------------------------------
المصدر جريدة الرياض عدد 11980 تاريخ 12/4/2001للشيخ/ احمد علي باشا العواصي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احبتي نظرا لفائدة واهمية هذا المقال الذي يبين لنا نواة فضيلة الكرم عند العرب رغبت بنقله لكم
فضيلة الـــكرم عرفت منذ ان عرفت مـــكة المكرمة
عندما يصعب علينا معرفة امر ما معرفة اكيدة وثابتة على وجه الدقة علينا معرفةالاساس التاريخي لهذا الامر.ولا سيما يختلف البعض في اسباب وجود واهمية ودور سلوك معين او عادة محددة او عرف او فضيلة او حتى ظاهرة اجتماعية.هنا تظهر اهمية الاعلام من علماء الدين والافذاذ من اهل التاريخ وعلم الاجتماع وحاجة الامة لهم.كي يفسروا لنا هذه الفضيلة او تلك ويشرحوا اختلاف هذا العرف من ذاك وانسجام سلوك معين مع ميراث الامة الفكري وتنافي آخر عنه.ومما لاشك ان لكل امة خصوصيتها ومن خلال هذه الخصوصية تتحدد هوية الامةوشخصيتها ‘ وتكون بذلك منفردة عن غيرها من الامم وفضيلة الكرم هي جزء من خصوصية هذه الامة.اما سبب وجود هذه الفضيلة واساس ظهورها هو سبب ديني واساس عقائدي مرتبط بوجود مكة المكرمة (ام القرى) أي ام الكرم لا كما يظن البعض بان الكرم عند العرب سببه جغرافية بلادهم ‘ وطبيعتها الصحراوية.ولو كانت الصحراء هي سبب وجود هذه الفضيلة لوجدت هذه الفضيلة في كل مجتمع انساني يقيم في صحراء .والصحراء موجودة في كل قارات العالم عدا قارة اوروبا ، ولم نجد هذه الفضيلة موجودة الا في هذه الامة.مما يدل على ان سبب وجودها ليس الجغرافيا. ووجود فضيلة الكرم بشكل متجانس ومتطابق في هذه الامة ولا توجد لها اشكال مختلفة ومتباينة عندما كانت لهجاتهم مختلفة وديارهم متباعدة ،فالكرم في الشمال هو ذاته الكرم في الجنوب فاصبح عرفًا وسلوكًا واحدًا مسلمًا به رغم تباعدالمسافات وتباين الامصار واختلاف اللهجات وتعاقب الازمنة.والبيئة تؤثر على سلوك ابنائها وبنيتهم وتصبغهم بصبغتها وتلقي عليهم بعض صفاتها عندما تتعاقب الاجيال في ذات البقعة الجغرافية ،وانا لاانفي اثر البيئة علىالانسان في شبه الجزيرة العربية ناهيك عن باقي بلاد العرب توجد جغرافيا مختلفةفهناك الجبل والسهل والساحل وهناك شكل واحد لفضيلة محددة.ان الذين يقولون بان الجغرافيا هي سبب وجود فضيلة الكرم وقعوا في وهم كبيروخطا جسيم.ويبدو ان فضيلة الكرم قد كتب لها الظهور في شبه الجزيرة العربية عندما اتى الامرالرباني الى ابراهيم عليه السلام فقال تعالى(واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليمربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم)(سورة البقرة)واتى الامر الرباني الآخر إلى إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى(واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر ياتينا من كل فج عميقليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على مارزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها واطعمو البائس الفقير) (سورة الحج)هناك بدات فضيلة الكرم تبان معالمها وتتحدد اساليبها وتظهر اشكالها واخذابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام يعلمون فضيلة الكرم في جانب الضيافة،فابراهيم عليه السلام المعلم الاول لفضيلة الكرم ومكة المكرة هي المدرسة الاولىلهذه الفضيلة والمنهجح كان ربانيا من اكرم الاكرمين.حيث انهم تشرفوا في تشييد بيت الله في مكة المكرمة.ثم دعا ابراهيم الناس الى الحج الى بيت الله.فان الحجاج هم ضيوف الرحمن والمضيف هو خادم بيت الله ، فظهر مفهومالضيافة وعرفه كل من جاء حاجا الى بيت الله في مكة.حيث قام ابراهيم واسماعيل عليهما السلام بخدمة ضيوف الرحمن واستضافتهم وممالاشك فيه ان الضيوف نال اعجابهم مالقوا من حسن ضيافة ومالقوه ابتداء شئ لم يكن معروفا من قبل وبذلك فان اول من تلقى الضيافة هو وفد الحجيج الاولالذي اتى الى مكة المكرمة في عصر ابراهيم واسماعيل عليهما السلام واول من قام بواجب الضيافة هو ابراهيم واسماعيل عليهما السلام فنقل الوفد الاول من الحجاجالى ديارهم بعد عودتهم ماشاهدوه من كرم ضيافة ومن خلال تراكم الوفود وعبرالعصور تاصلت هذه الفضيلة كسلوك وعرف يحتذى به ويقتفى اثره الى ان عمت هذه الفضيلة على الامة ككل والعرف هو ماتعارف عليه الناس منذ القدم على انه خير.فاصبح من ياتي هذه الفضيلة ينال من الشرف بقدر مايقدم ويضحي من اجلهاومن يتخاذل عنها ويتجنبها يذم ويقدح به بقدر تجنبه لها. وقد تعلمت هذه الامة من بيت الله الكثير واخذت منه العديد من قيمها وفضائلهاومن المؤشرات التي يستانس بها وتشير الى دور مكة المكرمة في ظهور الكرموالعديد من الفضائل الاخرى وعلى سبيل التمثيل وليس الحصر نجد: 1.ان الضيافة ثلاثة ايام،ونجد المبيت في الحج ثلاثة ايام بلياليها. 2.ان من اسماء مكة المكرمة بيت الله الحرام ،ومن هذا تعلمنا ان للبيوت حرمة وحاشا للتشبيه ان بيت الله لايشبهه شي. ولكن مفهوم حرمة البيوت اخذ من هنا في الاصل. 3.ان الله عز وجل يحيي ضيوفه (الحجيج)،وتجد الفرد في هذه الامة يرحب بضيوفه وعلى سجيته بعبارة(يالله حيه) 4.ام من دخل بيت الله فهو امن ،وتجد من لاذ بيت فلان وجب على الاخير الدفاع عن المستجير. 5.من زار بيت الله اسقط ذنبه.ومن زار بيتك امن جانبك ولا تسصتطيع الا ان تحميه كما لا يمكنك الانتقام من الجاني اذا زارك واثناء وجوده في بيتك. 6.ان اساس الضيافة واول ظهورها قيام الناس في الحج الى بيت الله حيث ان الحجاج هم ضيوف الرحمن ،انك تقول وعلى سجيك (الضيف ضيف الله). 7.ان نداءالتلبيه من الحجيج (لبيك اللهم لبيك) يقتضي وجود دعوة سابقة حتى جائت التلبية. وقد كانت الدعوة ابتداء من ابراهيم عليه السلام عندما امره ربه بذلك(سورة الحج)مما تقدم نجد ان لمكة اثرا بليغا في معظم القيم والمثل التي تحلى بها ابناء الجزيرةالعربية وسعوا الى نشرها في اطراف اخرى من بلاد العرب والمة الاسلامية.وما تقدم هو تفصيل بسيط جدا عن احد اجزاء الكرم وهو الضيافة او الجود اوالسخا وهذا فرع من فروع الكرم،الذي جمعه مكارم (فضائل) فليس الجوداو السخاء هو الكرم كله. بل الخلق كرم والعفو كرم وحسن المعاملة وحسن الجوار والعفة كرم وبذل العلم كرم لذا نالوا الاعلام من علماء المسلمين لقب (فضيلة) لانهم يجودون بمالديهم من علم ولم اجد تصنيفا للمكارم في الادب كمثل هذه الابيات: ان المكارم اخلاق مطهـــــــرة ................................فالعقـــــــــل اولها والدين ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعــــــها .................................والصبر خامسها والصدق ساديها والشكر ســابعها والجود ثامنها ................................ والرفق تاســــعها واللين عاشيها اما سبب انتشار هذه الفضيلة فيعود الى ثلاثة ابعاد: -البعد الاول :الحكمة الالهية اراد الله ان تنتشر هذه الفضيلة مع انتشار دينه وقد وصف جل شانه ذاته(ذو الفضل العضيم) كما وصف ذاته ايضا(باكرم الاكرمين)فكانت هذه الفضيلة صفة من صفاته ،كما عمقها جل شانه في القران الكريم وتمثلت هذه الفضيلة في الدين الاسلامي ومحمد صلى الله عليه وسلم خير تمثيل وذلك من خلال ايات واحاديث كثيرة. -البعد الثاني : مكة المكرمة وتعاقب اهلها والقائمين عليها قرون بعضهم من الشمال وبعضهم من اهل الجنوب ،فكان اهلها ابتداء من ابراهيم واسماعيل عليهما السلام واستمرت سيادة مكة في ابناء اسماعيل عليه السلام وهم من اهل الشمال.ثم انتقلت سيادة مكة الى قبيلة جرهم التي استقرت في مكة قرونا وهم من اهل الشمال ولظهور مهام السقايا والرفادة في مكة المكرمة عظيم الاثروبالغ الاهمية لكيفية تعليم الضيافة وانتشارها. واود ان اشير الى ان تميز الشمال عن الجنوب في القرون القديمة يختلف عما عليهالان حيث كان الجنوب يعني اليمن فقط والشمال يعني نجد والحجاز،ان هذاالتعاقب على مكة ادى الى انتشار هذه الفضيلة لدى جميع القبائل المتواجدة فيشبه الجزيرة العربية وبالتالي نقل هذه الفضيلة الى ديار اخرى من خلال هجرات القبائل التي غيرت اوطانها واهلها لم يسكنوا مكة ولم يقطنوها ولكن زاروهاكحجيج فعرفوا هذه الفضيلة واحبوها وتاصلت لديهم وخلال عودتهم الى اوطانهمنقلوا العديد من القيم والفضائل الى اوطانهم ومنها فضيلة الكرم. -البعد الثالث:وهو بعد روحي ونفسي لقد تنسجمت هذه الفضيلة مع نفوس ابناء الجزيرةوتحلوا بهاواصبحت معيارا يشير الى التفضيل والرفعةوسلوكا يحترم فاعله ويثنى عليه ويذم تاركه ويقدح به وهذا المقنعالكندي يقول: وما انا الا عبد الضيف مادام نازلا ......................................وماشيمة لي غيرها تشبه العبدا والشواهد في الادب عديدة وغزيرة.وقد امتزجت العديد من الفضائل الدينية واخذتها الامة كسلوك وعرف اجتماعي تتعامل بها واليك بهذا البدوي الذي يجوب اطراف الصحارىاذ يقول على سجيته وببساطته وعاميته: ترى الخوي والضيف والثالث الجار .........................................مثل الصلاة مابين فرض وسنه وخلاصة ماتقدم هو ان فضيلة الكرم ذات اساس ديني ومن ثم تحولت الى سلوك وعرف اخلاقي اجتماعي وان ابراهيم عليه السلام هو المعلم الاول لهذه الفضيلة ،وان مكة المكرمة (ام القرى) هي المدرسة الاولى لهذه الفضيلة وان المنهج كان ربانيا مرتبطا بدين الاسلام دين ابراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام
احمد علي باشا العواصي