استهلال:
في داخل كل منا كاتب قد و قد لا يستيقظ، كما و في داخل كل منا قارئ قد و قد لا يغفو.
الكتابة فن، فنٌ بحد ذاتها. الفن ما هو إلا لغة، لغة المشاعر. فالمرء منا حين يمارس فناً، فهو يفصحُ عن مشاعره بلغة ذلك الفن؛ كما أن كل فن لغة يمارسه المرء يتحدث بها عن ما تقول مشاعر، كلغة الرسم، الكتابة، الموسيقى، الرقص... إلخ؛ و ما الكتابة إلا لغة من لغات الفن التي يمارسها المرء مفصحاً عن مشاعره متحدثاً بها للآخرين.
فأنت حين تكتب تتحدث بمشاعرك، تخبرنا بما تشعر، بما يخالج شعورك بلغة الكتابة. فبما أن الفن لغة المشاعر، كان في أصل المرء الاقتدار على دراسة، تعلم، احتراف و البراعة فيها. كون أن الكتابة لغة من الفنون، فهي قابلة للتعلم كما اللغات؛ ليست موهبة فريدة في بعض منا دون الآخرين. فالكتابة لغة قابلة للتعلم كأي لغة من الفنون. كما أن تعلمها، لا يؤكد حقيقة اجادتها، و إتقانها التام. فمتعلم لغة ما، يختلف عن الآخر ببراعته في اللغة، بأدائه، سلاسته في استخدامها، و مقدرته على الترجل فيها. حيث أن كل الخصائص التي تنطبق على أي لغة من لغات التواصل، تنطبق على لغات المشاعر كذلك، فالارتجال في لغة المشاعر "الفن"، هي أعلى درجات اتقان تلك اللغة أكانت الرسم أم الكتابة أم غيرها. فحين كانت لغات التواصل، الصوتية منها، تختلف من لغة لأخرى بين متحدثيها في تركيبها، أسلوبها، نمطها، طريقتها، كذلك لغات المشاعر تختلف بين متحدثيها من كل تلك الزوايا أيضاً.
من هذا المنطلق، عليك أن لا تتسرع في اتقان لغة الكتابة، و تتريث في تعلمها و بلوغ أعلى درجات سُلمها. فالارتجال فيها ليس إلا درجة عالية من الإتقان. فحين تكتب، أنت تتحدث، تخبرنا بما تشعر به الآن و أنت تكتب، حيال أي شيء، و لأجل أي شيء، و بسبب أي شيء. لا تتخذ الترجل شرطاً فيما تخبرنا عنه، ذاك الذي تشعر به. اكتب وحسب، و إن أردتْ، عد إلى ما كتبته لتنقحه، تعدله، تزيد فيه، تنسقه... إلخ كما تفعل تماماً في احدى لغات التواصل، الصوتية منها، حين تعد لها و تهيئها ليظهر ما تود ايصاله للآخرين بشكل جيد مفهوم.
لأخبرك الآن الأربعة أسرار التي لطالما تعرف الإجابة عنها في قرارة نفسك، اقتدرتَ على الحديث بمشاعرك بشكل جيدٍ يفهمك فيها الآخرون حين تتحدث عن مشاعرك بلغة الكتابة.
إذن، حين تشرعُ بإخبارنا عما يخالج شعورك بالكتابة، بعيداً عن سبب، مُسبب، نتيجة ذلك الشعور، حين تشرع في الكتابة، عليك أن تفكر قبل أن تكتب في أجوبة هذه الأسئلة الأربعة في قرارة نفسك، التي لا ينفك أحدها عن الآخر قيد أنملة. إذ أن كل سؤال منها نصف إجابته متصل بنصف إجابة السؤال الآخر و لا يمكن أن تفصلهما عن بعضهما البعض إطلاقاً بينما أنت تكتب. حسنٌ. هاكْ، إليك هذه الأسئلة:
- لماذا ستكتب؟
ما الذي دعاك إلى أن تكتب؟ ماذا الذي تشعر به؟ ماذا تود أن تخبرنا فيما تشعر؟ ما الذي ترغب في أن تنفسه عن نفسك من شعور؟ غضبك؟ ألمك؟ ردة فعلك حيال أمرٍ ما؟ حيرتك؟ تساؤلك؟ ما الذي ترغب في أن يشاركك القارئ فيما تشعر؟ فرحك؟ حزنك؟ بؤسك؟ ألمك؟ وحدتك؟ ما الذي حقاً ترغب في أن تقوله لي حين تكتب؟ أنا سعيد؟ أنا لا أحتاج لأحد؟ أنا أثق بنفسي؟ أنا أحتاج التحدث إليك؟ أنا أعارض تلك الفكرة؟ أنا لا أتفق إلا مع ذلك؟ أنا لدي فكر؟! أخبرني، ما الذي يدعوك للكتابة من بين كل هذه و غيرها من الأمور؟ قل ببساطة وحسب، بما تشعر به فيما تكتبه؟
في هذه المرحلة، انتبه في كتابة ما تشعر به، لأنك حين تكتب غير ما تشعر به، سوف لن يكون في كتابتك أي روح. فالكتابة في غير شعور أياً كان ذلك الشعور ايجاباً أو سلباً يكون، لن يتيح لك فرصة قراءة ما تكتبه من قبل الآخرين. فالناس حين تقرأ، تقرأ لتبحث عن ما يلائم ما تشعر به، ما يشابه شعورهم الآن، لتشارك مشاعرها مع الآخرين، أولئك الذين يتحدثون بما يشعرون. لا حاجة لأحد بقراءة ما لا يكمُن فيه أية شعور مطلقاً.
حقيقة، هذا ما يمنح نصك، أياً كان هذا النص، قيمة حقيقة. لا تقف على ماهية ما تشعر به، اكتب و حسب ما تشعر به من غير أي تحديد لهوية شعورك. فالشعور بحد ذاته قيمة الكتابة التي مطلقاً لا تستقيم من غير شعور. في حين أن: كيف تشعر يحدد لك ما نوع ما تكتب أو ما يمكن أن يكون ما تكتبه على من صورة.
حين تقرأ نصاً، يخالجك اعتراض في بعضه و اطراءه في أخراه، اكتب ما شعرتْ به من اعتراض و ما تود أن تخبر به من ذلك الاطراء الذي اختلجك؛ و هذا ينتج لك نصاً لا يشبه ما ستكبته حين تشعر بالأسى حيال أمر ما قد صادفك اليوم في حدوثه، بخلاف الذي ستكتبه حين ترغب في اخبار مجموعة من القراء بقضية تشغلك و لا تقتدر على طرحها بصوتك بقدر ما تقتدر على ذلك بشعورك بلغة الكتابة. إذن، اختلاف النصوص فيما تكتب في حالاتٍ كتلك و غيرها، يحيلك للمرحلة التالية بعدما تشعر؛ حقيقة، ما الذي جعلك تشعر؟ أي السؤال التالي الذي يتطلب منك عناية الإجابة بعد اجابتك عن السؤال الأول الآنف؛ عن ماذا سأكتب؟
- عن ماذا ستكتب؟
أنت شعرتْ، و اعتراك الشعور حيال أياً يكون. الآن عليك أن تسألك، لماذا اعتراك ذلك الشعور؟ ما الذي دعاك لأن تشعر بما شعرتْ به؟ أمراً تعارضه؟ أزمة ترغب في حلها؟ موقفاً أحزنك؟ فكرة قد زارت عقلك؟ ما الذي جعلك تشعر ما تشعر به الآن قبل أن تكتب؟ عليك أن تحدد ذلك لتتمكن من التحدث لنا بما تشعر.
قل لي أن فرحاً انتابك لإتمامك انجازاً ما رغبت في إنجازه منذ وقت. قل لي أن حزناً اعتراك لفقد فقيدٍ عزيزٍ عليك. قل لي أن هماً يثقلك لمعضلة لا تجد لها حلاً. قل لي أن قضية تستثير غضبك. قل لي، أخبرني لما تشعر بما تشعر؟ ما الذي يمنحك هذا الشعور الذي تشعر به حين ترغب في اخباري ما تشعر؟ جد الإجابة، ابحث عنها و لا تكتب من غير أن تجدها. لأني و أنا أقرأ ما تكتب، أرغب أن أعلم بشكل مبطن ما الذي دعاك لما تشعر. و حين تخبرني بذلك أنت فيما تكتب، فأنت تمنح نصك قيمة ذهبية، تساعدك على أن تكتب لتخاطبني شعورياً أكثر من مخاطبتي نصياً. لهذا، أخبرني، أخبرني بالكتابة ما الذي دعاك لهذا الذي تشعر به.
حين تعلم ذلك الذي تسبب لك في الشعور الذي يختلجك، سيتضح لك في ذهنك عن الذي ستكتب عنه و هو الذي تسبب لك في ذلك الشعور الذي يخالك؛ إذ أنك هل ستكتب عن قضية؟ موقف حصل معك؟ كيفية عمل شيء ما للمساعدة؟ فكرة؟ حادث؟ أزمة؟ ردة فعل؟ أي شيء، ما الذي يدعوك للشعور بهذا الشكل. حينها حتماً، ستتمكن من أن تحدد كيف ستقول ما تشعر به، و الذي بالنتيجة سيخبرك و ينتقل بك إلى السؤال التالي: كيف ستكتب؟
- كيف ستكتب؟
الآن، ها أنت ذا شعرت، متمكناً من تحديد ما الذي شعرتَ به، و ما الذي تسبب لك بذلك الشعور الذي اعتراك و شعرت به. قل لنفسك الآن، كيف هي الطريقة المثلى بالنسبة لك، التي ستتحدث بها عن ما تشعر به بالكتابة و تخبرنا من خلالها بما تشعر؟ اسأل نفسك. ما الطريقة الأمثل لك لإخبارنا ما تشعر به؟
كيف يمكنك أن تخبرني بما تشعر؟ كيف ستقول لي أني أشعر بكذا و كذا؟ أو ستخبرني عن هذا التي تشعر به؟ أترى على هيئة قصيدة؟ شعر؟ مقال؟ نقد؟ قصة؟ رواية؟ نص؟ حوار؟ فلسفة؟ هذيان؟ نقاش؟ خطاب؟ رسالة؟ طلب؟... إلخ.
أين يمكنك أن تجد نفسك في سلاسة و أنت تخبرني عن ما تشعر به؟ أين تجد ما يبدي لي شعورك؟ منتبهاً بأن لا تتحدد في حدود طريقة ما، لك الحرية، كل الحرية التامة في الطريقة التي ترغب فيها لإخباري عن ما تشعر به بالطريقة التي تشرحك و توصل إلي ما تتحدث به من شعور. أخبرني و حسب. تحدث إلي. قل لي بلغة الكتابة بطريقتك، الطريقة التي تلائم الإفصاح عن شعورك هذا، بما تشعر به؟ هيا، ما الذي تشعر به؟
حيثُ هنا، عليك أن تتوقف، و تسأل نفسك عني أنا، من تخبره بما تشعر، من قد يكون؟ و كيف من الممكن أن أتلقى ما تكتبه بالطريقة التي كتبته و تتحدث عن شعورك به؟ من أنا التي تقرأ ما تشعر به؟ هذا الذي يحيلك للجواب على السؤال الرابع، و الذي يقتصر على من أكون أنا القارئ لما تشعر به؟ أنت، من تشعر و تتحدث بلغة الكتابة، ترى لمن تكتب؟
- إلى من ستكتب؟
عليك جيداً أن تعرف إلى من تتحدث حين تتحدث و تتواصل مع الآخرين و أنت مدرك تماماً فيما تتحدث معه ما ترغب بالتحدث عنه أمامه. كذلك هي الكتابة، مع من تتحدث حين تكتب؟ من الذي ترغب بإخباره ما تشعر به؟ من يكون المُتحدث معه فيما تكتب؟
لا تنسى أن الكتابة لغة، عليك معرفة المتحدث معه، المتحدث إليه، فيما أنت تتحدث بما تشعر به. لهذا، لا يمكنك الكتابة لمجرد الكتابة وحسب. عليك أن تكون مدركاً تماماً لماذا تتحدث؟ عن ماذا تتحدث؟ كيف تتحدث؟ لمن تتحدث بالتحديد؟
كن مدركاً تماماً لمن تتحدث عن مشاعرك بلغة الكتابة، كيف تتحدث بها، فيما تتحدث، و لما تتحدث بها في المقام الأول. عليك معرفة ذلك تماماً للتمكن من الحديث بشكل جيد مفهوم. لتتمكن من إيصال صوت مشاعرك بشكل ممتاز. فليس الكل يفهم ما تتحدث به بالكتابة.
كون أن الكتابة لغة؛ عليك اختيار من يفهم تلك اللغة و يجيد التعاطي بها، لتتحدث إليه. تخبره كيفما ترغب بما تشعر به بطريقة ما.
هذا يمنحك المقدرة على التواصل بالكتابة، و حين تتمكن من ذلك، مارسها. شيئاً فشيئاً ستقتدر على اتقانها إلى أن تكون في أعلى سلمها، الارتجال بالتحدث بها، التحدث بلغة الكتابة.
هأنتذا، بإمكانك التحدث بمشاعرك بالكتابة. التواصل بالمشاعر بالكتابة، بإمكانك الكتابة. بإمكانك مخاطبتي بالكتابة. ها أنت ذا تكتب، تتحدث، و تبروَز بالكتابة كاتباً متحدثاً سلساً بها. أرني ما لديك بالكتابة.
..