2437 - )           »          ومضات قصصية (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 709 - )           »          هــايــكــو (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 311 - )           »          أحلام مخضّبة بالمشاوير .. (الكاتـب : حمدان روسان - مشاركات : 0 - )           »          التربية والواقع الصادم . (الكاتـب : إبراهيم عبده آل معدّي - مشاركات : 2 - )           »          رضوض الماء (الكاتـب : عبدالكريم العنزي - مشاركات : 68 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : يوسف الذيابي - مشاركات : 75338 - )           »          حمدان روسان (الكاتـب : حمدان روسان - مشاركات : 231 - )           »          على الرف ... ؟؟ (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : إبراهيم بن نزّال - مشاركات : 1649 - )           »          طلقة الطيش (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النقد

أبعاد النقد لاقْتِفَاءِ لُغَتِهِمْ حَذْوَ الْحَرْفِ بِالْحَرْفْ .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-29-2021, 09:03 AM   #1
طارق احمد
( شاعر وقاص )

افتراضي التماثل و الظلال - الجزء الثالت و الأخير


التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس)
للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــــــــــــــادق
( 3ــــــــــــــــــ3 )
طارق أحمد عبد الله


في قصة (قالت سودة) : يبدو لنا حديث الكاتب عن وصف فتاةٍ جميلة حيث يقول نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة بل رؤوها تتنامي ألقاً مشرئبةً نحو النضوج, ثمرةً برية مملؤة وعداً و رفداً تنظر إليها الأمهات فيدركن أنهن موعداتٍ بجزيل العطاء, و يشاهدها الآباء فيسألون الله الستر حتي يستلم الأمانة صاحبها..) و لكنه-أي الكاتب-ما إن يقول: (..و مع ذلك فإنهم يحسون بالعجز المخجل عن سبر أغوارها, و إكتناه أسرارها..في ذلك الفجر / و الحياة في إبتدائها, و للجو رائحة العذوبة, و إنطلاق دبيب أهل التقي و الفجور..) و يقول أيضاً : ( عفرت الدروب حوافر الدواب الماضية إلي الحقول / و بدأ خوار الأبقار المتجهة إلي المراعي / و تنفست الأشياء المحمولة/ محاريث تشحذ و فؤوس تحمل.. و طوار أعدت للعمل..شتول و بذور و نشاط يدب و حركة دائبة متصلة..)
و في الطريق إلي السوق..حبالٌ محمولة, و غلال مجلوبة, و شياهٌ حلوبة , حليب مسكوب , و لبنٌ مخضوض , و أشياءٌ أخري عربدت في الجادة , محدثة عن حراك الحياة اليومي في سبيل اللقمة .)
عند هذا القول نعلم أن الكاتب يتحدث عن الوطن..و حركةالحياة فيه فنعلم أن المرأة التي عناه في البدء ما هي إلا الوطن بإضطرابه و سكونه و ما الوطن هذا المعني المجرد إن لم يكن الحياة و حركة الناس فيه.
و في لب القصة يطرح الكاتب قضايا البسطاء و المهمشين من المواطنين..حيث يشكلون عنده حضوراً يجعل للحياة طعماً.. و يكسب العمل الإبداعي رونقاً و حيوية تجعله مقبولاً لدي القارئي..و يجسد الواقع الذي يمثل الكاتب أحد فرسان مدرسته.. حيث يقول الكاتب: ( ها هي عربةٌ لها دوى و جلبة بفعل كركاسة تتكور مثل سفة علي شفة متهدلة..! و تنبعج ناتئة كندبة علي وجه أملس.. و الصبي علي المقود يبدو مثل حوزي متمرس, و كان الأجدي لو أنه إختلف إلي المدارس لا أن يتخطي المراحل هكذا دالفاً إلي جامعة مفتوحة, يفلسف خلالها الأمور كما يراها.. و يرمي بوجهة نظره للآخرين قائلاً هاكم إقرؤوا كتابيه و ما كتابه إلا جملة من كلمتين كتبها علي عربته " مسكين أنا " ..) و هنا تبرز قضية العلم..و راي الكاتب أن قناة التعليم لا بد أن يمر بها الجميع..لا لكسب العيش.. و لكن للرقي بالزوق و الفهم السليم.. وهو لا يعيب علي هذا الصبي كونه يعمل سائقاً أو كمساري في عربة- لا عيب في وسيلة كسب العيش ما دامت مشروعة-لكن العيب في القصور الثقافي..هذه المشكلة الخاصة التي لا تسقط عن الأخرين إذا قام بها البعض..و هنا تبدو قضيه؟!..
و يربط الكاتب بين الصبي و الفتاة التي وصفها في بدء القصة و حراك الحياة اليومي..في حبكةٍ تجعلنا نظن –في القراءة الأولي-أن الشيخ المتصوف الذي وصفه بالقصة..و إبنه "حامد" و حواره "عيسي" قد هاموا بالفتاة الكاعب الحسناء..و لكن ليس هذا هو المغزي من القصة ..إذ أن الفتاة "سودة" ما هي إلا الوطن "السودان".. يدل علي ذلك معني الإسم..و ظلال الكلمات ممثلة في قول الفتاة حين رفضت خطبت من تقدموا إليها..بقولها رداً علي "عيسي" حوار الشيخ حين خطبها لنفسه..(..إنني كما رأيتني و لعلهم قد حدثوك أيضاً إن الدماء أريقت من أجلي, و إني لحزينة من أجلهم يا عيسي..ذلك أنهم ما ينظرون إلي إلا كسلعةٍ نفيسةٍ يسعي كل منهم للفوز بها, و ما يهمهم في سبيل ذلك أي الطرق يسلكون و أي المناهج ينتهجون..و لا يفكرون في مستقبلي و كيف يكون؟.. و أطفالي كيف ينشؤون؟ من منكم يا عيسي تحدث عن أدبي و علمي؟ من منكم خطب إدراكي و فهمي؟ من منكم تفكر و تحدث عن رؤيته في كنوزي قبل الإستيلاء عليها و إستحواذها؟)
ها هو الوطن يستنطقه الكاتب علي لسان هذه الفتاة..إنه لحزينٌ لدماء أبنائه التي أريقت في سبيل الطمع السلطوي غير أبهين للوسيلة.. من من هؤلاء الساسة الذين خطبوا ود السلطة مكن للآداب و العلوم؟! من منهم مكن للفهم الراقي بين أفراد الأمة مستشرفاً رؤي المستقبل متخذاً من العلم عتاداً لجيل الغد..و قد نوه الكاتب أن بالبلاد كنوز ماديه من بترول و معادن و ثروات زراعية و حيوانية.. من من الساسة تحدث عن رؤيته في إستغلالها الأمثل حتي تعود بالنفع علي جميع أفراد الأمة؟!..
و في نهاية القصة..حذر الكاتب من طول أمد الصراع: ( تتصارعون و قد أطلتم الصراع من أجلي, و تهتمون ببهرجي فقط..! وهذا يزهدني فيكم جميعاً..فاذهبوا حتي يأتيني اليقين.!) لأن طول أمد الصراع و الإنفاق ببذخ في تلميع الساسة و التمكين لهم..كل ذلك يؤدي لإهدار الثروات المادية و هلاك الحرث و النسل .. فيكون الموت هو الثمرة..
في قصة (تهاويل) يعرض الكاتب قضية المعلم في شكل تهاويل تنتاب بطل القصة وهو طريح الفراش بالمستشفي..إذ يقول الكاتب علي لسان البطل: ( و إذ بدا لي كأنما أنا أتسمع أزيز التكييف..إلتقطت أذني ثانية (الحمد لله) ثم أخذت أفتح عيني في بطء لتبدو المرائي أمامي غائمة و ثمة دوائر تبين لناظري ثم تختفي..) و يقول أيضاً : ( الأغطية البيضاء..الملاحف و الستائر المسدله.. و الفورملين و الديتول و العقاقير..و حامل المحاليل المتحرك.. ميزان الحرارة..ميزان الضغط..)
ثم قمة المعاناة مع المرض و شدة الألم..يصفها الكاتب علي لسان البطل: ( آه..يتشعب الإدراك.. أهو الموت؟؟ أم هي الغيبوبة و الحلول؟ أصهلت خيل الترحال و أسرجت للعبور؟ أعزفت أوتار القلب المعلول لحنها الأسيان؟ و ها نحن نساقط طرح السنوات العجفاء..! يا الله..!) و هنا يبدو الفرد منا كشجرةٍ منع عنها الماء لتساقط أوراقها حتي يسلمها الجفاف إلي النهاية..و هذا ما يفعله المرض بالجسد إذا ما أهمل العلاج..
و قضية المعلم تبرز من بين هذه التهاويل عند قول بطل القصة: ( لو أني مستطيع قراءة التواريخ المزمعة لكان لي رأياً و موقفاً و لما صرت إلي ما صرت إليه الآن..قنديل في أخر الذبالة..تتجاذبه هبات الريح..و لا من منقذ و لا من صريخ..) نعم لو كان يعلم بما سيؤول إليه حاله من قلة العائد المادي و ما أصابه من داء و ضنك جعله كقنديلٍ تتجاذبه هبات الريح بين خفوتٍ و سطوع يكاد ينطفئ وهو ينير الطريق للآخرين ما أختار أن يكون معلماً.. !!؟
و ما رد الفعل-هنا-عند المعلم سوي قوله : ( غير أن أتلفع سأمي و أوغل في الصمت الكاتم..)
و يخبر المعلم عن حياته العملية قائلاً: ( أفنيت حياتي بين طبشور و بشاور..و رنين الأجراس المتعالي.. و النفس المكتوم بين الوطواط الساكن, و أنفاس الفقر العاجز..تسلمني الحصة للحصة..)أدوات المعلم( طبشور وبشاور) تترك آثارها علي يديه من غبار إحتكاك الطبشور بالسبورة و مسح البشاور للتخته..و بيئة العمل من فصول دراسيه قديمه متهالكه يقطن أسقفها الوطواط الذي يتسبب في أمراض الجهاز التنفسي للتلاميذ و الأساتذه .. كل ذلك يثير الألم في نفس المعلم..و تمر الحصة بعد الحصة و العام تلو العام..و الوعد بإصلاح حال المعلم و بيئة التعليم باقٍ لا ينفذ..ثم ماذا بعد أن نجح الطلاب و أوصل المعلم رسالته: ( و أنا أتلقي التبريكات بمراكز يحرزها الأبناء) .. نعم للمعلم الشكر و التقدير من طلابه..و أيضاً له الشكر و حسن العزاء من الدولة..فلا غرو بعد هذا أن راي: ( النقص في الكامل..و القصور في الشامل.!)
و تتواصل معاناة المعلم.. فيغترب أبناؤه الثلاثة..و ينشغلون بنسائهم..و تحريضهن لهم..فيمسكون عن أبيهم المعلم..( الأبناء الثلاثة قطعوا البحار و كذلك السؤال..توسد كل منهم ديس مهرته الجامحه العبق بشذا الياسمين..و أستنام بتحريض من المرسلات عرفاً في إستئثارهم النكير..) إذن أغرتهم الحياة و ألهتهم عن أبيهم..و قد ماثل الكاتب في الإقتباس من التراث و الإرث الديني خير مماثله حين شبه المرأة بالمهرة الجامحة مرةً في حال الدلال و التودد..و بالمرسلات عرفاً في حالة المكيدة و الدهاء.. مما جعل الإقتباس قوياً و ممكناً لدى القارئي أنه أخذ من روح المعني الأصلي..
ثم يعرج المعلم علي ذكر إبنته الوحيدة: ( منجم من الحنان الدفوق و العطاء.) نعم في النساء وفاء للأباء لا نجد مثله عند الأبناء..هكذا يقول البعض..و لو أنصفوا لقالوا: إن المرأة بطبعها جبلت علي العطف و الحنان علي المريض و الضعيف.. و لكن هيهات هيهات.. ثم يواصل المعلم الحديث عن المرأة ذاكراً وفاء زوجته له: ( خديجة بنت المادح.. مرواد العين / كحل الرؤيا / أربعة عقود من الإلفة و المودة و الإيثار..!) نعم لقد ساندته و أنفقت ما لديها من حلي و جهد في سبيل علاجه و إسعاده..( كل ذلك و البعداء لا يمدون لنا يداً.. بل يركلوننا بالبعد و الصد.. لماذا نحبهم و لا يحبوننا؟..لأننا ولدناهم.. و لم يلدوننا ).. رغم عقوق الأبناء.. يظل الوالد محباً لهم..!!
في قصة(الحليب) تبرز المعاناة في ثوب الأسرة.. ذات الدخل المحدود.. حيث نري عجز الوالد عن توفير غذاء الأم الذي يدر اللبن لإبنته..و المرضع تحتاج لأطعمةٍ بعينها تعينها علي إدرار اللبن: ( أقلقتني لهجتها الغاضبة.. كأنها تحملني النتيجة.. كوني أعجز من أن أوفر لها ما يدر لبنها..و الحياة من حولي مجدبة.) تلك الأم تعاتب الأب علي قصوره المادي..كما في الروايات السابقة لهذه المجموعة تتصدر قضية الفقر و العوز و المسغبة..و بالقصة حوارٌ شيق أجراه الكاتب علي لسان البقرة و الجد..
و في ختام القصة يتلاعب الكاتب بالأدوار في شيئيٍ من الطرافة: إذ جعل- مماثلاً - الأم مكان البقرة الغارز لفقرها من اللبن و مماثلاً مرة أخري بجعل الأب مكان البقرة الغارز لفقره من المال..( و أنتِ لم ترضعي بل شربتِ لبن البقرة و أمك غارز.. و إني أحس أني كذلك..!)
في قصة (بلازما) يتحدث الكاتب عن الدم البلازما و علاقنه بالألم و الرغبة و الحياة و الموت و إستصحابه للألم و الراحة في كل مراحله و أوضاعه.. يقول الكاتب عن إقتران الدم بالالم في حال المرض واصفاً بطل القصة الذي يعاني من مرض البلهارسيا: ( أغضب و أغضب للظروف التي أعيشها.. ضنك و مخازٍ و إنكسارات.. شظف يتضور..وضع فوق الإحتمال..) و قطعاً إرتباط هذا المرض ببيئة الريف الفقيرة.. الخالية من الخدمات الصحية..و إهمال المسؤولين لها ليس ببعيد..و هنا تبدو معاناة المواطن في الريف في ثوب المرضنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة يصيبني الغثيان..القرف و الطمام..) و( أتهجد أناء وحدتي و أطراف لوعتي و إصطباري ..!) و لقد ماثل الكاتب بأن جعل السهر مع الألم و الصبر عليه تهجداً لأن التهجد سهر للعبادة و صبر عليها..
و في جانب اخر من القصة يصف الكاتب معاناة البطل مع داء البلهارسيا حين حقنه بالدواءنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة صرخت.. تلويت بأيديهم..ما تركوني حتي فعل فعلته بي..و تضرجت الشمس بحمرة الغسق..و نحر الألم فؤادي فأدماه ..و ما إبتردت حشاشتي حتي و هم يسقونني عصير الليمون البارد.. صدمني ذلك اللون الذي سال متدفقاً علي ساقي و قدمي و العراقي القصير.. رغم أنني ممسكة بيدي, تذكرت و أنا أري ذلك السائل القاني صديقي الخروف..كم بكيت يوم أن نحروه و أنا ألمحه يرفس بأقدامه و إن لم آنف من أكل لحمه الشهي بعد ذلك..؟؟) حتي عصير الليمون لم يذهب عنه ما يجد من ألم..و الشعور بالتقذذ حين تسيل الدماء علي ساقه و قدمه و ملابسه..و منظرها يبعث علي ذكر الخروف الذي يؤلمنا عند النحر ثم نسيغ لحمه بعد ذلك بتلذذ و إشتهاء.. و هنا يبدو التماثل بين الخروف الزبيح و مريض البلهارسيا تماثلاً يلقي بظلال الألم و المعاناة و يمكن له لدي القارئي..
و في ليلة العرس يأتي مد الدم المنبثق عن فض غشاء البكاره مصاحباً للألم و المتعة و مد الدم المتفجر عن الرغبة أو مايعرف بالدم الأبيض الذي يكون منه الولد.. إذ يقول الكاتب عن تلك الليلة: (و كانت تعبة مستلقية..و أنا موغلٌ في الشرود و الدم القاني يسرسب في الملاحف/ و الرغبة المتخثره تفيض..أذهلني الشلال..أهي كريات الرغبة حين تثور؟).. وبعد عام من تلك الليلة يأتي ( الوجع..الطلق..الوجع الصناعي..و أخيراً لا مفر من القيصرية..)..( هل تموت فرحتنا بالميلاد بين الفرعونية و القيصرية؟)..و هنا يعرض الكاتب قضية الختان الفرعوني للإناث..و ما يترتب عليها من عسرٍ في الوضع ينتهي بالعملية القيصرية التي تستدعي متبرعين بالدمنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة و جئنا بالمتطوعين بالسائل الحيوي..و هنا نجد الدم البلازما مصاحباً لهذه المراحل من ليلة العرس و عملية قيصرية فيها ألم المخاض و فرحة الميلاد..و ختانٍ فيه ألم البتر و التضيق و فرح الأمهات..و هكذا يتبعنا ذلك اللون من رقدة المهد إلي طينة اللحد..( الحقل أخضرٌ..و القطن أبيض..و الطين اللازب..و الجزيرة موسومةُ بكونها خضراء..الغروس اليانعة..الأرض البكر..و المرأة البكر..و العملية القيصرية..و العمليات الزراعية..)
لابد للحقل من دماء الشباب الحارة تحرث الأرض و تقوم بكل العمليات الزراعية..فتخضر الأرض و تعطي ثماراً يانعة.. ولا بد للفتاة البكر كما الأرض البكر من بلازما الشباب لتشبعها فتتفتح كما الزرع و تأتي بالولد..و لا بد للعملية القيصرية و العمليات الزراعية من (بلازما) مصاحبة..فيكون الألم و الفرح..و هنا يبدو التماثل مرةً بين الأرض و الفتاة و مرة بين العملية القيصرية و العملية الزراعية.. أتظن أن الكاتب يعقد مقارنةُ بين الأرض و الفتاة و القيصرية و الزراعية؟!. إذن لقال لنا سلبيات و إيجابيات كل حالة لأن المقارنة تستدعي ذلك..لكن التماثل يكون لتعميق المعني و ترسيخه في زهن القارئي..إذ أن التماثل وهو ثمثيل حالة بحالةٍ رأها الكاتب..فتلقى بظلالها علي المعني..مما يعمق و يرسخ للفهم الجيد..
و مرة أخري يقول الكاتب واصفاُ معاناة بطل القصة-مريض البلهارسيا-ساعة الإخراج: ( أكرر محاولتي ..أنجح..الآن ينفلت السائل المجنون المتقطع..يصدمني رغم الراحة لأنه بلون الدم القاني كان..ياقسطرة الزمن المائل..) و هنا تنتاب المريض-بطل القصة-ذكريات ليلة العرس..يبعثها لون الدم المصاحب للحالتين.. و ما أروع تشبيه الكاتب للمرأة بصفحة النهر التي تلتهم محتويات الرجل التي في أصلها بلازما..و خوفٌ خفي يبديه الكاتب علي لسان بطل القصة من مقبل الأيام-بعد المرض-بالعجز من أداء دوره الحيوي!!.(هل ستطفو الشمس ثانيةً بعد أن أراقت دمها علي صفحة النهر؟ أنز..أقطر..و الدمع..و العرق..في لحظة الإنتشاء..) يقول الذين لا يعلمون ما أصاب بطل القصة-مريض البلهارسيا-من عجزٍ جنسي و خزىٍ و إنكسار: (و حقاً إنك لمحظوظ كونك لم يعقرك كلباً )..يظنون أن مجمل آلامه في الحقن!!..
في قصة(الحفلة..!) يتحدث الكاتب عن فتاةٍ شابة متطلعة تمثل نموزجاً لجيل اليوم..فهي متحرره..تلتقي الشباب في سنها و تحادثهم..و ترتاد الحفلات..حيث الرقص و الطرب..و التزين الفاضح..و مع ذلك يماثل الكاتب بدور الأم المضاد و الرافض لجيل اليوم بكل معطياته..
و في جانبٍ أخر نجد عقدة القصة تحدث عن محاولات الفتاة للتفلت من إسار أمها و الذهاب إلي حفلة عرس حيث تلتقي حبيبها و تحادثه..و تريه روعة ثيابها..فتبعث فيه النشوة..و يبعث فيها النشوة بكلامه العذب عن جمالها و بديع تكوينها و روعة ثيابها..
و عن تقاليد جيل الأمس في معاملة البنت يقول الكاتب علي لسان البنت: ( أو أني أستطيع الخروج من هذا الإرث..أخجل من هذا الركود..و هذا الجمود الذي لا يريم..كوابح لا تنتهي..زواجر لا تنقضي..نواه ما تفتأ تصك الطبال" صه..صه..لا تضحكى..سيرى و رأسك نحو التراب..إحتشام الفتاة رأس مالها..ماذا يسوي بدونه حسنها؟؟
نعم هي معاناة فتيات اليوم..و الفهم الخاطئي عن جيل الأمس كونه معقداً..و لكن يبدو الحق كل الحق في جيل الأمس حيث يقول الكاتب علي لسان والدة الفتاة بطلة القصة: ( إلبسي الهادي السادل الذي لا يقول إفعلي..إقلعي..أسكتي أصمتي..أخجلي..أتركي..)
نعم لو أن الفتاة إرتدت ضيق الثياب-كما اليوم-الذي يصف و يشف..لقال عنها المارة..و ما نشدوا منها غير المتعة الحسية الرخيصة..
و عن جيل اليوم من الفتيات و أمهاتهن يقول الكاتب: ( أؤلئك البنات الغارقات في لجة الحب..و سفنهن الماخرة العباب..و ألئك اللأئي وصلن إلي شواطئي الأمان..و رست بهن سفن الإستقرار علي جودي الزواج الميمون فأطفلن و عشن مغموسات في بحار السعادة..)
و هذا أقصي طموح فتاة اليوم..لماذا لا نجد إلا القلة من جيل اليوم..من تعلمن و نلن أقصي درجات العلم..و جعلن همهنا الأول تطوير أنفسهنا و تنمية مجتمعهن بالعلم و ليس سواه..نحن لا ننكر علي الفتاة أن تكون زوجة و أماً..و لكن قبل ذلك نريد منها أن تكون ركيزةً و دعامة لمجتمعها وأسرتها..و بالعلم و ليس سواه تنمو الفتاة قويةً واثقةً من نفسها..فينمو المجتمع..
يقول الكاتب علي لسان الفتاة بعد أن غاب أبيها عن البيت و ذهاب أمها للجيران..صارت تتهيأ للذهاب للحفل قبل أن يأتي والديها : (آهٍ..وحيدة بالمنزل..أبي بالمسجد..و أمي عند الجيران..و ماكيرفون الحفلة ما يفتأ يستفزني..)
و في الجانب الأخير من القصة حوارٌ يجعل القارئي للوهلة الأولي يحس أن هناك حالة تحرش بهذه الفتاة من حبيبهانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة لماذا يفعل بها ذلك؟؟ يا له من تافهٍ حقير أما كانت قبل قليل تحلق في سماوات بعيدة أو تضطجع حالمة في حشية ناعمة..الآن يرمي بها في جب سفالاته المغرضة..و رغباته الوضيعة؟؟ محاولة أن تصرخ.. أن تنادي يا ماما لكنها خافت العاقبه..)
و لكن ما إن نصل السطر الأخير حتي نعلم الحقيقة: ( إجتاحها الغضب تماماً..و هي تعيد محاولة الإنفلات من قبضته..فجأةً و بقوتها كلها إنتزعت منه فستانها و لكن بعد أن مزقه كله يا له من لعين ذلك المسمار.!!
إذن هو مسمارٌ بالحائط أو الباب علق به ثوبها و هي تسرع بالخروج من الغرفة..فمزق ثوبها بعد محاولاتها المتسرعة لتخليص ثوبها منه..
الأستاذ مبارك الصادق بهذه المجموعة قدم لنا تجربة ثرة قالت عنَّا و عن معاناتنا الكثير .. فجاءت أحداث قصصه مخبرةَ عن المواطن بكل شرائحة.. في سردٍ قصصي تتجلي فيه دقة التصوبر وجمال الأسلوب و براعة التناول .. في تماثلٍِ بين الجمل مكن للفهم لدي القارئي و ألقي بظلالٍ علي الكلمات .. لا يستطيع فك شفرتها إلا من رق طبعه و لطف .. و هنا كما الأسلوب البلاغي " الكناية " .. قد شفي غلته من خصمه دون أن يخدش وجه الأدب أو يجعل له سبيلا .. و لكن ليس هذا بكل شئ .. فما يوده الأستاذ " مبارك الصادق" هو إصلاح شأن مجتمعه .. و الرقي به..و إنه لحزين غاية الحزن لما آل اليه الحال و هو من نعم بالقديم الطيب .. و شقي بالحاضر الأليم .. و تلك لعمري رسالة الأديب نحو مجتمعه.. فلتهنأ بها أستاذي مبارك الصادق و ليهنأ بها مجتمعك .. فإن أضاعوها فعظيماً أضاعوا ..

 

طارق احمد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــ طارق احمد أبعاد النقد 2 03-24-2021 11:41 AM
1ـــ3 التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـاص:مبارك الصادق طارق احمد أبعاد النقد 4 03-17-2021 09:22 AM
القِناع ؛ في الجزء الثالث عشر ... ( المقْصلة ) حنان العصيمي أبعاد العام 57 02-10-2020 12:57 PM
عـــــــــذب و عـــــــــــذاب ( الجزء الثالث ) درة الامارات أبعاد النثر الأدبي 8 08-26-2006 08:58 PM


الساعة الآن 12:15 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.