غربة النفس وضياع السنين
جلس فيصل بالمقهى بجوار صديقه وليد الذي سبقه بالمجيء بدقائق معدودة، لشرب القهوة معا، كان مهموما ومشغول البال، يسرح بفكره كثيرا، ترى أثار الأحزان بادية على عيونه، لمح وليد ما بصاحبه من حال يائسة فقال له: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر، سكنت بنفسك الهموم والمآسي، وعينيك تتحدثان بالأحزان، عليك سمات من حمل هموم الدنيا، حتى وهن ظهره، وأصبح سقيما، ألا تهدأ من روعك، وتدع لنفسك وقتا للفرح والسرور.
رد فيصل قائلا: ومن أين يأتي الفرح والسرور, في ظل هذه الحياة البليدة التي لا أمل فيها ولا تفاؤل، لا سعادة ولا سرور، أينما نظرت ترى طعنات الغدر ممن تحبهم، تشعر كأنك تعيش وحيدا بهذا العالم الغريب والبعيد عنك، أستشعر أحيانا كأني خلقت وولدت فقط لنفسي، حياة بليدة تعيسة لا روح فيها ولا جمال، فقل لي من أين تأتي السعادة ومن أين تأتي روح الحياة.
ضحك وليد من كلام صديقه الحميم، وقال له: مهلا يا صديقي فليس هكذا تورد الإبل، اسمع ما سأقول وأنا لك ناصح أمين.
أغلبنا اليوم يعيش مرحلة غربة النفس، هذه الغربة هي سبب أحزاننا وآلامنا، و جعلت حياتنا بؤسا وشقاء، وحولت أحلامنا إلى كوابيس، وفرقت بيننا وبين ما نحب، وسببت ضياع سنين عمرنا وخسارة أعمالنا وأحلامنا.
إن استطعت التخلص من غربة نفسك فإن الحياة ستفتح لها ذراعيها تستقبلك بالزهور والورود الحمراء، تنثر عبيرها العطر عليك، تنشلك من القاع الذي أنت فيه، إلى قمة لا يصلها إلا أهل الفضل والعلم، فتعيش سعيدا كأنك ملكت الدنيا، قلبك مليء بالإيمان والسعادة، ونفسك مرتاحة البال.
وأعلم يا صديقي أن غربة النفس هي متعددة وأنواع ولا بد حتى تصل للقمة أن تتخلص من الأنواع كلها بلا استثناء وإلا بقيت بالقاع متشبثا به كلما حاولت الخروج منه رددت إليه، وستعيش بلا معين لك ولا ونيس بهذه الحياة.
نظر فيصل إلى وليد بنظرات مليئة بالحيرة مما يقول، فما قاله وليد قد لامس أعماق نفسه الملتهبة ووجدانه وأحس أنها اقرب إلى ما يحس به من مشاعر متلاطمة، وطموحات محطمة، وحياة مليئة بالأسى يعيشها.
استدرك وليد نظرات فيصل وقال: سأجيبك عما يدور بخلدك واسمع فإني لك ناصح أمين.
أولا: غربة النفس عن الله تعالى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يولد الإنسان على الفطرة فوالدانه يهودانه أو ينصرانه ). نحن نعيش بعالم بعيدين فيه عن الله ولا نستشعر الايمان الكامل إلا عندما نقع بأزمة خانقة فنلتجأ إلى الله، وإذا فرجت علينا نعود كما كنا نلهو ونلعب ولا نتذكر الله إلا سويعات قليلة بأوقات الصلاة هذا إذا كنا مصلين، من ارتبط بحبل الله فإنه لا يضل ولا يضيع بل سيكسب خيرا كثيرا، مع الله أنت بغنى النفس والكرم وراحة البال، مع الله أنت تعيش عزيزا مقتدرا تحس برحمة الله تلطف حياتك ومسعاك، تستشعر رحمته كلما احسست بضيق، أينما ذهبت تشعر ان الله يظلك بظله يحميك ويوفقك ويأخذ بيدك للطريق الصحيح، ما خاب من كان مع الله ولا نجح من ترك الله وظله، انظر ماذا فقد من ترك الله وماذا كسب من ارتبط بوثاق الله، ولك بتاريخ الصحابة الحفاة والجياع، كيف أصبحوا بعدما ارتبطوا بحبل الله عظة وعبرة.
ثانيا: غربة النفس عن والوالدين
قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا ) رضى الله من رضى الوالدين وأنت كلما بررت بهم وخدمتهم ورضوا عنك ، كان لك من الله تعالى التوفيق في حياتك وآخرتك والغنيمة من كل شر، وأعلم بأنك لو عصيتهم وعاملتهم أسوأ معاملة، فإن حياتك ستنقلب حياتك إلى نكد وشقاء، وتشعر بأن الدنيا تنقلب عليك فقد جلبت على نفسك نقمة الله ونقمة والدين وعصيت الله بكتابه فلا تلومن إلا نفسك.
ثالثا: غربة النفس عن الإخوان وصلة الرحم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة قاطع رحم )
من لا اخ لديه فهو شقي بالدنيا وعليك بالإخوان وبمعاملتهم معاملة طيبة فهم منك ومن دمك، ما يسوءك يسؤهم وما ينالك ينلهم، هم سندك بحياتك وبأزماتك، عندما يتخلى عن الآخرون وتحس أن الدنيا قد ضاقت عليك فأعلم ان أخاك لا يتركك وسيوفيك حقك مهما جار الزمان.
والزم جانب صلة رحمك فإن فيها الخير الكثير من مال وفير ونفس مطمأنة، وكلما وصلت رحمك فإنك تصل الله، ومن وصل الله لا ضاع ولا خاب، ففي صلة الرحم راحة للنفس وطمأنينة لها ويكفيك أن فيها رضا من الله.
------>