دراما الحياه والموت
ــــــــــــــــــ
إذا ولد الإنسان فإنه حتماً سيموت .
هل قلت جديداً بالطبع لا فما قلته من المسلمات ويعرف هذا القاصى والدانى والصغير والكبير .
وبين الميلاد والموت حياة إنسان بحلوها ومرها ونجاحاتها وإخفاقاتها مروراً بكل تقلبات الحياه التى نعرفها جميعاً الى أن يأتى الموت ويالها من نهايه .
لكن هل يوجد تشابه بين الحياه والموت رغم وجود هذا التناقض الذى نظن أننا نعرفه جميعاً .
فى تصورى أنه يوجد تشابهه بين الحياه والموت
التشابه الأول :- تبدأ الحياه بالميلاد وعندما يولد الإنسان لايكون له إسم ( وهذا طبيعى ) وينادى بندءآت وأسماء عديده مثل ( المولود ـــ الطفل ــ النونو ـ الضيف الجديد ــــ الى آخر تلك الأسماء ) وكذلك عندما تنتهى الحياه بالموت ينزع الإسم من صاحبه بطريقه تلقائيه حتى أن اهل الميت أنفسهم ومعارفه وأصدقائه ينادونه بمسميات عديده عدا إسمه مثل ( المرحوم ـــ المغفور له ـــ الفقيد ـــ الراحل ــ إلى آخر تلك المسميات ) وأنت تعلم عزيزى القارئ أن إسم الإنسان من أهم الأشياء التى يعتز بها الإنسان فى حياته كلها .
التشابه الثانى :- فى الموقفين ( الميلاد والموت ) يتجمع الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران والمعارف وشتان بين الجمعين فالجمع الأول يأتى للترحيب بالقادم للحياه ويكون هو يبكى وهم يضحكون و الجمع الثانى يأتى لتوديع الراحل من الحياه ويكون هو صامت وهم يبكون وشتـــــــــــــــــــــــــــــان بين الجمعين والموقفين .
التشابه الثالث :- يتشابهه زى القادم للحياه وزى الراحل من الحياه فكل منهم يبدأ رحله جديده فى عالم جديد تحتاج الى زى جديد فزى القادم للحياه يطلق عليه ( اللفه ) وزى الراحل عن الحياه يطلق عليه ( الكفن ) وكل زى منهما يتميز بالبساطه وعدم التكلف وفى كلتا الحالتين لا يرتدى الشخص زيه بنفسه بل بمساعدة من حوله .
التشابه الرابع :- فى الدين الإسلامى عندما يولد الطفل القادم للحياه يتقدم أحد من الأقارب أو المعارف من الصالحين ويؤذن فى أذن المولود وعند وفاة الشخص الراحل عن الحياه يتقدم أيضأً أحد من الأقارب أو المعارف من الصالحين وربما يكون هو نفس الشخص الذى سبق وأذّن فى أُذن المولود ليصلى عليه صلاة الجنازه التى تتأخر إقامتها منذ أُذ ّن لها بمقدار عمر هذا الإنسان وعجباً لحياه تبدأ وتنتهى بين آذانٍ وصلاة .
التشابه الخامس :- فى مجتمعنا يستقبل المولد بإحتفال كبير يطلق عليه ( السْبّــــــوع ) وأول ما يسمع المولود القادم للحياه فى هذا الإحتفال الأصوات العاليه ( الزغاريد ودقات الهون ) ويودع الراحل من الحياه بإحتفال كبير ايضاً يطلق عليه ( المأتم ) وآ خر ما يسمع الميت الراحل من الحياه عندما يغادر الحياه الأصوات العاليه ( البكاء والصراخ ) .
التشابه السادس :- المولود القادم للحياه يدخل فى عالم جديد ولكنه عالم مؤقت ولايستطيع أن يخبرنا بما حدث له أثناء مكوثه فى العالم الذى كان به وغادره الى الدنيا وهذا القادم للحياه يخرج الى الدنيا من مكان مغلق وهو ( بطن أمه ) والميت الراحل عن الحياه يدخل فى عالم جديد ولكنه أبدى ولايستطيع أن يخبرنا بما سيحدث له أثناء مكوثه فى هذا العالم الذى أصبح فيه ودخله وهذا الراحل عن للحياه يدخل من الدنيا الى مكان يتم غلقه عليه وهو ( القبر ) ولا يعلم بحال كل منهما فى كلٌ الأحوال وفى كل وقت الإ الله سبحانه وتعالى .
التشابه السابع :- فى كل ماسبق من إحتفاليات وطقوس ( السُبوع ْ – العزاء ) تقام لإستقبال القادم للحياه ووداع الراحل عن الحياه هى عباره عن عرض مسرحى والبطل الحقيقى لكل عرض منهم لا يملك من ألأمر شيئاً و لا حول له ولا قوه ولا يعلم بحــــــاله الإ الله سبحانه وتعالى
كما أن القادم للحياة يحتاج هو شخصياً الى وثيقة إداريه ( شهادة الميلاد ) ليُعترف به كضيف جديد على أرض الله وغالباً ما يكون أحد الوالدين هو من يقوم بإستخراج تلك الوثيقة ومن المؤكد أنه يكون هذا الوالد سعيداً وهو يقوم بهذا العمل
كما أن الراحل عن الحياه يحتاج آخرون قريبون منه الى وثيقة إداريه ( شهادة الوفاة ) ليُعترف به كضيف سابق على أرض الله وغالباً ما يكون أحد ألأولاد هو من يقوم بإستخراج تلك الوثيقة ومن الممكن أنه يكون هذا الولد حزيناً وهو يقوم بهذا العمل .
وســـــــــــــــــــــــــــأروى لك عزيزى القارئ قصه حدثت بالفعل ولا زلت أتذكرها فقد حضرت عزاء ذات ليله وكان المتوفى رحمه الله شاب فى السنه النهائيه بالجامعه وكان قد توفى إثر حادث اليم وهو قادم من الجامعه التى يدرس بها .
وأنا أحرص كل الحرص عند حضورى أى عزاء على الجلوس بمكان أتمكن من خلاله أن أرى وجهه القارئ وهو يقرأ القرآن الكريم ربما لأرى إنفعلات وجهه وهو يقرأ القرآن الكريم .
وكان قارئ تلك الليله مازال شاباً ربما يقترب من عمر الشاب المتوفى بل ربما كان فى نفس عمره وكان والد هذا القارئ الشاب وهو قارئ للقرآن الكريم أيضاً أعتاد أن يقدم إبنه فى المناسبات الدينيه المختلفه كقارئ للقرآن الكريم .
وكنت فى جلستى أرى كل من والد الشاب المتوفى وأرى والد القارئ الشاب فقد كان الإثنان يجلسان متجاورين وعلى أريكة واحده وكنت أتأمل وجهه كل منهما والد الشاب المتوفى ووالد القارئ الشاب فرأيت منظراً يستحق التأمل .
فكان والد الراحل الشاب ينظر فى وجوه و عيون المعزيين ربما يجد فى نظراتهم اليه ما يعزيه بفقد ولده الشاب .
وكان والد المقرئ الشاب ينظر أيضاً فى نفس الوجوه ونفس العيون ليتبين رد فعل قراءة أبنه للقرآن الكريم على ووجوه المعزيين .
فكلاهما ينتظر شيئاً مـــــــــــاً من الآخرين وكلٌ يتمنى أن يحصل على مايريد وشتان بين تمنيات كل منهما .
وأثناء مغادرة المعزيين لمجلس العزاء وقف كل من والد الراحل الشاب ووالد المقرئ الشاب لوداع المعزيين فكان كل من حضر ليؤدى واجب العزاء وهو خارج من قاعة العزاء للإنصراف يربت على يد والد الراحل الشاب ويحتضنه ويهمس له بكلمات العزاء والمواساه ويتمنى لإبنه الرحمه
ثم يربت على يد والد القارئ الشاب ويهمس له بكلمات الثناء لإعجابه بطريقة إبنه فى تلاوة القرآن الكريم ويتمنى لإبنه التوفيق .
وشتـــان بين إحساس الوالدين وحال الولدين
هل تعجبت عزيزى القارئ مما قرأت
أرجوك ألا تعجب فتلك درامــــــــــــــا الحيـــــــــــــــــــاه والمـــــــــــــــــــوت
هذا المقال من ضمن مجموعة مقالات تضمنها كتابى
( ما بين الحكمة والجنون )