قلت: لصديقي فارس ونحن ننتظر قدوم النادل
عليك أن تكون ذاتك هي منافسك ومقياسك لنجاحك
قال: مشكلتي يا خالد عوّدتني البيئة والمجتمع على طريقة المقارنة والمنافسة في التفكير .
حسناً ... فقد إتفق الكثير من علماء النفس على أن الشخصية هي :
كل ما يوجد لدى الفرد من قدرات ، وإستعدادات ، وميول ، وآراء ، واتجاهات ، ودوافع ، وخصائص جسمية ، وعقلية ، ونفسية ، وأخلاقية ، وروحية ، وفكرية ، وعقائدية ، ومهنية .
وهي أيضاً مجموعة الصفات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية التي تظهر في العلاقات الاجتماعية لفرد بعينه وتميزه عن غيره .
من جهةٍ أخرى وفي نفس السياق أقترب لكم بهذا المثال ، هناك شاب أمامه لوحة بيضاء جميلة تزهو بنظافة وجهها وكأنها تقول له لتدنو منّي فتقتحم بياضي بألوان ريشتك ، هو في غرفةٍ مغلقةٍ لا صوت فيها ، لا إنسان هناك غيره ، ينظر إلى تلك الريشة التي لم يتغيّر لونها ، يحدّق في الجهة الأخرى بتلك الألوان التي لم تتبعثر من حوله فهي في مكانها بانتظام ، يعيد النظر تارة أخرى إلى تلك اللوحة وكأنّه يقول أعتقد أني لا أملك ما يدعوني للبدء ، فجأة يأتي صوت أقدام من بعيد يقترب ذلك الصوت ، يزيد من إنتباه أُذُنًيّ هذا الشاب ، صوت تحريك المفتاح في الباب يحفّز الشوق لدى الشاب ، ينفتح الباب وتأتي تلك النظرة المسرعة مصحوبة بابتسامة ، دون ما حديث أخذ القادم الريشة والألوان وبدأ يرسم خطاً هنا وآخر هناك وإذا بقادمٍ آخر يأتي نظر إليه وهو يرسم فقال جميل رائع أنت رسّام محترف ، إلتفت إلى صاحبنا الشاب فقال ما الذي أتى بك هنا أ أنت مهتمّ بالرسم ..؟ أتى الجواب وبصرخة الغاضب نعم أنا رسّام وهذه لوحتي وتلك ألواني وريشتي ، سأله الرجل هل تستطيع أن ترسم لنا الآن ..؟ نعم أعطني هذه الريشة وقرّب لي لوحتي وبدأ يرسم وبدأت تتالى الأفكار حتى أن أكمل لوحةً بديعة لا تقارن بما فعله ذلك الآخر ..!
جيّد ... صاحبنا هذا عندما كان وحيداً بلا منافسات توقّف عقله عن التفكير ولم يصل إلى نقطة الاشتعال داخله ، وعندما أتى من يحرّكه بدأ العقل ببثّ رسائل سريعة إلى الحواس لتحفيزه وبدء العمل .
من وجهة نظري أنّ الإنغلاق - بوعي بما يحيط حولك - على الذات هو من اسباب النجاح حيث أنّ الإنغلاق سوف يولّد بالضرورة الخصوصية ، والخصوصية سوف تولّد بالضرورة التحديد والدقّة والتميّز ، و أولائك سينتج عنهم النجاح .
المنافسة والمقارنة ومتابعة الآخرين بما يقولون و يفعلون ، هو بالتالي سوف ينتج عقولاً متشابهة ، وسيكون فقط صدى لصوتٍ قد يكون هزيل .
نردد كثير ما يقال " إذا كان الجميع يفكّرون بنفس الاسلوب فلا أحد يفكّر " ، حقيقةً فإن كلّفوا واحداً يفكّر بدلاً منهم لكان أفضل وأكثر هدوءً ، أعود وأقول إنْ كان الحافز الوحيد للعمل الآخرين فهو ليس إلاّ دوّامة خطيرة تحاصر الفرد ، فهو بالتالي سينتظر طويلاً أفعال الآخرين ، وهي هدر لوقته حيث أن من المفترض أن لكل إنسان مجاله الذي ينطلق من خلاله فكيف لي أن أنافس مثلاً مغنٍّ مع العلم أن لا أملك من جمال الصوت ما يقرّبني للغناء ، وكيف لي أن أنافس رسّاماً مع علمي أنني لم أمسك بريشة يوماً من حياتي .
وعليه السؤال : لماذا هناك البعض ينتظر من حوله يفعلون لكي يبدأ ومن خلاله للمحاكاة أو المضادة ..؟
برهه :
يعتقد البعض أن ما هو عليه الآن جيّد وموافق لما يدور من حوله ومطابق لقدراته وإمكاناته وهو لم يرى ما حوله ولم يفتّش عن إمكاناته ، والبعض الآخر يظن أنه سيء ولم يستغل معظم قدراته وإمكاناته ، ولكنه يعزو ذلك دائماً إلى القدر والحظ وأشياء خفيّة أخرى لا أحد يعلمها والمشكلة أنه حتى هو لا يعلمها لأنها بالحقيقة وهم لا وجود له .
خالد ...
شتائي السابع والعشرون 2008